مملكة حِمْيَر | ||||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|
مملكة سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم في المرتفعات والتهائم | ||||||||
𐩢𐩣𐩺𐩧𐩣 (𐩹𐩧𐩺𐩵𐩬) | ||||||||
|
||||||||
مملكة حمير في أقصى اتساع لها
| ||||||||
عاصمة | ظفار يريم | |||||||
نظام الحكم | ملكية | |||||||
اللغة الرسمية | اللغة الحميرية | |||||||
الديانة | الوثنية اليهودية الحنفية |
|||||||
المجموعات العرقية | عرب | |||||||
الملك | ||||||||
| ||||||||
التاريخ | ||||||||
| ||||||||
اليوم جزء من | اليمن عُمان السعودية |
|||||||
تعديل مصدري - تعديل |
مملكة سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم في المرتفعات والتهائم أو مملكة حِمْيَر (خط المسند: 𐩢𐩣𐩺𐩧𐩣 أو 𐩹𐩧𐩺𐩵𐩬) (110 ق.م - 525/527 م) مملكة قديمة نشأت في ظَفارِ يريم واستطاعت القضاء على ممالك اليمن القديم الأربعة وضمها وقبائلها في مملكة واحدة وهي آخر مملكة يمنية قبل الإسلام وكانت لهم علاقة وثيقة بمملكة كندة عن طريق تحالف بينهم يعود للقرن الثاني ق.م.[1][2]
الحميريون بالأصل قبائل سبئية اعتنقت الديانة اليهودية، كانت تنتشر في مناطق ريمة - تعز - إب - ذمار وأجزاء من صنعاء ومأرب، وعاصمتهم ظفار في محافظة إب.
ما زالت معارف الباحثين ضئيلة عن تاريخ هذه المملكة السياسي وتاريخ اليمن القديم عمومًا فالمُكتشف يمثل نسبة ضئيلة للغاية وعثر على غالبه بظاهر الأرض وظهرت المملكة قرابة العام 110 ق.م وهي فترة مضطربة في تاريخ اليمن تزامنت مع ظهور أقيال إقطاعيين وضعف السلطة المركزية المتمثلة بمملكة سبأ[3] سبب ظهور الإقطاعيين كان زوال الهيمنة اليمنية على تجارة البحر الأحمر مما دفع الأقيال لإلغاء طبيعة الحكم الاتحادية واستبدالها، كانت الغلبة في نهاية الحرب لصالح أقيال حِمْيَر بعد قرن ونصف من النزاع ضد همدان ومملكة حضرموت[4] عكس أسلافهم فإن الإخباريين بعد الإسلام كانوا يعرفونهم فقد سقطت دولة الحميريين قبيل الإسلام إلا أنهم خلطوا الكثير واعتمدوا كعادتهم على القصص والمخيلة الشعبية في تدوين هذا التاريخ واستطاع علم الآثار الحديث إعادة كتابة تاريخ هذه المملكة.
أحد أبرز آثار الحميريين عبر تاريخ اليمن هو إقدامهم على التخلي عن الوثنية في اليمن القديم وعبادة إله واحد هو الرحمن[5] كان الحِمْيَريِّون وثنيين في بدايتهم ثم تحولوا لليهودية واعتنقوا الإسلام في القرن السابع الميلادي.
كان اقتصاد الحِمْيَريِّين يعتمد على الزراعة والتجارة بالبخور واللبان والصمغ وتمتلئ كتاباتهم القديمة عن التجارة وأقاموا عدداً من السدود الصغيرة بالإضافة لترميمهم سد مأرب القديم. مرت المملكة بعدة تحديات لعل أبرزها كان في بدايات القرن السادس للميلاد من استقلال زعماء القبائل ودخولهم في حروب ضد بعضهم البعض أضعفت الحِمْيَريِّين كثيراً.
الحِميريون قبائل سبئية كانت تقطن في إب وكانوا متحالفين مع قبائل مملكة قتبان (حلفاً)[6] وفق نصوص المسند فهم من أبناء الإله عم رغم أن الحِمْيَريِّين لم يشيروا لهذا الإله في كتاباتهم. ذكرهم اليونان بأنهم شعب كثير العدد وعلى صلات حسنة بالإمبراطورية الرومانية وعاصمتهم «سفار» (ظفار يريم). موطنهم مدينة ظفار يريم في محافظة إب حالياً وقد سماهم السبئيون «ذو ريدان» أي أنهم كانوا أذواء على مخلاف أو حصن ريدان وكانوا حلفاء مملكة قتبان[7] كتابات الإخباريين والنسابة، وهي كتابات يجب أن تقرأ بحذر شديد[8] ذكرت «حميراً» وأن اسمه الحقيقي كان «العرنج» ولكن لارتدائه حلة حمراء سُمي بحِمْيَر[9] وخرافات مشابهة أنه ابن لسبأ وأول من تتوج بالذهب وعاش ثلاثمائة سنة وما شابهها من أقوال لا دليل ولا سند يدعمها على الإطلاق[10] فكتابات النسابة وأهل الأخبار إن جانبت كبد الصواب أو اقتربت منه، فإن ذاكرة من نقلوا عنهم لا تتجاوز القرن السادس الميلادي[11] بينما أول ظهور للحميريين حسب المكتشف من نصوص المسند يعود إلى أواخر القرن الخامس قبل الميلاد[12] لذلك لا يمكن الاعتماد على كتاباتهم فلا هم نقلوا من مصادر مدونة ولا كلفوا أنفسهم بقراءة نصوص المسند أو حتى كتابات اليونانيين والبيزنطة[13] قد زعموا أن حِمْيَراً اسم علم من الأعلام وأنه ابن «سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان»[14] ويتمادى بعضهم فيصل سلسلة النسب المزعومة إلى الشخصية التوراتية آدم[15] فسلاسل الأنساب العربية ظهرت بعد الإسلام والغالب عند باحثي العصر الحديث أنها أسطورية وخرافية[16][17]
وصف المؤرخون المسلمون الملوك الحميريين بالـ«تبابعة» وإدعوا أن «تُبَّع» كان لقبهم[18] والحقيقة أنه لم تُكتشف كتابة واحدة يشير فيها الحميريون إلى ملوكهم بهذا اللفظ بل كانوا يستعملون لفظة «ملك» وأقرب كلمة لها في النصوص القديمة هي كلمة «ذي بتع» ويبدو أن من الإخباريين من كان على دراية بها فحرفها إلى «تبع» وعلى كل حال فـ«ذي بتع» في نصوص خط المسند تشير إلى جزء من قبيلة همدان لا الحميريين[19] وقد حصر جميع المؤرخين المسلمين المُلك في اليمن القديم للحِمْيَريِّين ومرد ذلك أن حِمْيَر كانت آخر مملكة يمنية «جاهلية».[20]
مثلهم مثل باقي ممالك اليمن القديم، فإن كتابات خط المسند تعد أوثق المصادر التي تحكي تاريخهم[21] وكان للمستشرقين الأوروبيين الصدارة في إعادة إحياء هذا التاريخ وكتابته من جديد وأولهم المستشرق الدنماركي كارستن نيبور الذي كان أول أوروبي يلفت انتباه الأوروبيين لوجود قلم قديم في اليمن سماه بالـ«قلم الحميري»[22] وعدد من الأطباء الفرنسيين الذين بفضل علاجهم لبعض مشايخ القبائل حصلوا على حمايتها وتجولوا في أرجاء اليمن مصحوبين بحماية القبائل وقاموا بنسخ العديد الكتابات القديمة في القرن التاسع عشر بالإضافة لضباط إنجليز مثل جون فيلبي وجيمس ويلستيد الذي كان له الفضل الأول باكتشاف ونسخ أحد أهم الكتابات المتعلقة بمملكة حمير، وهي الكتابة المتعلقة بالملك الحميري اليهودي يوسف أسأر يثأر[23] لم تكن هناك أبحاث على أيامهم عن اللغة الصيهدية فلم يستطيعوا قرائتها إلا أن بدأ اليهود بدراسة هذا التاريخ وأبرزهم إدوارد جلازر وجوزيف هاليفي، فمعرفة هولاء باللغة العبرية ودراساتهم حول اللغات سامية ساعدتهم على قراءة النصوص وترجمتها وقد اضطر كثير منهم لدراسة اللهجات اليمنية لمساعدتهم على ترجمة وفهم بعض المصطلحات[24] وتاريخهم أكثر وضوحاً إلى حد ما من تاريخ باقي الممالك العربية الجنوبية القديمة ومع ذلك فإن الكثير لايزال غامضاً فكل مانُسخ من كتابات نُسخ في القرن التاسع العشر في وقت كانت اليمن بلا حكومة مركزية والسلطان الأول والأخير كان للقبائل بل بعض هولاء الباحثين قٌتل خلال مسعاه لنسخ بعض الكتابات[25] واضطر إدوارد جلازر للإدعاء أنه تركي وتنكر جوزيف هاليفي على هيئة متسول لا حول له ولا قوة ليقي نفسه تحرشات القبائل مع ذلك استطاعوا دراسة ما يقارب الأربعة آلاف كتابة قديمة وعدد كبير من التماثيل جزء لا يعرف مقداره إتجه معهم إلى أوروبا. فالقبائل كانت تنظر بكثير من الريبة لهولاء المستشرقين وللأسف فإن البعثات الأثرية الحديثة تتعرض لنفس المضايقات مما يمنع الباحثين من سرد تاريخ المملكة بشكل واضح[26][27] رغم أن كثيرا من هولاء المستشرقين أبدى وأظهر في منشوراته شغفا وتعلقا كبيراً بهذا التاريخ[28] ولا زال معظم تاريخ الحميريين غامضاً ومربكا كمعظم تاريخ اليمن القديم.
أقدم النصوص المكتشفة عن حِميَّر حتى الآن هو نص حضرمي يشير إلى بناء سور حول وادي لبنة بحضرموت، مهمة السور كانت إعاقة الحميريين من التعرض لقوافل مملكة حضرموت بين شبوة وميناء قنا وحجزهم عن تجاوز أراضي مملكة حضرموت نحو الساحل ويعود تاريخ النص لعام 400 ق.م (القرن الخامس)[29] كون الحِميَّريين حكومتهم على أواخر القرن الثاني قبل الميلادي في وقت ضعفت فيه مملكة سبأ كثيراً فاكتسح الحِميَّريين المناطق الوسطى والجنوبية من اليمن اليوم وأتخذوا من ظفار يريم عاصمة لهم[30] أول قيل للحميريين كان شمر ذو ريدان الذي خاض معارك عديدة ضد إيلي شرح يحضب وتحالف مع كل عدو للسبئيين إلا أنه لم ينتصر واضطر في نهاية المطاف لمصالحة ملك سبأ بل إنضم كقائد في جيوشه[31] كانت حٍميَّر منقسمة فمنهم من كان محالفاً لسبأ ومنهم من بقي مستقلا لا يعترف بحكومة السبئيين التي كانت ضعيفة في تلك الفترة فظهرت أربع سلالات ملكية في اليمن، حاشد وبكيل وسلالتان من حِميَّر كل قيل منهم يلقب نفسه بلقب «ملك سبأ وذو ريدان»[32] استمر الاضطراب لمدة قرن ونصف من الزمان وظهر وفق بعض التقديرات إثنا عشر قيل حِميَّري قبل أن يتمكن الحِميَّريين من تثبيت ملكهم عام 275 للميلاد بقيادة شمَّر يهرعش[33]
شمر هذا هو ابن ياسر يهنعم الثاني ولكلا الملكين ذكر في كتابات الإخباريين فزعموا أن إسمه «ياسر أنعم» و«ناشر النعم» وقالوا أنه ملك بعد بلقيس التي قالوا عنها أنها ابنة إيلي شرح يحضب والدلائل الأثرية لا تثبت أي من هذه القصص فياسر يهنعم عاش في النصف الأول من القرن الثالث بعد الميلاد وبينه وبين بلقيس والملك سليمان الشي الكثير[34] كان شمر يهرعش أول من أضاف كلمة «يمنت» أو «يمنة» إلى لقبه الملكي ولم تٌكتشف كتابة قبل هذا العهد تشير إليها ومن «يمنت» هذه ظهر اسم اليمن[34] السبب في ظهور «اليمن» في الكتابات الرسمية هو أن الحميَّريين ألغوا الحكم الذاتي الذي كانت تتمتع به القبائل والمناطق أيام مملكة سبأ فوحدوا البلاد بسلطة مركزية لا تعترف بإستقلالية الأقاليم[35] من أول المعارك التي خاضها شمر كانت معركة في تهامة في مكان إسمه «بيش» (محافظة بيش) في منطقة جازان حالياً وكان قائد الحملة ضابط برتبة مقتوى إسمه «أبو كرب» وذكر أنه حارب قبائل عك و«سهرة» و«حرة» و«صحار» وختم النص بأن شكر إلهه إل مقه وقدم تمثالين من الذهب لإنه تمكن من قطع رؤوس المتمردين[36][37] ثم سير حملة أخرى بقيادة مقتوى آخر من خولان إتجاه حريب في مأرب ثم إتجه نحو منطقة خيوان قرب صنعاء ثم وادي أملح في صعدة ثم نحو عسير مرة أخرى فأسر الخولانيون 46 محاربا وسبوا 2400 امرأة وطفل وغنموا 316 رأسا من الإبل[38] ثم خاض معركة مع همدان وآل «ذي بتع» من حاشد وختم صاحب النص بتقديم صنم إلى الإله إل مقه أن من عليه بتقوية دعائم سد مأرب إثر أمطار غزيرة هطلت كادت لتدمر السد[39] هدأت الأمور لفترة وأُكتشفت نصوص عديدة لسواد الناس تشكر الآلهة على وفرة الحصاد وهي دلالة على هدوء سياسي ساد السنين الأولى لشمر يهرعش[40]
في النصف الثاني من أيام شمر يهرعش، شن ملك المناذرة إمرؤ القيس بن عمرو حملة توسعية فغزا نجد وأخضع قبائل بني أسد ونزار حتى وصل نجران التي سماها امرؤ القيس بن عمرو هذا بـ«مدينة شمر» ويقصد شمر يهرعش[41] وذكر ملك المناذرة أنه هزم مذحج ومعد فيها. يتضح من النصوص المكتشفة في هذه الفترة أن على شبه الجزيرة العربية ثلاث ملوك هم امرؤ القيس بن عمرو (الأول) ملك مملكة الحيرة وملك اسمه مالك ولا يعرف اسمه الكامل كان ملك مملكة كندة وشمر يهرعش ملك الحِميَّريين[42] كان قائد حملة المناذرة رجل يدعى «نشدئيل» فتجمعت قوات شمر في صعدة وجمع معه جمعا كبيراً من خولان فتوجه نحو أراضي مملكة كندة واشتبكت القوات الحميرية مع قوات المناذرة في تلك الأرض[43] والغالب أن المقصود بأرض كندة في النص كان مكان يسمى اليوم بالأفلاج في جنوب نجد[43] لم تكتشف كتابة بعد عن مصير قائد المناذرة المدعو «نشدئيل» هذا ولكن أُكتشفت كتابة عن تقدم الحِميَّريين ويعاونهم أعراب من مملكة كندة ومذحج نحو الإحساء والقطيف وأراضي وصفها صاحب النص بأنها تابعة لتنوخ[43] وذكر قائد الأعراب أن القطيف تابعة للفرس[43] قوت هذه الحملة من ارتباط مملكة كندة ومذحج بالحِميَّريين وكثر ذكرهم في الكتابات اللاحقة حتى أصبحوا ركيزة أساسية في حملات مملكة حِميَّر ضد أعدائها فكندة ومذحج كانوا أعراباً أشداء استعملهم الحميريين لتخويف أعدائهم وختم قائد هولاء الأعراب النص بعودته إلى نجران[44]
يبدو أن الحضارمة استغلوا إنشغالهم بالمناذرة ليعلنوا تمردهم وبالفعل أكتشف نص عن أقيال من حضرموت يدعون «رب شمس» و«شراحيل» طردوا الحامية الحميرية من شبوة وهي عاصمة حضرموت القديمة فباغتتهم قوات تابعة للحميريين من شبام وأنزلت خسائر فادحة بالحضارم بقيادى حميري يدعى «سعد ذي جدن» كان كبيرا على كل أعراب سبأ كندة ومذحج وأعراب حمير «باهلة» و«حرام» ولم يرد عن تمرد حضرمي بعدها[45] أستغلت أطراف التمرد في حضرموت لتتمرد هي بدورها، فدون شمر يهرعش كتابة يصف فيها تمرد من سماهم بـ«دود خولان» في صعدة ونجح في قمع التمرد ثم توجه نحو أراضي سنحان وقمع خروجهم كذلك[46] ثم توجه شمالاً نحو جيزان وذكر أن هناك قبيلة إسمها «حرة» تمردت عليه فقمع التمرد هناك[47] ورد نص عن عمليات نهب قامت بها عدة قبائل من مذحج لا زالت موجودة إلى اليوم وهي بنو الحارث بن كعب والنخع وقبيلة «جرم» نسبها الإخباريون إلى حمير بن سبأ وبعضهم إلى مذحج، قامت هذه القبائل الثلاث بقيادة رجل مذحجي يدعى سداد بن عمرو بنهب مدينة مأرب فأرسل شمر يهرعش قواتا لتعقب الجناة ونجحت القوات بالقبض عليهم وإعدامهم[48]
توفي شمر يهرعش وحكم بعده إبنه ياسر يهنعم الثالث وكان عهده سيئاً فأستقل الأقيال مستغلين ضعف الملك فدامت الفوضى قرابة الأربعين سنة[49] حتى ظهر الملك ذمار علي يهبر الذي تمكن من تثبيت دعائم الدولة من جديد إلا أن تصدعاً أصاب سد مأرب في عهده[50] لم يكتشف الباحثون الكثير عن ذمار علي يهبر سوى تمثاله وحكم بعده إبنه ثارن يهنعم وفي هذه الفترة أورد الرومان أن يهودا في العربية السعيدة منعوهم من مزاولة التبشير وبالفعل يلاحظ أن الإله إل مقه اختفى في الشواهد المكتوبة بخط المسند[51] يعاني الباحثون من فجوة وعدم وضوح في هذه التواريخ ولعل مزيدا من الاكتشافات كفيل بحل الإرتباك. ظهر ملك حميري يدعى «أبو كرب أسعد» وهو أسعد الكامل ويعد من أقوى ملوك المملكة الحِميَّرية وأطولهم حكما فقد حكم منفردا لمدة خمسين سنة[52] مهد طريقا جديداً للقوافل المتجهة نحو العراق عبر نجد وأكتشف جون فيلبي كتابة له في موقع «مأسل جمح» في محافظة الدوادمي بالسعودية حالياً[53] حكم بعده ملك يدعى حسان يهأمن ويذكر الإخباريون أن حسان هذا هو من أفنى قبائل طسم وجديس في اليمامة ولم تُكتشف كتابة بالمسند عن أي من هذا ولكن أُكتشفت كتابة تشير إلى معارك لحسان يهأمن ضد المناذرة بمعاونة مملكة كندة[54] حكم بعد حسان يهأمن إبنه شرحبيل يعفر وأكتشفت كتابة مهمة عن تصدع آخر أصاب سد مأرب وعكس النصوص السابقة يذكر هذا النص أن قبائل ارتحلت عن مواطنها خوفا من الموت ولكنه لم يذكر أسمائها ويرجح عدد من المستشرقين سبب تصدع السد لكارثة طبيعية قد تكون زلزالا[55] ثم حكم شرحبيل يكف وهو من الملوك القلائل الذين دانوا بالمسيحية في اليمن وكان الحميريين يشيرون للسيد المسيح بلفظة «كرشتس» وهي مأخوذة من اليونانية[56] أشرك شرحبيل أبنائه الثلاث في الحكم وهم «نائف» (نايف) و«لحيعة» و«معديكرب»[57] و«لحيعة» هذا هو «لحيعة بن ينوف ذو شناتر» في كتابات الإخباريين وأكتشت كتابة تشير إلى «هرج» وكلمة هرج تعني الحرب أو الفوضى فكانت تلك بداية تضعضع ملك الحِميَّريين إلى سقوطهم نهائيا عام 527 ميلادية[58] لا يعرف سبب الحرب وذُكر أن قائد التمرد رجل يدعى «مرثدئيل» (مرثد إيل) لقب نفسه باللقب الملكي الطويل الذي يلقب ملوك مملكة حمير به أنفسهم وهو «ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم في المرتفعات والتهائم»[59] توجد فجوة هنا فليس من الواضح ماكان مصير «مرثدئيل» هذا وتوسعت رقعة القتال فشملت قبائل كندة ومذحج وقبائل أخرى في أيام أخر ملوك حمير وهو الملك معديكرب يعفر وذلك عام 516 ميلادية[60] تقلص سلطان الحميريين وانتشرت المعارك والحروب في أرجاء المملكة وظهر الملك يوسف أسأر يثأر الحميري وكان يلقب بملك كل الشعوب يتضح من اسمه انه كان يهوديا كسائر ملوك حمير. شن الملك يوسف الحميري حملات عسكرية على الاحباش الغزاة في ظفار يريم وهدم كنيستهم ثم توجه نحو المخا وقضى على الاحباش هناك ثم توجه نحو نجران وقد ناصرته كبرى قبائل اليمن قبائل همدان ومذحج وكندة ومراد وخلال حملاته العسكرية قتل يوسف اثنا عشر ألف من الأحباش وأسر أحد عشر ألف وتسعين أسير من الغزاة الاحباش وغنم مئتي ألف رأس من الإبل والبقر والضأن وذكر في كتابته انه رابط في تهامة في مكان وصفه بـ«حصن المندب» على البحر من جهة الحبشة ولا شك أنه يقصد باب المندب، وقد ذكر النقش قبيلة همدان واعرابها وذكر مشاركة خيرة المقاتلين اليزنيين وذكر أسماء الأقيال سادة اليزنيين الذين ناصروا الملك يوسف وهم سميفع أشوع وابنه حيعت يرخم واخيه شرحال أشوع ذو يزن وابنه مرثد يمجد بن شرحال وشرحبال يكمل.[61][62]
في عام 527 تولي القيل سميفع أشوع حكم اليمن واتخذ لقب «ملك سبأ» وهو من سادات «ذو يزان» الذين قاتلوا إلى جانب الملك يوسف أسأر يثأر. وفي عام 531 للميلاد، بعد مرور ثلاثة عشر سنة على هزيمة الاحباش، أرسل كالب ملك الحشبه جيش جديد مكون من ثلاثة آلاف جندي بقيادة قائد عسكري وصفته المصادر البيزنطية باسم «آبراهموس» (أبرهة) لغزو اليمن مجدداً والانتقام من الحميريين. وقد أُكتشف نص بخط المسند ان كندة وبكيل و«ذي يزن» و«ذي خليل» و«ذي سحر» قاموا بناء التحصينات مقابل البحر لقتال أبرهة[63]
وعندما وصلت القوات الحبشية من مملكة أكسوم بقيادة أبرهة زيبمان إلى اليمن، انظمت لهم قبائل جنوبية وردت في النص وقد قاتل أقيال حضرموت إلى جانب أبرهة زيبمان واعلن أبرهة زيبمان نفسة ملكاً على سبأ وذو ريدان وحضرموت، وكانت أطول معارك أبرهة مع يزيد بن كبشة سيد قبيلة كندة واليزنيين الذين قاتلوا إلى جانب يوسف أسأر يثأر الحميري[64][65]، وقد دون أبرهة زيبمان نقش يذكر فيه أحد غزواته على قبيلة معد عندما تمردت قبائل بنى عامر حيث وجه قواته والقبائل إلى وادي ذو مرخ وحلبن (حلبان) وقد ذكر انهم ذبحوا وأسروا وغنموا بوفرة وحارب أبرهة في حلبن وذكر انه اقترب من اباده معد وأخذ منهم الاسرى، وقام أبرهة بتعين عمرو بن المنذر شيخ على قبيلة معد بعد التصالح ورجع أبرهة من حلبن (حلبان)، وقام أبرهة ببناء كنيسة القليس في صنعاء وبشن حمله عسكرية نحو مدينة مكة لهدم الكعبة في نفس العام الذي ولد فيه النبي محمد حوالي 570 م وقد فشلت الحملة رغم استعانته بالفيلة.
كان الحميريين وثنيين في بدايتهم ثم تحولوا للتوحيد واصبحوا يعبدون الله ويطلقون عليه اسم الرحمن، تظهر النقوش اعتناقهم الديانة اليهودية.
وفي العصر النبوي كان الحميريين في اليمن يهود الديانة مما سهل اعتناقهم الإسلام، وقد شاركت القبائل الحميرية بشكل فعال في الفتوحات الإسلامية من الصين حتى الأندلس.
في السطر الأول كاتب النقش شرحال ذو يزن يطلب البركة من الله مما يدل أنه كان موحداً:
الترجمة: ليبارك إلهنا الذي له (ملك) السماوات والأرض الملك يوسف اسار يثار ملك كل الشعوب وليبارك الأقيال
السطر الثاني:
السطر الثالث:
الترجمة: الذين ناصروا سيدهم الملك يوسف اسار يثار عندما أحرق الكنيسة واباد الأحباش في ظفار وعلى حرب (الأحباش في) اشعرن وركبان (مناطق) والفرسان (جزيرة)
السطر الرابع:
الترجمة: والمخا وعلى حرب الأحباش والمرابطة في نجران وصناعه سلسله من التحصينات في باب المندب وقد شتتوا وكذلك انهينا جيوشهم (قضينا على جيوشهم)
في السطر الخامس يذكر عدد قتلى واسرى الاحباش:
الترجمة: وهكذا أفلح الملك في هذه المعركة في قتل 12500 اثناعشر الف وخمسمائة قتيل و11090 أحد عشر ألف وتسعين اسير
السطر السادس:
الترجمة: وغنم مئتي الف رأس من الإبل والبقر والظان وقد كتب هذه المسند القيل شرحال ذي يزن عندما رابط في اعالي نجران
السطر السابع:
الترجمة: مع شعب همدان (من أهل) المدينة والعرب والمقاتلين من اليزنيين وأعراب كندة ومراد ومذحج، واخوته الأقيال رابطوا مع الملك
السطر الثامن:
الترجمة: على البحر من جهة الحبشة واقاموا سلسلة من التحصينات في باب المندب وكل الذين ذكروا بهذا المسند قاتلوا وغنموا ورابطوا في هذه المهمة
السطر التاسع والعاشر:
الترجمة: وعادوا عندما انتهوا من المهمه في تاريخ ثلاثة عشر وليبارك الرحمن بنيهم شرحبال يكمل، وهعن اسار بني لحيعت، ولحيعت يرخم بن شميفع، ومرثدال يمجد بن شرحال سادة يزان بتاريخ ذو مذران سنة 633 ستمائة وثلاثة وثلاثين (يعادل 522 ميلادي)
ختام النقش:
الترجمة: والرحمن العالي (حافظ) هذه المسند من كل مخادع (مخرب)، واكتب تقدم اسم الرحمن ، (والذي) دون (النقش) تمم فليحضى (برضى) الرب الهادي الذي له الحمد (دعاء)
كاتب النقش هو القائد العسكري القيل شرحال ذو يزن والذي اشرف على نقش النقش يدعى (تمم بن معدن) بمعنى تمم من قبيلة معد وله نقوش اخرى وبهذه النقش بالشطر الاخير كتب ( تمم ذ حظيت برب هد وبمحمد ) ذكر بنقشه اسم هد، واسم بمحمد لكن اختلف اللغويين بالترجمة، وممكن يترجم الى (تمم فليحضى (برضى) رب هود ومحمد) ، و يفهم من النقش ان الحرب استغرقت أكثر من 20 سنه منذ عودة الاقيال اليزنيين من إنجاز مهماتهم بتهامه واقامة الحصون في باب المندب بتاريخ 13 الى تاريخ 33 وقت تدوين النقش من قبل القيل شرحال ذو يزن.
كُتب هذا النقش في عام 633 حسب التقويم الحميري الذي يعادل عام 522 ميلادي.