الغزو المجري لحوض الكاربات،[1] أو الغزو المجري، أو الاستيلاء المجري على الأراضي (باللغة الهنغارية: honfoglalás، أي «غزو الوطن»)، سلسلةً من الأحداث التاريخية انتهت باستيطان المجريين أوروبا الوسطى في مطلع القرنين التاسع والعاشر. تحاربت ثلاث من أهم قوى العصور الوسطى المبكرة للسيطرة على حوض الكاربات قبل وصول المجريين: الإمبراطورية البلغارية الأولى، ومملكة الفرنجة الشرقيين، ومورافيا العظمى. جنّدت هذه القوى سابقًا فرسان مجريين من وقت لآخر، ما منح المجريين الذين استقروا في سهول بونتيك شرق الكاربات معرفةً مسبقةً بوطنهم المستقبلي عندما بدأوا عملية «الاستيلاء على الأراضي».[2]
بدأ الغزو المجري في سياق «عصر الهجرات «الصغيرة» أو المتأخرة». بيّنت المصادر المعاصرة عبور المجريين جبال الكاربات عقب هجوم مشترك في 894 أو 895 شنّه البجانكة والبلغاريون ضدهم؛ ومن ثم سيطرتهم على الأراضي المنخفضة شرق نهر الدانوب واحتلال بانونيا (المنطقة الواقعة غرب النهر) بعد مهاجمتها في عام 900. استغل المجريون النزاعات الداخلية في مورافيا لصالحهم وأبادوها بين عامي 902 و906.
عزز المجريون سيطرتهم على حوض الكاربات عبر التغلب على جيش دوقية بافاريا في معركة دارت أحداثها في براتيسلافا (بريزالاوسبورتس سابقًا) في 4 يوليو عام 907. بدأوا سلسلةً من الغارات بين عامي 899 و955 واستهدفوا أيضًا الإمبراطورية البيزنطية بين عامي 943 و971. على أي حال، استقرّوا بصورة تدريجية في الحوض وأسسوا ملكية مسيحية تحت اسم مملكة المجر نحو عام 1000.
تبيّن أنّ المؤلفين البيزنطيين كانوا أول من سجل هذه الأحداث؛ قدّم الإمبراطور ليو الحكيم أقدم عمل معروف تحت اسم التكتيكات، والذي اكتمل نحو عام 904 متضمنًا أحداث الحروب البيزنطية-البلغارية في 894-896، وهي سلسة من الصراعات العسكرية سبقت مباشرةً ترحيل المجريين من سهول بونتيك. يمكن تفسير هذا السرد شبه المعاصر في استمرارية التسجيل الزمني للأحداث من قبل الراهب جورج. على أي حال، يقدم العمل اليوناني من إدارة الإمبراطورية (باللاتينية: De Administrando Imperio) أكثر المعلومات تفصيلًا بعد جمعه برعاية الإمبراطور قسطنطين السابع بورفروجنيتوس في عام 951 أو 952.[3]
تروي الأعمال التي كتبها رجال الدين في الدول التي خلفت الإمبراطورية الكارولنجية بموجب معاهدة فيردان الأحداث المرتبطة بالغزو. يتمثل أقدم هذه الأعمال في حوليات فولدا التي انتهت في عام 901. تشير رسالة من ثيوتمار رئيس أساقفة سالزبورغ إلى البابا يوحنا التاسع في عام 900 إلى الغزاة المجريين، لكنها اعتُبرت مزيفةً غالبًا. يلخص الأب ريجينو البرومي الذي أكمل عمل التسلسل الزمني العالمي نحو عام 908 معلوماته المتعلقة بالمجريين في دخول وحيد في عام 889. قدّم الأسقف ليوتبراند الكريموني مصدرًا مهمًا آخر، وهو عمل بعنوان القصاص (باللاتينية: Antapodosis) نحو عام 960. يوفّر أفينتينوس، وهو مؤرخ من القرن السادس عشر، معلومات غير معروفة في أعمال أخرى، ما يوحي باستخدامه مصادر مفقودة حاليًا. على أي حال، تبقى مصداقيته موضع شك.
تروي مجموعة سلافونية كنسية قديمة السير التقديسية على لسان شهود عيان في زمن الحرب البلغارية البيزنطية خلال 894-896. تتضمن سيرة حياة القديس ناحوم الأولى، والتي كُتبت نحو عام 924، معلومات شبه معاصرة عن سقوط مورافيا العظمى نتيجة الغزو المجري، ويُذكر وجود نسخة أقدم منها تعود إلى القرن الخامس عشر. تعرض المخطوطات اللاحقة (والتي كُتب أقدمها في القرن الرابع عشر) بصورة مماثلة نص «التسلسل الزمني الروسي الأولي»، وهو عمل تاريخي اكتمل عام 1113، إذ يوفر معلومات تستند إلى مصادر بيزنطية ومورافية سابقة.[4]
أرّخ المجريون بأنفسهم في البداية أهم الوقائع في كتاب «شكل الأغاني والقصص الشعبية» للمؤلف (سي. إيه. مكارتني)، بينما جُمع أقدم سجل محلي في أواخر القرن الحادي عشر، ويوجد حاليًا في أكثر من صيغة، أما نسخته الأصلية فقد نُشرت وأعيد كتابتها مرات عديدة خلال العصور الوسطى. يحتوي مثلًا سجل الوقائع المصور العائد إلى القرن الرابع عشر نصوصًا من تاريخ القرن الحادي عشر.
يعتبر كتاب أعمال المجريين (باللاتينية: Gesta Hungarorum)، الذي كُتب قبل عام 1200 مع بقاء هوية كاتبه مجهولة، أقدم سجل محلي متبقي. على أي حال، يضم هذا المثال «الأكثر تضليلًا بين جميع النصوص المجرية المبكرة» للمؤلف (سي. إيه. ماكارتني) الكثير من المعلومات التي لا يمكن تأكيدها استنادًا إلى مصادر معاصرة. كتب سيمون الكيزي، أحد كهنة الديوان الملكي المجري، السجل الزمني التالي المتوفر حاليًا نحو عام 1283، ويدعي فيه وجود علاقة وثيقة بين المجريين وشعب الهون، الغُزاة السابقين لحوض الكاربات، ليكون بذلك الغزو المجري في الحقيقة غزوًا ثانيًا لنفس المنطقة من قبل الشعب نفسه، وفقًا لما أورده سيمون.[5]
تم التعرّف على قبور الأجيال الأولى من المجريين المحتلين في حوض الكاربات، بالإضافة إلى كشف أقل من عشرة مقابر مجرية في سهوب بونتيك. تضمّ معظم المقابر المجرية 25 أو 30 قبرًا، مع شيوع الدفن المعزول أحيانًا. دُفن الذكور البالغون (وأحيانًا النساء والأطفال) إمّا مع أجزاء من خيولهم أو مع ألجمة الخيل أو أشياء أخرى ترمز إلى الحصان. زُيّنت القبور أيضًا بأحزمة فضية مزخرفة، وحقائب كانت تُعلق بأحزمة الفرسان مجهزةً بألواح معدنية، وسروج على شكل الكمثرى، وأدوات معدنية أخرى. تملك العديد من هذه الأدوات نظائر مشابهة في «حضارة سالتوفو-ماياكي» وهي حضارة معاصرة متعددة الأعراق من سهوب بونتيك. تمركزت معظم المقابر في مطلع القرنين التاسع والعاشر في منطقة تيسا العليا وفي السهول على امتداد نهري رابا وفاه، مثل قرى تاركال، وتيشزابيزديد، وناسفاد (نيسفادي، سلوفاكيا) وغويوموري، وعُثر على مقابر صغيرة سابقة في كولوزفار (كلوج نابوكا) وماروسغومباش (جامباش) ومواقع ترانسيلفانية أخرى.
تشكل استمرارية التسجيل الزمني للأحداث من قبل الراهب جورج أقدم مرجع مؤكد على وجود المجريين، ويذكر هذا العمل تدخل المحاربين المجريين إلى جانب البلغاريين في صراعهم ضد الإمبراطورية البيزنطية في المنطقة السفلى من نهر الدانوب في عام 836 أو 837. سجلت حوليات القدّيس بيرتين أول غارة مجرية معروفة في وسط أوروبا، إذ كتب عن «أعداء غير معروفين حتى اللحظة، يطلق عليهم اسم المجريين»، هاجموا مملكة الملك لودفيش الجرماني في عام 862. يزعم فاجاي وفيكتور سبيني ومؤرخون آخرون تجنيد راستيسلاف المورافي عددًا من المجريين بهدف غزو الفرنجة الشرقيين في حربه مع لودفيش الجرماني. تنصّ رسالة ثيوتمار رئيس أساقفة سالزبورغ نحو عام 900 بوضوح على تحالف المورافيين مرات عديدة مع المجريين ضد الألمان.