الرقابة على البريد هي عملية تفتيش البريد أو فحصه، والتي غالبًا ما تقوم بها الحكومات. وقد تشمل الفتح والقراءة والإزالة الانتقائية أو الإجمالية للخطابات ومحتوياتها، ذلك بالإضافة إلى الأغلفة، والبطاقات البريدية والطرود وغيرها من الحزم البريدية. تم إجراء الرقابة على البريد مبدئيًا وليس حصريًا خلال وقت الحرب (على الرغم من عدم انخراط الأمة المعنية في الحرب، مثل أيرلندا أثناء الفترة 1939-1945 وفترات القلاقل وأحيانًا في أوقات أخرى، مثل فترات الشغب المدني أو فرض قانون الطوارئ. وقد تم إجراء الرقابة السرية والعلنية على البريد.
تعد الرقابة على البريد على مدار التاريخ ممارسة قديمة، فهي عادةً ترتبط بالتجسس وجمع المعلومات. قد يخضع البريد المدني والعسكري للرقابة، وغالبًا تقوم المنظمات المختلفة بتنفيذ الرقابة على هذه الأنواع من البريد. وفي حروب القرن العشرين، شملت أهداف الرقابة على البريد الحرب الاقتصادية والأمن والاستخبارات.
إن دراسة الرقابة على البريد هي عبارة عن دراسة موضوع الطوابعية في تاريخ البريد.
لا تتم الرقابة دائمًا على البريد العسكري من خلال فتح البريد أو قراءته، ولكن يحتمل حدوث ذلك خلال وقت الحروب والحملات العسكرية. وعادةً ما تكون خدمة البريد العسكري منفصلة عن البريد المدني ويقوم الجيش عادةً بإدارتها بشكل كامل. ومع ذلك، فقد تستفيد المخابرات الحربية من كل من البريد المدني والعسكري، ويكون لها متطلبات مختلفة من جمع المعلومات المدنية. فخلال وقت الحرب، كان يتم غالبًا فتح البريد القادم من الجبهة ومسح أو قطع الأجزاء المخالفة، وقد كان البريد المدني يخضع لمثل هذه الطريقة.
يخضع بريد أسرى الحرب ومعسكرات الاعتقال أيضًا للرقابة على البريد، والتي سُمح بها بموجب المادتين 70 و71 من اتفاقية جنيف الثالثة (1929 - 1949). وكثيرًا ما يخضع للرقابة المدنية والعسكرية على البريد نظرًا لمروره عبر كل من النظامين البريديين.
حتى السنوات الأخيرة، كان احتكار نقل البريد المدني منوطًا بالحكومات[1][2] وقد سهل ذلك من عملية التحكم في الرقابة على البريد. وتختلف المعلومات التي يتم الحصول عليها من البريد المدني عن تلك التي يُحتمل العثور عليها في البريد العسكري.
قامت الحكومات المختلفة على مدار العصور الحديثة، عادةً أثناء فترات الحرب، بفحص البريد الوارد أو الصادر من البلاد وذلك لمنع تواصل العدو مع الكيانات المعادية الموجودة داخل الدولة. كما توجد أيضًا العديد من الأمثلة الخاصة ببريد أسرى الحرب من هذه البلاد والذي تم أيضًا فحصه أو مراقبته. يمكن تحديد البريد الذي تمت رقابته من خلال العلامات البريدية والتواريخ والطوابع البريدية وغيرها من العلامات التي يتم وضعها على الجانبين الأمامي والخلفي من الغلاف (المظروف). غالبًا ما تحتوي الأغلفة على ختم لاصق، وعادةً تحمل علامات تعريف خاصة والتي يتم استخدامها لإعادة غلق وختم المظروف بعد الفحص.
خلال السنوات التي سبقت الثورة الأمريكية، قام النظام الملكي البريطاني في المستعمرات الأمريكية بالتلاعب في البريد والجرائد التي تم إرسالها بين مختلف المستعمرات في محاولة لمنع إبلاغها بالمستجدات والتنظيم فيما بينها. فغالبًا ما يتم تدمير البريد بشكل تام.American Heritage Magazine, The U.S. Post Office, 1775-1974</ref>[3]
خلال الحرب الأهلية الأمريكية، قامت كل من حكومات الاتحاد والحكومات الكونفدرالية بتشريع الرقابة على البريد. وكان يصل عدد جنود الاتحاد والجنود الكونفيدراليين في معسكرات أسرى الحرب إلى ما يقرب من مليون ونصف من الرجال. وقد بلغ عدد الأسرى في معسكر أندرسونفيل الكونفدرالي لأسرى الحرب أيضًا إلى 45000 رجل مع نهاية الحرب. ونتيجة لذلك، ارتفع عدد البريد المرسل إلى ومن الجنود المحتجزين في المنشآت المخصصة لأسرى الحروب. وتم فحص البريد الصادر والوارد من معسكرات الأسرى في الشمال والجنوب وذلك قبل وبعد الاستلام. وكان يُسمح فقط بعبور البريد عبر خطوط العدو في موقعين محددين.
في بريطانيا، تم إنشاء مكتب البريد العام في 1657، وسرعان ما تحول إلى «مكتب سري» بغرض اعتراض سبيل المراسلات المشفرة الواردة من الخارج وقراءتها وفك رموزها. وتم الإعلان عن وجود المكتب السري في عام 1742 عندما تم اكتشاف أنه في السنوات العشر السابقة تم تحويل مبلغ 45675 جنيهًا إسترلينيًا (وهو مبلغ هائل من المال في ذلك الوقت) بشكل سري من الخزينة إلى مكتب البريد العام لتمويل أنشطة الرقابة.[4] وفي عام 1782، تم تحويل مسؤولية إدارة المكتب السري إلى وزير الخارجية ثم قام بالميرستون في النهاية بإلغائه في عام 1847.
تم تنفيذ الرقابة على البريد خلال الحرب العالمية الأولى (WWI) في بريطانيا العظمى وفرنسا وألمانيا وغيرها من الدول المختلفة التي انخرطت في هذه الحرب.
عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، كانت هناك بعض الأماكن التي تمارس الرقابة على البريد. ففي عام 1919، كانت تتم في النمسا وبلجيكا وكندا وجمهورية فايمار والاتحاد السوفيتي. وكانت تتم الرقابة أثناء صراعات أخرى مثل الاحتلال الإيطالي لإثيوبيا بين عامي (1935 - 1936)[5] وبشكل خاص أثناء الحرب الأهلية الإسبانية في الفترة من 1936 إلى 1939.
أثناء الحرب العالمية الثانية قامت كل من قوات الحلفاء ودول المحور بإنشاء رقابة على البريد المدني. وكانت أكبر المنظمات من الولايات المتحدة، على الرغم من توظيف المملكة المتحدة لحوالي 10000 موظف للرقابة، بينما قامت أيرلندا، وهي دولة صغيرة محايدة، بتوظيف 160 مراقبًا فقط.
تأسست الرقابة البريطانية بشكل أساسي في آنتري (بجوار ليفربول) مع وجود ما يقرب من 20 محطة رقابة أخرى في جميع أنحاء البلاد. بالإضافة إلى ذلك، قام البريطانيون برقابة بريد المستعمرات والسيادات في مراكز الرقابة في الأماكن التالية:
ارتفع عدد موظفي الرقابة بالولايات المتحدة الأمريكية إلى 14462 بحلول فبراير عام 1943 في مراكز الرقابة التي تم فتحها في نيويورك وميامي، فلوريدا ونيو أورلينز، لويزيانا وسان أنتونيو، تكساس ولاريدو وبراونزفيل وإل باسو ونوجاليز ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو وسياتيل، واشنطن وشيكاغو وسان خوان وشارلوت أمالي وبالبوا وكريستوبال وديفيد، بنما وهونولولو.
كما قامت أيضًا البلدان المحايدة مثل أيرلندا، والبرتغال وسويسرا برقابة البريد حتى وإن لم تكن منخرطة بشكل مباشر في الصراع.
تم استخدام القوائم السوداء والقوائم البيضاء لملاحظة البريد المريب أو لإدراج من يتم إعفاء البريد الخاص بهم من الرقابة. احتوت القائمة السوداء للولايات المتحدة، والتي تعرف باسم قائمة المراقبة لرقابة البريد بالولايات المتحدة، على 16117 اسمًا.[6]