جزء من سلسلة مقالات حول |
علم النفس |
---|
بوابة علم النفس |
التنافر المعرفي (بالإنجليزية: cognitive dissonance) في علم النفس، هو حالة من التوتر أو الإجهاد العقلي أو عدم الراحة التي يعاني منها الفرد الذي يحمل اثنين أو أكثر من المعتقدات أو الأفكار أو القيم المتناقضة في نفس الوقت، أو يقوم بسلوك يتعارض مع معتقداته وأفكاره وقيمه، أو يواجَه بمعلومات جديدة تتعارض مع المعتقدات والأفكار والقيم الموجودة لديه.[1][2]
تركز نظرية ليون فستنغر للتنافر المعرفي حول كيفية سعى البشر إلى خلق حالة من الاتساق الداخلي، ويميل الفرد الذي يواجه التنافر المعرفي إلى حالة من عدم الارتياح من الناحية النفسية، وينشئ داخله دافع لمحاولة الحد من هذا التنافر، وكذلك التجنب النشط للحالات أو المعلومات التي قد تزيد من حالة التنافر.[1]
يمكن للأفراد تعديل المواقف أو السلوكيات بطرق مختلفة، وتؤدي هذه التعديلات إلى واحدة من ثلاث علاقات بين المدركات المختلفة أو بين المدركات والسلوك.[1]
العلاقة المنسجمة وفيها ينسجم اثنين من المدركات/السلوكيات مع بعضها البعض (على سبيل المثال، عدم الرغبة في الحصول على مشروب كحولي أثناء التنزه-إدراك-، ومن ثم طلب الماء بدلا من المشروبات الكحولية -سلوك-)
العلاقة الغير ذات صلة ويوجد فيها اثنين من المدركات/السلوكيات التي لا علاقة لبعضها البعض (على سبيل المثال، عدم الرغبة في الحصول على مشروب كحولي، ثم الانشغال بربط الحذاء)
العلاقة المتنافرة وفيها يتعارض اثنين من المدركات/السلوكيات مع بعضها البعض (على سبيل المثال، عدم الرغبة في الحصول على مشروب كحولي، ثم استهلاك كمية كبيرة من الكحول).[1]
يتوقف مقدار التنافر المعرفي الناتج عن وجود متعارضات إدراكية-إدراكية (مدركات) أو إدراكية-سلوكية (فضلا عن المعاناة النفسية اللاحقة) على عاملين:
ويمثل الضغط النفسي الساعي لتقليل التنافر المعرفي وظيفة لمقدار هذا التنافر.
تأسست نظرية التنافر المعرفي على افتراض أن الفرد يسعي إلي الاتساق بين توقعاته وبين واقعه. وبسبب هذا، فإن الناس ينخطون في عملية تسمى «التقليل أو الحد من التنافر» لتحقيق حالة من التناغم بين المدركات-السلوكيات، وهذا التناغم بدوره يسمح لتخفيف حدة التوتر النفسي والضيق. ووفقا لفستنغر، فإن الحد من التنافر يمكن أن يتحقق بأحد أربع طرق. على سبيل المثال شخص يتبني موقف بأنه لن يأكل طعام عالي الدهون، ولكنه في نفس الوقت يأكل كعك يحتوي على نسبة عالية من الدهون، وبالتالي فإن الطرق الأربعة للحد من التنافر هي:
تستخدم عملية التصنيف من قبل البشر لمحاولة تبسيط العالم من حولهم، ويحدث التصنيف عادة بما هي الفئات الأكثر ملحوظية أو الفئات الأساسية؛ كالعرق والجنس والعمر. وبمجرد تحديد هذه الفئات، تنشأ في العقل مجموعة من المخططات الفكرية التي تتضمن توجهات (ونمطية) نحو هذه الفئات. وتنطوي هذه المخططات الفكرية والتوجهات أيضا علي مشاعر عاطفية سلبية تجاه تلك الصور النمطية (التحيز)، أو وجهات نظر ثابتة تتضمن تعميم زائد.[3]
تأخذ معظم الأبحاث حول نظرية التنافر المعرفي نموذج من أربعة نماذج رئيسية، واعتنت البحوث الهامة الناتجة عن النظرية بعواقب التعرض لمعلومات غير متناسقة مع وجود اعتقاد مسبق، وماذا يحدث بعد أن يتصرف الفرد بطرق تتعارض مع مواقفهم أو توجهاتهم السابقة، وماذا يحدث بعد اتخاذ الأفراد لقرارات مصاحبة.
يشعر الناس بالتنافر عندما تتم مواجتهم بمعلومات تتعارض مع معتقداتهم أو أفكارهم السابقة، وهذا التنافر يولد توتر وضعط نفسي يسعي لإزالة هذا التنافر، ويتم ذلك بتغيير المعتقد القديم أو رفض المعلومات الجديدة، وإذا لم يتم خفض هذا التنافر من خلال تغيير المعتقد القديم، فيمكن خفض التنافر واستعادة التناغم مرة أخري من خلال سوء الفهم أو رفض أو دحض المعلومات الجديدة، والسعي للحصول على دعم من الآخرين الذين يشتركون في نفس المعتقدات، ومحاولة إقناع الآخرين.[4][5]
ظهرت نسخة مبكرة من نظرية التنافر المعرفي في كتاب ليون فستنغر (1956) «عندما تفشل النبوءة» (When Prophecy Fails). ويعطي هذا الكتاب سردا لتعميق إيمان أعضاء طائفة دينية بعد فشل نبوءتهم القائلة مثلا بأن هبوط جسم غريب علي الأرض ليدمرها هو أمر وشيك، ومن ثم يجتمع المؤمنون من هذه الطائفة في مكان ووقت محدد مسبقا، معتقدين أنهم هم وحدهم من سيبقون على قيد الحياة نتيجة أن الأرض سيتم تدميرها، ثم يجئ هذا الوقت المحدد ويمر دون وقوع أي شيء، وهذا بدوره يجعلهم في مواجهة مع التنافر المعرفي الحاد: هل كانوا ضحية لخدعة؟ هل تبرعوا بممتلكاتهم الدنيوية عبثا؟ ويختار معظم الأعضاء تصديق شيء أقل تنافرا لحل الواقع الذي لا يستوفي مع توقعاتهم وذلك بتصديقهم أن الأجسام الغريبة قد أعطت الأرض فرصة ثانية، وأن مجموعتهم مخولة الآن لنشر الكلمة بأن الإفساد في الأرض يجب أن يتوقف، وتزيد هذه المجموعة بشكل كبير من التبشير على الرغم من (وكذلك بسبب) النبوءة الفاشلة.[6]
مثال آخر على نموذج الاعتقاد الغير مريح هو المجموعة اليهودية الأرثوذكسية التي تعتقد بأن (Menachem Mendel Schneerson) قد يكون المسيح، ولكن فشلت النبوئة عندما تُوفي بسكتة دماغية في عام 1994، وبدلا من قبول أنه ليس المسيح، خلص بعضهم إلى أنه لا يزال المسيح ولكن سيتم قريبا بعثه من بين الأموات. وقد اقترح البعض أن هذه العملية نفسها قد تفسر الاعتقاد السائد منذ ألفي سنة أن يسوع قام من بين الأموات.[7]
في تجربة فستنغر الكلاسيكية عام 1959، طلب من الطلاب قضاء ساعة في مهام مملة (على سبيل المثال، قلب أوتاد ربع دورة، مرارا وتكرارا) وقد صممت هذه المهام لتوليد موقف سلبي قوي. وبمجرد انتهاء الطالب من التجربة، يَطلب القائمون علي التجربة منه القيام بخدمة بسيطة، حيث طُلب منهم الحديث إلى شخص آخر (هو في الواقع ممثل)، وإقناعه بأن المهمة التي تم تكليفهم بها كانت مثيرة للاهتمام وجذابة، وتم دفع مبلغ لبعض المشاركين مقداره 20 دولار لإنجاز هذا الأمر، وتم دفع مبلغ لمجموعة أخرى مقداره 1 دولار، وكانت هناك مجموعة أخري (لمجموعة الضابطة للأداء أو مجموعة التحكم) لم يطلب منها شيء.
وعندماطلب منهم تقييم المهام المملة في ختام الدراسة، فإن أفراد مجموعة 1$ كانوا أكثر إيجابية من أولئك الموجودين في مجموعة 20$ أو مجموعة التحكم، وقد أوضح فستنغر ذلك كدليل على التنافر المعرفي. واعتبر الباحثون أن الأشخاص الذين يعانون من التنافر بين المدركات المتضاربة، كالتضارب بين اقناع الطلاب لغيرهم بأن التجربة ممتعة في حين أنها كانت مملة بالنسبة لهم، فعندما دفع فقط $1، أُجبر الطلاب على استبطان الموقف الذي حُملوا علي التعبير عنه واقناع أنفسهم به، لأن ليس لديهم أي مبرر آخر، وهذا سبب تنافر معرفي كبير بين ما يحاولون أقناع أنفسهم به وبين الواقع. أما في حالة $20، فكان لهم مبرر خارجي واضح لسلوكهم، وبالتالي كان التنافر المعرفي لديهم أقل.[8]
وفي تجارب لاحقة، أصبحت هناك طريقة بديلة وأكثر شيوعا لإحداث التنافر المعرفي. في هذا البحث، استخدم الباحثون طريقة مقالات كتابية لمواقف مقابلة، حيث تم دفع مبالغ لأشخاص بكميات متفاوتة من المال (على سبيل المثال، 1 $ أو 10 $) لكتابة مقالات تعبر عن آراء مخالِفة لآرائهم الشخصية. وكانت لدي الأشخاص ذوي المبلغ الصغير مبررات خارجية أقل تجاه هذا التناقض، مما دفعهم إلي إيجاد مبرر داخلي (استبطان) للحد من درجة التنافر العالية التي تعرضوا لها.
وكمتغير لنموذج الامتثال المستحث يأتي نموذج اللعبة المحرمة، ففي تجربة أجريت عام 1963 درست التبرير للذات لدى الأطفال.[9] وفي هذه التجربة، تُرك الأطفال في غرفة مع مجموعة متنوعة من الألعاب، بما في ذلك ألعاب مرغوب فيها للغاية. وقال الباحث أن نصف الأطفال قد تم تهديدهم بالعقاب الشديد في حالة لعبهم بلعبة معينة، وقال أن النصف الآخر تم تهديده بأنه سيكون هناك عقوبة خفيفة إن لعبوا بلعبة معينة، ووجد الباحث أن جميع الأطفال في الدراسة امتنعوا عن اللعب بالعبة، وفي وقت لاحق، تم إخبار الأطفال بأنهم يمكنهم اللعب بحرية مع أي لعبة أرادوا، ووجد الباحث أن الأطفال الذين تم تهديدهم بالعقوبة الخفيفة كانوا أقل إقبال علي اللعب باللعبة، على الرغم من أن زوال التهديد بالعقوبة. حيث أن الأطفال الذين تعرضوا للتهديد الخفيف كانت درجة العقاب في حد ذاتها ليست قوية بما يكفي لحل التنافر (نقص الدافع الخارجي)، فسعي الأطفال إلى إقناع أنفسهم بأن اللعبة لم تكن تستحق اللعب بها.[9]
في نوع مختلف من التجارب أجراه جاك بريم (Jack Brehm)، صنف 225 طالبة سلسلة من الأدوات الشائعة، ثم تم السماح لهن باختيار واحدة من اثنتين من الأدوات لتأخذها معها كهدية. وأظهرت الجولة الثانية من التصنيفات أن المشاركات زدن من تصنيفاتهن للبند الذي أرادوه، وخفضن تصنيفاتهن للبنود الأخري.[10]
ويمكن تفسير ذلك من حيث التنافر المعرفي، عند اتخاذ قرار صعب، فهناك دائما جوانب (ميزات) في قرار الرفض يجدها المرء جذابة وهذه الميزات متنافرة في ذات الوقت باختيار شيء آخر. وبعبارة أخرى، فإن إدراك، «عندما يتم التخيير بين س وص فأنا اختار س» ولكن ذلك يعد متنافرا بإدراك أن «هناك بعض الأمور تعجبني في ص» وقد وجدت المزيد من البحوث التي أجريت مؤخرا نتائج مماثلة لدى الأطفال والبالغين من العمر أربع سنوات من القرود.[11]
ينشأ التنافر المعرفي كلما انخرط الفرد طوعا في أي نشاط غير سار من أجل تحقيق بعض الأهداف المرجوة، ويمكن خفض التنافر من خلال المبالغة في الرغبة في تحقيق هذا الهدف، كان لدي آرونسون وميلز بعض الأفراد الذي خضوعوا بالاحراج للانضمام إلى مجموعة مناقشة. وطُلب من إحدي المجموعات قراءة اثنتي عشرة لفظ فاحش بصوت عال. وطُلب من الآخري قراءة اثنتي عشرة كلمة متعلقة بالجنس ولكنها ليست فاحشة. ثم أعطيت كلا المجموعتين سماعات رأس للاستماع إلى مناقشة مسجلة مسبقا «تهدف إلى أن تكون مملة ومبتذلة قدر المستطاع» حول السلوك الجنسي للحيوانات، وقيل لأفراد المجموعات أن هذا النقاش يحدث في الغرفة المجاورة لهم. وفي النهاية أعطت المجموعة ذات الألفاظ البذيئة تقييما للمجموعة في الغرفة المجاورة على أنها أكثر إثارة للاهتمام أكثر من المجموعة الأخري.[12]
يرتبط تبرير الجهد بفكرة التكلفة الغارقة.
وقد تبين أن غسل اليدين يساهم في القضاء على التنافر لما بعد اتخاذ القرار، ربما لأن التنافر هو سبب شائع من قبل الاشمئزاز الأخلاقي (مع نفسه)، والذي يرتبط إلى الاشمئزاز من الظروف الغير صحية.[13][14]
الثعلب والعنب وتعتبر مثال توضيحي كلاسيكي علي التنافر المعرفي، وحكاية " الثعلب والعنب " كتبها إيسوب (حوالي 620-564 قبل الميلاد)، وفي القصة يرى ثعلب بعض العنب يتدلى عاليا ويرغب في تناوله، وعندما يدرك الثعلب بأنه غير قادر على التفكير في وسيلة للوصول إليه، فإنه يقنع نفسه أن العنب على الأرجح لا يستحق الأكل، مع التبرير بأن العنب ربما لم يحن أوانه بعد أو أنه حامض أو حصرم (ومن هنا جاءت عبارة شائعة " الحصرم (sour grapes) "). والمغزي الأخلاقي المصاحب للقصة هو "يستطيع أي أحمق أن يحتقر ما لا يمكنه الحصول عليه". وهذا المثال يتبع نمطا: شخص يريد شيئا، يجد أنه غير قادرا عل تحقيقه، فيقلل من التنافر المعرفي لديه بانتقاد هذا الشيء" وقد أطلق جون إلستر علي هذا النمط "تكوين التفضيل التكيفي"(preference formation).[15]
غيرها من الظواهر ذات الصلة
أوضح التنافر المعرفي ظهوره عندما يسعى الناس إلى:
تقترح نظرية التوازن أن الناس لديهم ميل عام للحصول على الانسجام والتناغم بين وجهات نظرهم، ووجهات نظر أو خصائص الأخرى ن (على سبيل المثال، قد يشعر المؤمن الديني التنافر لأن شريكه ليس لديه نفس المعتقدات كما لدي الأول، وبالتالي يحفيز ذلك المؤمن لتبرير أو ترشيد هذا التناقض). كما قد يتسبب الناس في إعاقة ذواتهم بما يسهل من عملية التبرير في حالة الفشل، (على سبيل المثال، الطالب الذي يشرب كحول في الليلة التي تسبق الامتحان كاستجابة لخوفه من الأداء الضعيف).
بالإضافة إلى شرح بعض السلوكيات البشرية غير البديهية، فإن نظرية التنافر المعرفي لها تطبيقات عملية في مجالات عدة.
إيجاد وحل التنافر المعرفي له تأثير قوي على دافعية الطلاب تجاه التعلم.[20] على سبيل المثال، استخدم الباحثون نموذج تبرير الجهد لزيادة حماس الطلاب للأنشطة التعليمية من خلال عدم تقديم أي مكافأة خارجية لجهود الطلاب: وقد كان الطلاب في مرحلة ما قبل المدرسة الذين قاموا بحل الألغاز مع وعد بالمكافأة أقل اهتماما بالألغاز في وقت لاحق، بالمقارنة بطلاب مرحلة ما قبل المدرسة الذين لم يعرض علهم أي مكافأة في المقام الأول.[21] وخلص الباحثون إلى أن الطلاب الذين يمكنهم القيام بالعمل من أجل المكافأة الخارجية سيتوقفون عن العمل عند غياب تلك المكافأة، في حين أن أولئك الذين أجبروا على انهاء عملهم بسبب دوافعهم الذاتية وجدوا المهمة ممتعة حقا.
أدرج علماء النفس التنافر المعرفي ضمن نماذج من العمليات الأساسية للتعلم، ولا سيما النموذج البنائي. وقد تم تصميم العديد من التدخلات التعليمية لتعزيز التنافر لدى الطلاب عن طريق زيادة وعيهم بالصراعات بين المعتقدات السابقة والمعلومات الجديدة (على سبيل المثال، من خلال إلزام الطلاب للدفاع عن المعتقدات السابقة) ومن ثم توفير أو توجيه الطلاب إلى تفسيرات جديدة وصحيحة تعمل على حل الصراعات.[22]
على سبيل المثال، فقد طور الباحثون برمجيات تعليمية تستخدم هذه المبادئ لتسهيل استجواب الطالب في الموضوع المعقد.[23] وتشير طرق التحليلي التلوي إلى أن التدخلات التي من شأنها اثارة التنافر المعرفي لتحقيق التغيير المفاهيمي الموجه قد أثبتت عبر العديد من الدراسات إلى زيادة كبيرة في التعلم في مجال العلوم والقراءة.
تم شرح الفعالية العامة للعلاج النفسي والتدخل النفسي بشكل جزئي من خلال نظرية التنافر المعرفي.[24] ويقول بعض علماء النفس الاجتماعي أن فعل الاختيار الحر لعلاج محدد، جنبا إلى جنب مع الجهد والمال الذي يستثمره المريض لمواصلة العلاج المختار، يؤثر إيجابا على فعالية العلاج.[25] وقد تجلى ذلك ظاهرا في دراسة الأطفال يعانون من زيادة الوزن، والذي تسبب في اعتقاد الأطفال أنهم اختاروا بحرية نوع العلاج الذي تلقوه أدى إلى مزيد من فقدان الوزن.[26]
وفي مثال آخر، الأشخاص الذين يعانون رهاب الثعابين (الخوف من الثعابين) الذين استثمروا جهدا كبيرا للانخراط في أنشطة دون قيمة علاجية تذكر لعلاج حالتهم، ولكن عندما صيغت كعلاج مشروع وذو صلة، أظهر تحسنا ملحوظا في أعراض الرهاب.[27] وفي هذه الحالات، وربما في كثير من الحالات المشابهة، شعر المرضى على نحو أفضل كوسيلة لتبرير جهودهم وتصديق خياراتهم. وبالإضافة إلى هذه الآثار على المدى القصير، أدت نفقات الجهد في العلاج أيضا لتغيير علاجي على المدى الطويل.[28]
ثبت أيضا أن التنافر المعرفي يمكن استخدامه لتعزيز السلوكيات مثل زيادة استخدام الواقي الذكري.[29] وتشير دراسات أخرى إلى أن التنافر المعرفي يمكن أن يستخدم أيضا لتشجيع الأفراد على الانخراط في السلوك الاجتماعي الإيجابي في ظل سياقات مختلفة مثل الحملات ضد المخلفات المختلطة[30]، الحد من التحيز إلى أقليات عرقية[31]، والامتثال لحملات مكافحة السرعة. ويمكن استخدام النظرية أيضا لشرح أسباب التبرع للجمعيات الخيرية.[32][33]
الكتابات الموجودة تشير إلى وجود ثلاثة شروط رئيسية لإثارة التنافر في الشراء: القرار المتضمن للشراء يجب أن يكون مهما، مثل تضمن الكثير من المال أو التكلفة النفسية وتكون ذات صلة للمستهلك، أن يكون المستهلك لديه الحرية في الاختيار من بين البدائل، وأخيرا، يجب أن يكون قرار الشراء قرار لا رجعة فيه.[34]
أظهرت دراسة قام بها ليندساي ماليكين (Lindsay Mallikin) أنه عندما يتعرض المستهلك لسعر غير متوقع، فإنه يبني ثلاث طرق للحد من التنافر: قد يستخدم المستهلك إستراتيجية المعلومات الثابتة، أو قد يغير موقفه، أو قد يشارك في التهوين. ويوظف المستهلك إستراتيجية المعلومات الثابتة من خلال الانخراط في التحيز والبحث عن المعلومات التي تدعم معتقداته السابقة، وقد يبحث المستهلك من أجل الحصول على معلومات من تجار التجزئة الأخرى والمنتجات البديلة تتفق مع اعتقاده ورأيه. وبدلا من ذلك، قد يظهر المستهلك تغيير في موقفه مثل إعادة تقييم الأسعار بالنسبة إلى أسعار مرجعية خارجية أو ربط الأسعار المرتفعة أو المنخفضة بالجودة. وأخيرا، قد يحدث التهوين (التسطيح) حيث يتم التقليل من أهمية عناصر العلاقة المتنافرة. ويميل المستهلك إلى التقليل من شأن أهمية المال، وبالتالي تزدهر عملية التسوق.
يعتبر التنافر المعرفي مفيد أيضا لشرح وإدارة مخاوف ما بعد الشراء. فمن شأن المستهلك الذي يشعر بعملية شراء بديلة أنه من المحتمل أن لا يشتري هذا المنتج مرة أخرى. ولمواجهة ذلك، يسعي المسوقين لإقناع المشترين باستمرار أن المنتج يلبي حاجتهم، وبالتالي يساعد المستهلك في تقليل التنافر المعرفي، كما يضمن إعادة شراء المنتج في المستقبل. ومثال على التنافر المصاحب للشراء يستخدم مندوب المبيعات كلمة تهنئة للمشتري مثل «مبروك، لقد اتخذت القرار الصحيح».
في بعض الأحيان يتم حث التنافر المعرفي بدلا من حله، من أجل تسويق المنتجات. وعبارة «عندما تهتم بما فيه الكفاية لإرسال ما هو الأفضل» تعد مثال على إستراتيجية التسويق التي تخلق الشعور بالذنب في المشتري إذا كان يسعي للحصول على بطاقة أقل تكلفة، هذا التسويق العدواني يضمن أن يدرك المستهلك أن المنتج له سعر أعلى. وهذا يشجع المستهلك لشراء بطاقات مكلفة في المناسبات الخاصة.
الهندسة الاجتماعية كما يتم تطبيقها في مجال الأمن هي استغلال نقاط الضعف المختلفة الاجتماعية والنفسية لدى الأفراد والمنشآت التجارية، وأحيانا لاختبار الاختراق، ولكنها في كثير من الأحيان لتستخدم أغراض شريرة، مثل التجسس ضد الشركات والهيئات والأفراد، وعادة تسعي في النهاية للحصول على بعض المكاسب غير المشروعة، إما معلومات مفيدة ولكنها مقيدة أو خاصة أو لتحقيق مكاسب مالية من خلال وسائل مثل التصيد للحصول على إمكانية الدخول إلى الحساب المصرفي، أو لأغراض سرقة الهوية، الابتزاز وغيرها. استغلال نقاط الضعف الناجمة عن إحداث تنافر معرفي في الأهداف هي واحدة من التقنيات التي يستخدمها الجناة.
في الوقت الذي تم فيه استخدام نظرية التنافر المعرفي في التجارب وقبولها بشكل عام (وإن لم يكن تماما) من قبل أولئك المتخصصين في مجال علم النفس، فإن هناك نظريات بديلة تمثل مواقف الإنسان وسلوكياته.
يعتبر داريل بيم (Daryl Bem) الناقد المبكر لنظرية التنافر المعرفي. واقترح نظرية الفهم الذاتي، ووفقا لبيم، فإن الناس لا يفكرون كثيرا في مواقفهم، ناهيك عن كونهم في صراع. ووظفت نظرية الفهم الذاتي تحت فكرة أن الناس يعملون على تطوير المواقف من خلال مراقبة سلوكهم وإبرام ما تسببت فيه المواقف. وهذا صحيح بشكل خاص عندما يكون العظة الداخلية ضعيفة أو غامضة. والأفراد في نفس الموقف بصفة المراقبة، وهذا يعني أنهم يجب أن يعتمدوا على الإشارات الخارجية لاستنتاج الحالة الداخلية الخاصة بهم. وتقترح نظرية الفهم الذاتي أن الناس تبني المواقف دون الوصول إلى الإدراك والمزاج والحالة الداخلية.[35]
وفسر بيم الأشخاص في الدراسة (Festinger وCarlsmith)أو نموذج الامتثال المستحث كتلميح لمواقفهم عن سلوكهم. وعندما سئلوا «هل وجدتم المهمة مثيرة للاهتمام؟» قرروا أنهم يجب أن يكون وجدوا أنها مثيرة للاهتمام لأن هذا هو ما قالوه. واقترح بيم أن الأشخاص الذين تم دفع 20 $ من المحتمل أنهم اعتبروا المال السبب الذي من أجله قالوا إن المهمة كانت مثيرة للاهتمام، وليس لأنهم وجدوها فعلا مثيرة للاهتمام.[36][37]
في كثير من الحالات التجريبية، أظهر نظرية بيم ونظرية التنافر لفستنغر تنبؤات متطابقة، ولكن نظرية التنافر فقط توقعت وجود توتر أو إثارة غير ساره. وقد تحققت التجارب المخبرية من وجود ذلك في حالات التنافر.[38][39] وهذا يوفر الدعم لنظرية التنافر المعرفي، ويجعل من غير المرجح أن الفهم الذاتي في حد ذاته يمكن أن يكون مسؤولا عن جميع النتائج المخبرية.
في عام 1969، أعاد إليوت أرونسون صياغة النظرية بربطها إلى مفهوم الذات، موضحا أن التنافر المعرفي ينشأ من نزاعات بين الإدراك عندما تهدد تلك الصراعات الصورة الذاتية الايجابية المعتادة. وبالتالي، أعاد آرونسون تفسير النتائج التي توصلت إليها الدراسة فستنغر الأصلية باستخدام نموذج الامتثال المستحث، مشيرا إلى أن التنافر بين إدراك، «أنا شخص نزيه»، وإدراك، «أنا كذبت على شخص ما بقولي أن المهمة مثيرة للاهتمام.»[40] ويقول علماء نفس آخرون أن الحفاظ على الاتساق أو التناغم المعرفي هو وسيلة لحماية الصورة الذاتية العامة، وليس مفهوم الذات الخاص.[41] ومع ذلك، فإن النتائج الأخيرة[42] علي ما يبدو تستبعد مثل هذا التفسير من خلال اظهار إعادة تقييم العناصر بعد الاختيار حتى عندما يكون الناس قد نسوا خياراتهم.
اقترح فريتز حيدر (Fritz Heider) نظرية تحفيزية لتغيير الموقف الذي يعمل على فكرة أن البشر تتحرك لإنشاء والحفاظ على التوازن النفسي. ويعرف هذا اللمحرك بدافع الاتساق-الرغبة في الحفاظ على قيم ومعتقدات المرء على مر الزمن. ووفقا لنظرية التوازن هناك ثلاثة أشياء متفاعلة: (1) أنت (رمز P)، (2) شخص آخر (رمز O)، و (3) عنصر (رمز X). وتتمركز كل نقطة في رأس مثلث وتشارك اثنين من العلاقات:[35]
وكأفراد، فنحن نسعى لحالة متوازنة مع العلاقات المنسجمة بين المواقف الثلاثة (3 إيجابي أو 2 سلبي، أو 1 إيجابي):
P = أنت O = جون X = كلب جون
نحن أيضا نتجنب الحالات الغير متوازنة (3 السلبيات أو 2 الإيجابي، 1 سلبي)
P = أنت O = طفلك X = صورة رسمها طفلك
ادعي جولز دوبيوت (Jules Dupuit) أن سلوكيات والمدركات يمكن فهمها من وجهة نظر اقتصادية مثل أن الأفراد ينخرطون في معالجات منهجية مقارنين بين التكاليف والفوائد المترتبة على القرار. وهذه العملية تساعد علي تبرير وتقييم جدوى قرار ما وتوفر أساسا للمقارنة (تحديد ما إذا كانت الفوائد تفوق التكاليف وإلى أي مدى). وعلى الرغم من أن هذا التحليل يعمل بشكل جيد في الأوضاع الاقتصادية، فالبشر غير فعالون عندما يتعلق الأمر بمقارنة التكاليف والفوائد.[43]
اقترح إي توري هيغينز (E. Tory Higgins) أن الأفراد لديهم ثلاثة ذوات (أنفس) يقارنون أنفسهم بـ:
عندما تتعارض هذه الذوات مع بعضها فإنها تؤدي إلى عدم الراحة النفسية.[44]
خلال عقد 1980، اعتبر كوبر وفازيو أن التنافر سببه عواقب النفور، بدلا من التناقض (التضارب). ووفقا لهذا التفسير فإن الاعتقاد بأن الكذب شيء خاطئ ومؤذ هو ما يجعل الفرد يشعر بشعور سيئ وليس التناقض بين المدركات لديه[45]، ووجدت دراسات لاحقة، مع ذلك، أن الناس يعانون من التنافر حتى عندما يشعرون أنهم لم يفعلوا شيئا خاطئا. على سبيل المثال، أظهر هارمون جونز وزملاؤه أن الناس يعانون من التنافر حتى عندما تكون عواقب بياناتهم مفيدة، مثل عند إقناع الطلاب الناشطين جنسيا باستخدام الواقي الذكري، عندما لا يكونوا يستخدموه.[46]
انتقد تشن (Chen) وزملاؤه نموذج الاختيار الحر وأشاروا إلى أن طريقة «الرتبة، الاختيار، الرتبة» لدراسة التنافر غير صالحة.[47] كما أوضحوا أن هناك أسباب أخرى يمكن للمرء أن يحصل علي تصنيفات مختلفة في المسح الثاني - مثل أنه ربما كان الأشخاص غير مبال إلى حد كبير بين الخيارات. وعلى الرغم من أن بعض الدراسات المتابعة وجدت أدلة داعمة لتحفظات تشن[48]، إلا أن الدراسات الأخرى التي سيطرت علي تحفظات تشن لم تجد دليل، واقترحت في المقابل أن مجرد فعل اتخاذ خيار يمكن تغيير تفضيلات الواقع[11][49][50]، ومع ذلك، لا تزال هذه المسألة قيد التحقيق النشط.[51]
وينص هذا النموذج أن التضارب في الإدراك تصيب الناس بالتوتر في الوقت الذي تتداخل فيه التناقضات مع السلوك. ويتم تنفيذ عدد من الاستراتيجيات المعرفية، حيث يمكن للمرء أن يختار «بحرية» بأداء السلوكيات التي لا تتفق مع الموقف أو المعتقد الحالي، ولكن في وقت لاحق في يحاول تغيير اعتقاده ليتناسب مع السلوك الحالي، ويحدث التنافر بسبب أن المدراكات لا تتطابق مع السلوكيات. وإذا غير الشخص موقفه بعد حدوث التنافر، فهذا يفرض عليه الالتزام بالسلوك.[52][53][54][55][56]
تحقق فان فين (Van Veen) وزملاؤه من الأساس العصبي للتنافر المعرفي في نسخة معدلة من نموذج الامتثال المستحث الكلاسيكي باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وقد تسبب الاستجابة في تنشيط القشرة الحزامية الأمامية والفص الجزيري الأمامي. علاوة على ذلك، فإن مدى تنشيط هذه المناطق توقع درجة التغيير في مواقف الأفراد المشاركين. وقال فان فين وزملاؤه أن هذه النتائج تدعم نظرية التنافر الأصلية لفستنغر، وتدعم «نظرية الصراع» لعمل الحزامية الأمامية.
وباستخدام نموذج الاختيار الحر أظهر شاروت (Sharot) وزملاؤه انه بعد اتخاذ قرار الاختيار، يتغير النشاط في الجسم المخطط ليعكس تقييم جديد للاختيار، يزداد إذا تم اختياره ويناقص إذا تم رفضه. وأحدت دراسة لاحقة إلى حد كبير هذه النتائج.
وفرت نماذج الشبكة العصبونية الاصطناعية للإدراك الإطار اللازم لدمج البحوث التجريبية على التنافر المعرفي والمواقف (التوجهات) في نموذج واحد من شرح تشكيل الموقف وتغييره.[57]
وقد وضعت نماذج مختلفة محاولة التنبؤ بكيفية تأثير التنافر المعرفي على موقف الفرد وسلوكه.
{{استشهاد بدورية محكمة}}
: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
{{استشهاد بدورية محكمة}}
: تحقق من التاريخ في: |تاريخ الوصول=
(مساعدة)
{{استشهاد بدورية محكمة}}
: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
{{استشهاد بدورية محكمة}}
: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)