اقتصاد كلي

يأخذ الاقتصاد الكلي نظرة شاملة للاقتصاد بأكمله، بما في ذلك دراسة أدوار الشركات والقوة البشرية والحكومات والعلاقات بينها، وأنواع الأسواق المختلفة، مثل السوق المالية وسوق العمل.

الاقتصاد الكلي (بالإنجليزية: Macroeconomics)‏ هو فرع من فروع الاقتصاد يتعامل مع أداء وبنية وسلوك وصنع القرار في الاقتصاد ككل.[1] وهذا يشمل الاقتصادات الإقليمية والوطنية والعالمية.[2][3] الاقتصاد الكلي يدرس مواضيع مثل الناتج المحلي الإجمالي والدخل القومي والبطالة ومؤشرات الأسعار والتضخم والاستهلاك والادخار والاستثمار والطاقة والتجارة الدولية والتمويل الدولي.

الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي هما المجالان الأكثر عمومية في الاقتصاد.[4] غالباً ما يركز الاقتصاد الكلي على دولة كاملة أو مجموعة دول إقليمية أو العالم بأسره لفهم كيفية تفاعل الأسواق لإنتاج ظواهر واسعة النطاق يشير إليها خبراء الاقتصاد باسم المتغيرات الكلية. أمّا في الاقتصاد الجزئي يركز التحليل على سوق واحدة، مثل ما إذا كانت التغيرات في العرض أو الطلب هي المسؤولة عن ارتفاع الأسعار في قطاعي النفط والسيارات. من الفصول التمهيدية في "مبادئ الاقتصاد" وصولاً لأدق الدراسات يُضفى طابع مؤسسي على الانقسام الكلي/الجزئي في مجال الاقتصاد. يحدد معظم خبراء الاقتصاد أنفسهم إما كخبراء في الاقتصاد الكلي أو الاقتصادي الجزئي.

تقليدياً فإن علم الاقتصاد الكلي ينقسم إلى مواضيع مختلفة زمنياً مثلاً تحليل التقلبات قصيرة الأجل على مدار دورة الأعمال، وتحديد المستويات الهيكلية لمتغيرات غير المتأثرة بالانحرافات قصيرة الأجل (مثل التضخم والبطالة في المدى المتوسط)، ودراسة النمو الاقتصادي الطويل الأجل. كما يدرس عواقب السياسات التي تستهدف التخفيف من التقلبات مثل السياسة المالية أو النقدية، باستخدام الضرائب والإنفاق الحكومي أو أسعار الفائدة على التوالي، والسياسات التي يمكن أن تؤثر على مستويات المعيشة في الأمد البعيد.

من المعترف به عمومًا أن علم الاقتصاد الكلي كمجال منفصل للبحث والدراسة بدأ في عام 1936، عندما نشر جون ماينارد كينز كتابه النظرية العامة للتشغيل والفائدة والنقد، لكن هناك مفكرين أقدك منه. فقد قدمت مدارس فكرية اقتصادية مختلفة تفسيرات للاقتصاد الكلي مثل الاقتصاديين النقديين والاقتصاديين الكلاسيكيين الجدد.

المفاهيم الأساسية للاقتصاد الكلي

[عدل]

يشمل الاقتصاد الكلي مجموعة متنوعة من المفاهيم والمتغيرات، لكن المتغيرات الاقتصادية الكلية المركزية الثلاثة هي الناتج والبطالة والتضخم.[5]:39  لكن الإطار الزمني يختلف في موضوعات الاقتصاد الكلي، وهذا الاختلاف أمر بالغ الأهمية للعديد من البحوث والمناقشات السياسية.[5]:54 اضافة  لبعد مهم آخر وهو انفتاح الاقتصاد، حيث تميز النظرية الاقتصادية بشكل حاد بين الاقتصادات المغلقة والاقتصادات المفتوحة.[5]:373

الإطار الزمني

[عدل]

بحكم العادة، يتم التمييز بين ثلاثة آفاق زمنية في الاقتصاد الكلي، وهو يركز في كل منها على تحديد، الناتج،[5] على سبيل المثال:

  • على المدى القصير (بضع سنوات): ينصب التركيز على تقلبات دورة الأعمال والتغيرات في الطلب الإجمالي التي غالبًا ما تكون سبب تلك التقلبات. تُعتبر سياسات الاستقرار مثل السياسة النقدية أو السياسة المالية ذات صلة أيضًا في هذا الإطار الزمني
  • المدى المتوسط (عقد): يميل الاقتصاد إلى وضع مستوى إنتاج محدد من خلال عوامل الإمداد مثل مخزون رأس المال ومستوى التكنولوجيا والقوى العاملة، حيث يتم إعادة البطالة إلى مستواها الهيكلي (أو «الطبيعي»). تتحرك هذه العوامل ببطء، بحيث يكون من التقريب المعقول أخذها على الشكل الوارد في جدول زمني متوسط الأمد، على الرغم من أن سياسات سوق العمل وسياسة المنافسة تُعد أدوات من شأنها التأثير على هياكل الاقتصاد وبالتالي التأثير على التوازن متوسط الأمد أيضًا
  • على المدى الطويل (عقدين أو أكثر): ضمن هذا النطاق الزمني، ينصب التركيز على محددات النمو الاقتصادي على المدى الطويل مثل تراكم رأس المال البشري والمادي والابتكارات التكنولوجية والتغيرات الديموغرافية. من السياسات المحتملة للتأثير على هذه التطورات هي إصلاح التعليم والحوافز لتغيير معدلات الادخار أو زيادة أنشطة البحث والتطوير

الناتج والدخل

[عدل]

يتمثل الناتج الوطني في المبلغ الإجمالي لكل ما ينتجه البلد في فترة زمنية معينة. يقدم كل ما يتم إنتاجه أو بيعه قدرًا متساويًا من الدخل. عادةً ما يقاس الناتج الصافي الإجمالي للاقتصاد بوصفه الناتج المحلي الإجمالي (جي دي بي). ينتج الدخل القومي الإجمالي عن إضافة الدخل الصافي الخارجي للعوامل إلى الناتج المحلي الإجمالي، الذي بدوره يقيس الدخل الإجمالي لجميع العاملين في الاقتصاد. في معظم البلدان، يكون الفرق بين الناتج المحلي الإجمالي والدخل القومي الإجمالي معتدلًا بحيث يمكن معاملة الناتج المحلي الإجمالي على أنه دخل إجمالي لجميع السكان أيضًا، لكن قد يكون الفرق كبيرًا في بعض البلدان، مثل البلدان ذات الأصول الأجنبية الصافية (أو الديون) بمقدار كبير.[5]

يدرس علماء الاقتصاد المهتمون بالزيادات طويلة الأمد ناتج النمو الاقتصادي. إن التقدم في التكنولوجيا، إلى جانب تراكم الآلات ورؤوس الأموال الأخرى وتحسين التعليم ورأس المال البشري، يُعد من العوامل التي تؤدي إلى زيادة الناتج الاقتصادي مع مرور الوقت. ومع ذلك، فإن الناتج ليس من الضرورري أن يزداد دائمًا باستمرار، حتى بمرور الوقت. يمكن أن تسبب دورات الأعمال انخفاضات قصيرة الأمد في الإنتاج، وهي تسمى فترات الركود. يبحث علماء الاقتصادي عن سياسات الاقتصاد الكلي التي من شانها منع الاقتصادات الأخرى من الانزلاق إلى حالة الركود أو التضخم والتي تؤدي بدورها إلى مستويات إنتاجية ومعيشية أعلى.

البطالة

[عدل]
مخطط يستخدم بيانات الولايات المتحدة يوضح العلاقة بين النمو الاقتصادي والبطالة كما يعبر عنها قانون أوكون. توضح العلاقة البطالة الدورية. يؤدي نمو الناتج المحلي الإجمالي المرتفع في الأمد القريب إلى انخفاض معدل البطالة

تُقاس البطالة في الاقتصاد من حلال معدل البطالة أي النسبة المئوية للأشخاص في قوة العمل الذين ليس لديهم وظيفة ولكنهم يبحثون بنشاط عن وظيفة. الأشخاص المتقاعدون أو الذين يتابعون التعليم أو الذين انهارت عزيمتهم في البجث عن عمل بسبب نقص فرص العمل ليسوا جزءً من قوة العمل وبالتالي لا يُحتسبوا عاطلين عن العمل ولا يدخلون ضمن مؤشر البطالة.[5]:156

تحتوي البطالة على مكونين إحداهما دوري قصير المدى يعتمد على دورة الأعمال، وآخر هيكلي أكثر ديمومة والذي يمكن اعتباره بشكل عام متوسط معدل البطالة في الاقتصاد على مدى فترات طويلة،[6] وغالباً ما يطلق عليه اسم عامل البطالة الطبيعي[6] أو معدل البطالة الهيكلية.[5][7]:167

تحدث البطالة الدورية عندما يكون النمو في حالة ركود. يمثل قانون أوكون العلاقة التجريبية بين البطالة ونمو الناتج المحلي الإجمالي على المدى القصير.[8] تنص النسخة الأصلية من قانون أوكون على أن زيادة الإنتاج بنسبة 3% من شأنها أن تؤدي إلى انخفاض البطالة بنسبة 1%.[9]

المعدل البنيوي أو الطبيعي للبطالة هو مستوى البطالة الذي سيحدث في حالة توازن متوسطة الأجل أي في حالة يكون فيها معدل البطالة الدوري صفر. وقد تكون هناك عدة أسباب لوجود مستوى بطالة إيجابي حتى في حالة محايدة دورياً، وكلها ترجع إلى نوع من فشل السوق:[6]

  • تحدث البطالة البحثية (وتسمى أيضًا البطالة الاحتكاكية) عندما يكون العمال والشركات غير متجانسين وتوجد معلومات غير كاملة مما يتسبب عموماً في عملية بحث ومطابقة [الإنجليزية] تستغرق وقتًا طويلاً عند ملء وظيفة شاغرة في شركة وخلال هذه العملية غالباً ما يكون العامل المحتمل عاطلاً عن العمل.[6][10] قد تتسبب التحولات القطاعية والأسباب الأخرى لتغير الطلب من الشركات على العمال ذوي المهارات والخصائص المحددة والتي تحدث باستمرار في اقتصاد متغير، أيضًا قد تزداد البطالة البحثية بسبب زيادة عدم التطابق بين الشركات والعمال.[11][12][13]
  • نماذج أجور الكفاءة هي نماذج سوق العمل حيث تختار الشركات عدم خفض الأجور إلى المستوى الذي يتساوى فيه العرض مع الطلب لأن الأجور المنخفضة من شأنها أن تخفض مستويات كفاءة الموظفين.[11]
  • قد تمارس النقابات العمالية، التي تعد جهات فاعلة مهمة في سوق العمل في بعض البلدان القوة السوقية [الإنجليزية] من أجل الحفاظ على الأجور فوق مستوى تسوية السوق لصالح أعضائها حتى على حساب بعض البطالة.
  • قد تمنع الأجور الدنيا القانونية الأجور من الانخفاض إلى مستوى تسوية السوق، مما يتسبب في البطالة بين العمال ذوي المهارات المنخفضة (ومنخفضي الأجر).[11][14] ومع ذلك، في حالة امتلاك أصحاب العمل لبعض قوة الاحتكار، فقد يكون لتأثيرات التوظيف إشارة معاكسة.[15]

التضخم والانكماش

[عدل]
التغيرات في متوسطات الأسعار المتحركة على مدى عشر سنوات ونمو المعروض النقدي (باستخدام مقياس M2(أداء موديلياني [الإنجليزية])، وهو المعروض من العملة الصعبة والأموال المحتفظ بها في معظم أنواع الحسابات المصرفية) في الولايات المتحدة من عام 1880 إلى عام 2016. وعلى المدى الطويل، تظهر السلسلتان ارتباطًا إيجابياًواضحاً

يُطلق على الزيادة العامة في الأسعار في مختلف أنحاء الاقتصاد اسم التضخم وعندما تنخفض الأسعار يحدث الانكماش يقيس خبراء الاقتصاد هذه التغيرات في الأسعار بمؤشرات الأسعار. ويزداد التضخم عندما يصبح الاقتصاد محموماً وينمو بسرعة كبيرة وبالعكس حيث يمكن أن يؤدي الاقتصاد المتدهور إلى انخفاض التضخم وحتى الانكماش في بعض الحالات.

وعادة ما يكون لدى محافظي البنوك المركزية الذين يديرون السياسة النقدية أولوية رئيسية لتجنب التضخم المرتفع للغاية ويتعاملون مع التضخم بشكل عام عن طريق تعديل أسعار الفائدة. يمكن أن يؤدي التضخم المرتفع وكذلك الانكماش إلى زيادة عدم اليقين وغير ذلك من العواقب السلبية، وخاصة عندما يكون التضخم (أو الانكماش) غير متوقع وبالتالي تهدف معظم البنوك المركزية إلى مستوى تضخم إيجابي ولكن مستقر وليس مرتفعاً جداً.[5]

التضخم ينتج غالباً من عدة عوامل فالطلب الكلي الزائد في الاقتصاد سوف يتسبب في زيادة توترات السوق مما يرفع معدلات التضخم عبر منحنى فيليبس بسبب سوق العمل الضيقة مما يؤدي إلى زيادات كبيرة في الأجور والتي سوف تنتقل إلى زيادات في أسعار منتجات أصحاب العمل. أما الطلب الكلي القليل جداً فسوف يكون له التأثير المعاكس المتمثل في خلق المزيد من البطالة وانخفاض الأجور، وبالتالي تقليل التضخم. كما ستؤثر صدمات العرض الكلي على التضخم مثل ما حدث في أزمة الطاقة في السبعينيات وأزمة الطاقة العالمية 2021-2023. وقد تؤثر التغيرات في التضخم أيضاً على تشكيل توقعات التضخم، مما يخلق دوامة تضخمية أو انكماشية تولد ذاتياً.[5]

تنص نظرية كمية النقود [الإنجليزية] على أن التغيرات في مستوى الأسعار ناجمة بشكل مباشر عن التغيرات في المعروض النقدي.[16] وفي حين توجد أدلة تجريبية تشير إلى وجود علاقة إيجابية طويلة الأجل بين معدل نمو مخزون النقود ومعدل التضخم فقد ثبت عدم موثوقية نظرية الكمية في الأفق الزمني القصير والمتوسط فيما يتعلق بالسياسة النقدية وتخلت المصارف المركزية اليوم عنها كمبدأ توجيهي عملي.[17]

الاقتصاد الكلي للاقتصادات المنفتحة

[عدل]

يتناول الاقتصاد للاقتصاد المفتوح العواقب المترتبة على التجارة الدولية في السلع والأصول المالية وربما أسواق العوامل [الإنجليزية] مثل هجرة العمالة ونقل الشركات دولياً (رأس المال المادي). ويستكشف ما يحدد الواردات والصادرات والميزان التجاري وعلى آفاق أطول تراكم الأصول الأجنبية الصافية [الإنجليزية]. ومن الموضوعات المهمة الدور الذي تلعبه أسعار الصرف وإيجابيات وسلبيات الحفاظ على نظام سعر الصرف الثابت أو حتى اتحاد العملة مثل الاتحاد الاقتصادي والنقدي للاتحاد الأوروبي، مستفيداً من الأدبيات البحثية حول مناطق العملة المثلى [الإنجليزية].[5]

التطور

[عدل]
جون مينارد كينز.

بشكل عام فإن أن الاقتصاد الكلي باعتباره مجال منفصل للبحث والدراسة بدأ بنشر نظرية جون مينارد كينز العامة في التوظيف والفائدة ةالنقد عام 1936.[5][18][19]:526  قُدِم مصطلحي "ديناميكيات الاقتصاد الكلي" و"التحليل الكلي" بواسطة ركنر فريش في عام 1933 واستخدم لورنس كلين في عام 1946 كلمة "اقتصاد كلي" نفسها في عنوان مجلة في عام 1946.[18] لكن وبطبيعة الحال نُقشت العديد من الموضوعات التي تشكل محوراً للبحث الاقتصادي الكلي من قبل خبراء اقتصاديين وكتاب آخرين قبل عام 1936.[18]

قبل كينز

[عدل]

الأسئلة الاقتصادية الكلية التي طرحت قبل كينز كانت تشكل أقكار بحثية لتقليدين قديمين درسوا نظرية دورة الأعمال ونظرية النقد. وكان ويليام ستانلي جيفونز أحد رواد التقليد الأول في حين وصف مارتن دي أزبيلكويتا نظرية كمية النقود [الإنجليزية]، التي تُعَد أقدم نظرية باقية في الاقتصاد كونها مثال للتقليد الثاني في القرن السادس عشر، ثم ناقشها فيما بعد شخصيات مثل جون لوك وديفيد هيوم. وفي العقود الأولى من القرن العشرين هيمن على النظرية النقدية خبراء الاقتصاد البارزون ألفريد مارشال وكنوت ويكسل وإيرفينج فيشر.[18]

الاقتصاد الكينزي

[عدل]

في فترة الكساد الكبير واجه خبراء الاقتصاد صعوبة في تفسير كيفية بقاء السلع غير مباعة وكيف يمكن للعمال أن يبقوا عاطلين عن العمل. في نموذج الاقتصاد الكلاسيكي الجديد الذي كان سائداً تنخفض الأسعار والأجور حتى تتضح الأسواق وتُباع جميع السلع والعمال. ولتقسير ذلك بدأ كينز في عمله الرئيسي النظرية العامة للتشغيل والفائدة والنقد وأحدث ما يُعرف بالثورة الكينزية فقد قدم تفسيراً جديداً للأحداث وإطاراً فكرياً كاملاً من خلال نظرية اقتصادية جديدة تفسر لماذا قد لا تتضح الأسواق، والتي تطورت إلى مدرسة فكرية تُعرف بالاقتصاد الكينزي، وتسمى أيضاً الكينزية أو النظرية الكينزية.[5]:526

يُفسر كينز الطلب الكلي والذي أطلق عليه الطلب الفعال ووصفه بأنه عنصر أساسي في تحديد الناتج ورغم اعترافه بأن الناتج قد يعود في نهاية المطاف إلى مستوى التوازن المتوسط الأجل (أو المحتمل) فإن العملية سوف تكون بطيئة في أفضل الأحوال. وقد صاغ كينز مصطلح تفضيل السيولة [الإنجليزية] (وهو الاسم المفضل لديه لما يعرف أيضاً بالطلب على النقود) وشرح كيف قد تؤثر السياسة النقدية على الطلب الكلي وفي الوقت نفسه قدم توصيات سياسية واضحة لأهمية الدور النشط للسياسة المالية في استقرار الطلب الكلي وبالتالي الناتج والعمالة. إضافة لإضاحه كيف قد يؤدي تأثير المضاعف [الإنجليزية] إلى تضخيم الانخفاض الطفيف في الاستهلاك أو الاستثمار والتسبب في الانحدار في مختلف أنحاء الاقتصاد وأشار إلى الدور الذي قد تلعبه حالة عدم اليقين والغرائز الحيوانية في الاقتصاد.[5]:526

الجيل الذي أعقب كينز بدأ بدمج الاقتصاد الكلي للنظرية العامة مع الاقتصاد الجزئي الكلاسيكي الجديد لإنشاء التوليف الكلاسيكي الجديد [الإنجليزية]. وبحلول الخمسينيات من القرن العشرين كان معظم خبراء الاقتصاد قد قبلوا وجهة النظر التوليفية للاقتصاد الكلي.[5]:526  وقد طور خبراء اقتصاد مثل بول صامويلسون وفرانكو موديلياني وجيمس توبين وروبرت سولو نماذج كينزية رسمية وساهموا بنظريات رسمية للاستهلاك والاستثمار والطلب على النقود والتي عملت على إضفاء الحيوية على الاقتصاد الكينزي.[5]:527

المذهب النقدي

[عدل]
منحنى فيليبس

تعرضت نظرية كمية النقود للتحديث على يد ميلتون فريدمان لتشمل دوراً للطلب على النقود. وزعم أن دور النقود في الاقتصاد كان كافياً لتفسير الكساد العظيم وأن التفسيرات الموجهة نحو الطلب الكلي لم تكن ضرورية. كما زعم فريدمان أن السياسة النقدية كانت أكثر فعالية من السياسة المالية؛ ومع ذلك شكك فريدمان في قدرة الحكومة على ضبط الاقتصاد بالسياسة النقدية. فقد فضل بشكل عام سياسة النمو الثابت في المعروض النقدي بدلاً من التدخل المتكرر.[5]:528

تحدى فريدمان العلاقة الأصلية البسيطة لمنحنى فيليبس بين التضخم والبطالة واقترح مع إدموند فيلبس (الذي لم يكن من أتباع المدرسة النقدية) نسخة "معززة" من المنحنى تستبعد إمكانية وجود مقايضة مستقرة طويلة الأجل بين التضخم والبطالة.[20] وعندما تسببت صدمات النفط في سبعينيات القرن العشرين في ارتفاع معدلات البطالة والتضخم أُثبتت صحة تفسيرها. كانت المدرسة النقدية مؤثرة بشكل خاص في أوائل الثمانينيات لكنها فقدت شعبيتها عندما وجدت المصارف المركزية أن النتائج مخيبة للآمال عند محاولتها استهداف المعروض النقدي بدلاً من أسعار الفائدة كما أوصى أتباع المدرسة النقدية. وخلصوا إلى أن العلاقات بين نمو النقود والتضخم ونمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير مستقرة للغاية بحيث لا يمكن أن تكون مفيدة في صنع السياسة النقدية العملية.[21]

الاقتصادات الكلاسيكية المحدثة

[عدل]

الاقتصاد الكلي الكلاسيكي المُحدث تحدى المدرسة الكينزية بشكل كبير فعند تقديم روبرت لوكاس التوقعات العقلانية للاقتصاد الكلي بدأ التطور المركزي في الفكر الكلاسيكي فقبله كان خبراء الاقتصاد يستخدمون عموماً التوقعات التكيفية حيث كان من المفترض أن ينظر العملاء إلى الماضي القريب لتكوين توقعات حول المستقبل، أمّا قي ظل التوقعات العقلانية يُفترض أن العملاء أكثر تعقيداً.[5]:530  فلن يفترض المستهلكون ببساطة معدل تضخم بنسبة 2% لمجرد أن هذا كان المتوسط ​​في السنوات القليلة الماضية بل سينظرون إلى السياسة النقدية الحالية والظروف الاقتصادية لتكوين توقعات مستنيرة. وفي النماذج الكلاسيكية الجدية ذات التوقعات العقلانية لم يكن للسياسة النقدية سوى تأثير محدود.

كما قدم لوكاس نقداً مؤثراً [الإنجليزية] للنماذج التجريبية الكينزية فقد زعم أن نماذج التنبؤ القائمة على العلاقات التجريبية ستظل تنتج نفس التوقعات حتى مع تغير النموذج الأساسي الذي يولد البيانات ودعا إلى نماذج قائمة على النظرية الاقتصادية الأساسية (أي وجود أساس اقتصادي جزئي واضح [الإنجليزية]) والتي من شأنها من حيث المبدأ أن تكون دقيقة هيكلياً مع تغير الاقتصادات.[5]:530

بعد انتقادات لوكاس ابتكر خبراء الاقتصاد الكلاسيكيون الجدد بقيادة إدوارد بريسكوت وفين كيدلاند نماذج دورة الأعمال الحقيقية للاقتصاد الكلي وأُنشئت نماذج دورة الأعمال الحقيقية من خلال الجمع بين المعادلات الأساسية من الاقتصاد الجزئي الكلاسيكي الجديد لإنشاء نماذج كمية ومن أجل توليد التقلبات الاقتصادية الكلية. أوضحت نماذج دورة الأعمال الحقيقية حالات الركود والبطالة بالتغيرات في التكنولوجيا بدلاً من التغيرات في أسواق السلع أو النقود.

منتقدو نماذج دورة الأعمال الحقيقية يزعمون أن التغيرات التكنولوجية التي تنتشر عادة ببطء في جميع أنحاء الاقتصاد لا يمكن أن تولد تقلبات كبيرة في الناتج في الأمد القريب، بالإضافة إلى ذلك هناك أدلة تجريبية قوية على أن السياسة النقدية تؤثر على النشاط الاقتصادي الحقيقي وتبدو فكرة أن التراجع التكنولوجي يمكن أن يفسر حالات الركود الأخيرة غير معقولة.[5]:533[6]:195

على الرغم من الانتقادات الموجهة المنهجية الاقتصادية في نماذج التوازن العام القائم على التقلبات، فقد كانت هذه النماذج مؤثرة للغاية في المنهجية الاقتصادية من خلال توفير الأمثلة الأولى لنماذج التوازن العام القائمة على أسس الاقتصاد الجزئي وتحديد الصدمات الأساسية التي تهدف إلى تفسير السمات الرئيسية لتقلبات الاقتصاد الكلي ليس فقط من الناحية النوعية بل وأيضاً من الناحية الكمية وبهذه الطريقة كانت هذه النماذج رائدة لنماذج التوازن العام الديناميكي اللاحقة.[6]:194

الفروقات

[عدل]
  • الاقتصاد الكينزي كان أحد أسباب التسمية هي أن هذا الفكر (الاقتصاد الكلي) تأثر في بدايته بطريقة شديدة بالاقتصادي كينز، وفي فترة الكساد الكبير وركزت النظريات على شرح مستويات البطالة والدورات التجارية. في حين تقلبات الدورة التجارية ينبغي تخفيضه من خلال السياسات الضريبية – fiscal policy (وذلك خلال تجميع الأموال وإنفاقها حسب الحالة من قبل الحكومة) والسياسة النقدية. والكينزين الأوائل كانوا ممن يشجعون تطبيق السياسات بشدة وذلك من اجل استقرار سياسة الاقتصاد الرأسمالي. في حين ان بعض الكينزين دعوا إلى استخدام سياسات الدخل (income polices)
  • الاقتصاد التقليدي الحديث (Neoclassical economics) لعقود كان هناك انقسام بين الكينزية والنظرية الكلاسكية الاقتصادية، في حين ان الكينزية كانت تهتم بدراسة الاقتصاد الكلي والكلاسيكية بالجزئي. هذا الأنقسام تم لحمه في اواخر الثمانينات. وفي الوقت الحالي النماذج التي استخدمها كينز تعتبر عتيقة الطراز، فاستنتجت نظريات جديدة ذات منطقية وثبات وذلك كله بعلاقة مع الاقتصاد الجزئي. الاختلاف الجوهري اليوم في النظرية الثانية للاقتصاد الجزئي هو تركيز أكثر على السياسات المالية مثل نسب الفائدة ومجموع النقد المتداول. فنظرية الاقتصاد الكلي اليوم دمجت دراسة اجمالي الطلب والعرض الكلي مع دراسة النقد.

سياسات الاقتصاد الكلى

[عدل]

في محاولة لتفادي الصدمات الاقتصادية الرئيسية، مثل الكساد الكبير، تحاول الحكومات اليوم إجراء تعديلات في السياسة العامة التي تأمل ان تنجح في تحقيق استقرار الاقتصاد ونموه. فالحكومات تعتقد ان نجاح هذه التعديلات ضروري للمحافظة على ثبات واستقرار الاقتصاديات. هذه الإدارة الاقتصادية تتحقق من خلال نوعين من السياسات.

المراجع

[عدل]
  1. ^ Samuelson، Robert (2020). "Goodbye, readers, and good luck — you'll need it". The Washington Post. مؤرشف من الأصل في 2022-04-07. This article was an opinion piece expressing despondency in the field shortly before his retirement, but it is still a good summary.
  2. ^ O'Sullivan، Arthur؛ Sheffrin، Steven M. (2003). Economics: Principles in Action. Upper Saddle River, New Jersey: Pearson Prentice Hall. ص. 57. ISBN:978-0-13-063085-8.
  3. ^ Steve Williamson, Notes on Macroeconomic Theory, 1999 نسخة محفوظة 2024-09-17 على موقع واي باك مشين.
  4. ^ Blaug, Mark (1985)، Economic theory in retrospect، Cambridge: Cambridge University Press، ISBN:978-0-521-31644-6
  5. ^ ا ب ج د ه و ز ح ط ي يا يب يج يد يه يو يز يح يط Blanchard (2021).
  6. ^ ا ب ج د ه و Romer (2019).
  7. ^ Sørensen and Whitta-Jacobsen (2022).
  8. ^ Dwivedi, 445–46.
  9. ^ "Neely, Christopher J. "Okun's Law: Output and Unemployment. Economic Synopses. Number 4. 2010".
  10. ^ Dwivedi, 443.
  11. ^ ا ب ج Mankiw (2022).
  12. ^ "Freeman (2008)".
  13. ^ Dwivedi, 444–45.
  14. ^ Pettinger, Tejvan. "Involuntary unemployment". Economics Help (بالإنجليزية البريطانية). Archived from the original on 2024-09-17. Retrieved 2020-09-21.
  15. ^ Dickens, Richard; Machin, Stephen; Manning, Alan (Jan 1999). "The Effects of Minimum Wages on Employment: Theory and Evidence from Britain". Journal of Labor Economics (بالإنجليزية). 17 (1): 1–22. DOI:10.1086/209911. ISSN:0734-306X. S2CID:7012497. Archived from the original on 2023-12-10.
  16. ^ Mankiw 2022، صفحة 98.
  17. ^ Graff، Michael (أبريل 2008). "The quantity theory of money in historical perspective". Kof Working Papers. KOF Swiss Economic Institute, ETH Zurich. ج. 196. DOI:10.3929/ethz-a-005582276. مؤرشف من الأصل في 2024-12-11. اطلع عليه بتاريخ 2023-09-03.
  18. ^ ا ب ج د Dimand (2008).
  19. ^ Snowdon and Vane (2005).
  20. ^ "Phillips Curve: The Concise Encyclopedia of Economics | Library of Economics and Liberty". www.econlib.org. اطلع عليه بتاريخ 2018-01-23.
  21. ^ Williamson، Stephen D. (2020). "The Role of Central Banks". Canadian Public Policy. ج. 46 ع. 2: 198–213. DOI:10.3138/cpp.2019-058. ISSN:0317-0861. JSTOR:26974728. S2CID:219465676.

المعلومات الكاملة للمراجع

[عدل]
  • Blanchard، Olivier (2021). Macroeconomics (ط. Eighth, global). Harlow, England: Pearson. ISBN:978-0-134-89789-9.
  • Dimand، Robert W. (2008). "Macroeconomics, origins and history of". في Durlauf، Steven N.؛ Blume، Lawrence E. (المحررون). The New Palgrave Dictionary of Economics. Palgrave Macmillan UK. ص. 236–44. DOI:10.1057/9780230226203.1009. ISBN:978-0-333-78676-5.
  • Dwivedi، D.N. (2001). Macroeconomics: theory and policy. New Delhi: Tata McGraw-Hill. ISBN:978-0-07-058841-7.
  • Mankiw، Nicholas Gregory (2022). Macroeconomics (ط. Eleventh, international). New York, NY: Worth Publishers, Macmillan Learning. ISBN:978-1-319-26390-4.
  • Romer، David (2019). Advanced macroeconomics (ط. Fifth). New York, NY: McGraw-Hill. ISBN:978-1-260-18521-8.
  • Sørensen، Peter Birch؛ Whitta-Jacobsen، Hans Jørgen (2022). Introducing advanced macroeconomics: growth and business cycles (ط. Third). Oxford, United Kingdom New York, NY: Oxford University Press. ISBN:978-0-19-885049-6.