التعلم البنائي هو مفهوم مستوحى من النظرية البنائية؛ حيث يقوم الأفراد من المتعلمين بإعداد نماذج عقلية يستطيعون من خلالها فهم العالم الذي يحيط بهم. ومع ذلك، ينص معنى البنائية على أن التعلم يمكن تحقيقه بفعالية أكبر عندما يكون الأشخاص نشيطين كذلك في تحقيق أشياء ملموسة في العالم الحقيقي. وفي إطار هذا المعنى، يتبين أن مصطلح البنائية يرتبط بالضرورة بالتعلم التجريبي، كما يستند إلى النظرية المعرفية للبنائية الخاصة بالعالم جان بياجيه.[1]
وقد عرّف سيمور باربت مصطلح البنائية في مقترح لـ المؤسسة الوطنية للعلوم تحت عنوان البنائية: فرصة جديدة لتعليم العلوم الأساسية كما يلي: «إن كلمة البنائية تمثل رمزًا تذكُريًا لجانبين من جوانب نظرية تعلم العلوم التي يقوم عليها هذا المشروع. ومن خلال مطالعة النظريات البنائية الواردة في علم النفس، سنتعرض لمصطلح التعلم باعتباره عملية إعادة بناء بدلًا من كونه عملية يتم من خلالها نقل المعرفة. ثم نتوسع في مفهوم فكرة المواد اليدوية لتشمل فكرة أن التعلم يمكن أن يكون أكثر فعالية عندما تصبح قدرة المتعلم على إنشاء منتج ذي معنى جزءًا من نشاطه الذي يؤديه.».[2]
وكما ذكر بابريت وايديت هاريل في مقدمة موضوع توضيع البنائية, «من السهل إلى حد ما صياغة الإصدارات الجذابة البسيطة لفكرة البنائية؛ على سبيل المثال التفكير في هذا المصطلح باعتباره عملية» التعلم من خلال العمل«. ويتمثل أحد أهداف هذا الفصل التمهيدي في توجيه القارئ نحو استخدام التنوع في الحجم لصياغة - لتأسيس - معنى البنائية بكثافة أكبر ومن نواحٍ متعددة أكثر وبعمق أكبر في انعكاسات هذا المعنى، عن قدرة أي صيغة أخرى في تغطية هذا المعنى بمثل هذه الأبعاد.».[3]
لقد انتشرت أفكار باربيت بشكل كبير وأصبحت معروفة بعد نشر كتابه المبتكر عصف العقول: الأطفال وأجهزة الكمبيوتر والأفكار المؤثرة (Mindstorms: Children, Computers, and Powerful Ideas) (الكتب الأساسية، 1980)؛ حيث وصف باربيت لأطفال الذين يقومون بإنشاء برامج باستخدام لغة اللوجو. فقد قام بربط نظام التعلم عندهم بالعيش في «أرض رياضية»، يكون فيها تعلم الأفكار الرياضية بنفس درجة تلقائية تعلمك الفرنسية أثناء العيش في فرنسا.[3]
يمثل ذلك نوعًا واحدًا من النظريات التي تنص على أن نظرية التعلم البنائي يمكن تطبيقها داخل الفصول الدراسية. وهو ما يُعرف باسم التعلم القائم على المشاكل. تعد نظرية التعلم القائم على المشاكل أسلوبًا يتيح للطلاب إمكانية اكتساب المعلومات عن موضوع ما من خلال تعريضهم لمشاكل متعددة وبالتالي، تصبح لديهم القدرة على تشكيل وجهة نظرهم الخاصة حول هذا الموضوع من خلال هذه المشاكل. ومن الممكن أن يكون هذا النوع من التعلم فعالًا للغاية بالنسبة لدارسي العلوم الرياضية؛ حيث يحاول الطلاب حل المسائل بالعديد من الطرق المختلفة؛ الأمر الذي يعمل على تنشيط أدمغة الطلاب.[4] ويوجد أنواع مختلفة من الإستراتيجيات التعليمية التي تسهم في جعل أسلوب التعلم القائم على المشاكل أكثر فعالية.
1. حاول إتاحة كافة الأنشطة التعليمية للمتعلِم بحيث تكون مرتبطة بمهمة أكبر. ويعد هذا الأمر مهمًا حيث إنه يتيح للطلاب معرفة مدى الاتصال بالأنشطة التي يمكن تطبيقها على العديد من مناحي الحياة. وكنتيجة لذلك، سوف يجد المتعلم المواد والأنشطة التي يمارسونها مفيدة.[5]
2. ويلزم أن يتم دعم المتعلمين حتى يشعروا أنهم في طريقهم ليصبحوا أصحاب المشكلة برمتها.[5]
3. يلزم إعداد مهمة حقيقية للمتعلم. وهذا يعني ضرورة أن تتوافق المهمة وقدرة المتعلم المعرفية مع المشاكل حتى يصبح التعلم ذا قيمة.[5]
4. استغراق وقت من التأمل في المحتوى الذي يتم تعلمه، وبالتالي يمكن للمتعلم التفكير في إطار عملية ما قد تعلموه.[5]
5. السماح للمتعلمين وتشجيعهم على اختبار الأفكار استنادًا إلى وجهات نظر مختلفة وفي سياقات مختلفة.[5]
وفيما يلي بعض الأمثلة على أسلوب التعلم القائم على المشاكل والذي يعتبر مثالًا على النهج البنائي للتعلم.[5]
لقد كان بابريت مؤيدًا قويًا لتطبيق تقنية المعلومات في الفصول المدرسية، كما فعل في أوائل استخدامه لغة لوجو لتعليم الطلاب الصغار قوانين الرياضيات. ويتمثل التعليم البنائي في قيام الطلاب باستخلاص استنتاجاتهم الخاصة من خلال ممارسة التجارب الإبداعية وإجراء مواضيع اجتماعية. وبهذا يتخذ المعلم البنائي دور الوسيط بدلًا من تبنيه موقف الموجِه. كذلك، يتم استبدال عملية التدريس «لـ» الطلاب بطريقة أخرى تتضمن مساعدتهم على فهم-ومساعدة بعضهم البعض على فهم-المشكلات بطريقة عملية.[3]
وعلى الرغم من استخدام نظرية البنائية، نظرًا لقوتها الحافزية، بشكل أساسي في تدريس العلوم والرياضيات (في شكل علوم قائمة على التحقيق), لكن يمكن القول إنها تطورت بشكل آخر في مجال الدراسات الإعلامية والتي غالبًا ما يقوم خلالها الطلاب بدراسة نظرية الإعلام وممارستها في ذات الوقت، بطريقة عملية تكاملية. وفي الآونة الأخيرة اكتسبت النظرية مكانة راسخة في اللغويات التطبيقية، في مجال اكتساب اللغة الثانية (أو SLA). ومن بين تلك التطبيقات استخدام اللعبة الشائعة سيم سيتي باعتبارها وسيلة لتدريس الإنجليزية باستخدام التقنيات البنائية (جرومك:2004).
اعتبارًا من أوائل ثمانينيات القرن العشرين، قامت مجموعة ليغو بتمويل الأبحاث الواردة في مجموعة أبحاث باريت بمختبر معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ووسائل الإعلام، ذلك الوقت الذي كانت تُعرف فيه باسم «مجموعة علم المعرفيات والتعلم.» وعندما أطلقت ليجو نظام اختراع الروبوتات من ليجو مايندستورمز الخاص بها في عام 1998، والذي يرتكز على العمل على مجموعة باريت الخاصة به، فقد حصلوا على إذن باستخدام لقب «مايندستورمز» من عنوان كتاب سيمور الصادر عام 1980. في مشروع لعبة ليجو الجادة (LEGO Serious Play) من مجموعة ليجو، تعلم رجال الأعمال التعبير عن مشكلات الشركة والتعرف عليها من خلال أداة متمثلة في تجمع من الطوب البلاستيكي-شكل آخر من أشكال التعلم البنائي.[3]
في عام 2005، قام بابريت بمساعدة كل من نيكولاس نيغروبونتي وآلان كاي بإطلاق مبادرة كمبيوتر محمول لكل طفل لوضع نظرية التعلم البنائي في إطار التنفيذ العملي في العالم النامي. وقد كان الهدف من هذه المبادرة توفير أجهزة كمبيوتر محمول بتكلفة 100 دولار للواحد لكل أطفال العالم النامي.[3]
كذلك، قامت المؤسسة الدولية لورش العمل (World Wide Workshop Foundation) بوضع التعلم البنائي في إطار التنفيذ العملي. وبتنصيب بابريت مستشارًا لهذه المؤسسة، قامت المؤسسة بإنشاء برنامج جلوبالوريا عام 2006 لتعليم الشباب كيف يصبحون صانعي ألعاب وأنظمة محاكاة باستخدام مبادئ التعلم البنائي.
لقد تم إنشاء مجموعة من لغات البرمجة، سواء بشكل كلي أو جزئي، للاستخدام التعليمي، لدعم النهج البنائي في التعلم. وتتميز هذه اللغات بأنها يمكن كتابتها ديناميكيًا، كما أنها عاكسة. ومن بينها: