إن عقيدة المايا التقليدية في غواتيمالا وبليز وغرب هندوراس ومناطق تاباسكو وتشياباس ويوكاتان في المكسيك هي تفرع جنوبي شرقي لعقيدة مشابهة في أمريكا الوسطى. وكما هو الحال مع العديد من الديانات الأخرى في أمريكا الوسطى المعاصرة، فإن عقيدة المايا تأثرت بقرون من التعايش مع الكاثوليكية الرومانية.[1] إن دين المايا التقليدي كان موجوداً بالفعل لأكثر من ألفي سنة بشكل صريح وواضح قبل الغزو الإسباني للبلاد. فقبل قدوم المسيحية إلى هذه القارة، انتشرت عقيدة المايا في العديد من الممالك الأصلية، مع الاحتفاظ بعادات وتقاليد السكان المحلية. أما اليوم، فتتعايش عقيدة المايا جنباً إلى جنب مع العقيدة المسيحية في تلك البلاد بكافة أشكالها.
أهم مصدر للتعرف على الدين التقليدي للمايا هم شعب المايا أنفسهم، من أمثال شاغلي المناصب داخل التسلسل الهرمي الديني، والفقهاء، ورواة القصص، وجميع الأشخاص الذين تبادلوا معرفتهم مع الغرباء من علماء الأنثروبولوجيا وغيرهم في الماضي وحتى اليوم.
إن ما يمكن معرفته عن عقيدة المايا ما قبل الغزو الإسباني يرجع إلى عدة مصادر:
غالبا ما يشار إلى دين المايا التقليدي باسم (كوستومبر)، أي العرف أو الممارسة الدينية المعتادة، على الرغم من أنه يشتمل أيضاً على نظام ديني عقدي، وفي ذلك تناقض مع الرومانية الكاثوليكية. إن دين المايا هو في الواقع مجموعة من الممارسات والطقوس. ولذلك، فإن كاهن قرية (يوكاتيك) يسمي باسم (ممارس). وفيما يلي بعض المفاهيم الرئيسية المتعلقة بطقوس المايا الدينية:
طبيعة أرض المايا متعلقة بطوبوغرافيا الطقوس، فإنه يتم تعيين معالم الطبيعة مثل الجبال والآبار والكهوف باسم الآلهة والأسلاف. على سبيل المثال، إن بلدة (تزوتزيل) في (زيناكانتان) محاطة بسبعة أماكن للاستحمام تم تعيينها لأسلاف الجبال، مع واحدة من هذه الحفر المقدسة لتخدم كمكان إقامة للأسلاف من الممرضات. كما هو الحال في العصر ما قبل الغزو الإسباني، فإن جزء مهم من الطقوس يحدث بالقرب من هذه المعالم.
لم تكن الطقوس محكومة فقط بالمواقع الجغرافية للأضرحة والمعابد، ولكن أيضاً بإسقاط نماذج تقويمية على المعالم الطبيعية. مثلاًً، في (كيشيان موموستينانغو) المعاصرة تسمى مجموعات محددة من الأضرحة بأسماء الأيام والأوقات، مما يشير إلى الأوقات المناسبة لعمل الطقوس. وفي مرتفعات المايا الشمالية الغربية، تم تعيين أربعة أيام تعرف باسم الأيام العظام إلى أربعة جبال، وهي أيام يمكن أن تبدأ بها السنة. في عصر (يوكاتان) الاستعماري، يقال أن الفترات الثلاثة عشرة ل(كاتون) وآلهتهم تم رسمها على معالم الطبيعة بشكل عجلة لتمثل التتابع والتتالي.
وكانت التقاويم الرئيسية التي تحكم طقوس دورة الآلهة مكونة من 260 يوماً. وقد كانت مهمة لعمل الطقوس الفردية، كما كانت السنة المكونه من ثمانية عشر شهراً والمسماة ب(هاب) تحدد وتيرة الأعياد العامة واحتفالات السنة الجديدة. ومن غير المعروف مدى مشاركة هذه الاحتفالات من قبل الممالك المجاورة الأخرى، وإذا ما كان ذلك ينطبق على ممالك المايا في وقت سابق، سواءً في (يوكاتان) أو في أماكن أخرى.
يهدف تقديم القرابين والهدايا إلى إنشاء وتجديد العلاقات والمواثيق مع العالم الآخر. وهناك قواعد صارمة لتحديد نوع وعدد الأصناف المقدمة من خبز وذرة وكاكاو ومشروبات وعسل وزهور وبخور وسيجار. على سبيل المثال، كان يتم تقديم مشروب مصنوع من 415 حبة من الذرة المجروسة إلى المشاركين في طقوس السنة الجديدة، وفي مناسبة أخرى يتم حرق عدد 49 حبة من الذرة مع البخور. ومن الأمثلة المعروفة على الولائم الدينية وليمة قداس مزارع الذرة (ميسا ميلبيرا) التي تحتفي بآلهة المطر (يوكاتيك) . وقد ركزت طقوس (لاكاندون) بشكل خاص على تغذية الآلهة من خلال حرق البخور.
في مدن المايا القديمة، كان يتم أيضاً تخزين جميع أنواع الهدايا والقرابين بما في ذلك الأدوات المستخدمة في التضحية ودفنها في مخابئ الأرضيات والمذابح. في هذه الحالات، قد يكون الغرض من تقديم القربان هو التفاني لغرض ديني محدد، وليس بالتحديد بغرض تغذية الالهة.
قد تختلف أساليب تقديم القرابين بشكل كبير. ففي الطقوس الدينية المعاصرة، هناك تركيز على إراقة الدم، وخاصة دم الديك الرومي. أما في الماضي، كانت القرابين تتكون عادة من الحيوانات مثل الغزلان والكلاب والسمان والديك الرومي والأسماك، ولكن في مناسبات استثنائية يتخذ البشر من البالغين والاطفال كقرابين، مثل مناسبات الصعود على العرش، أو المرض الشديد للحاكم، أو الدفن الملكي، أو الجفاف والمجاعة. كان تقاسم القرابين أمراً شائعاً آنذاك، ولكن مسألة أكل لحوم البشر يبدو أنها كانت نادرة للغاية. ومن السمات المميزة لطقوس المايا القديمة، وإن لم تكن حصرية للمايا وحدها. جلسات إراقة الدماء التي يعقدها كبار المسؤولين وأفراد الأسر المالكة، والتي يتم خلالها قطع طرف الأذن واللسان بسكاكين صغيرة حادة حتى يسقط الدم على شرائط ورقية يتم حرقها بعد ذلك.
يوجد في عقيدة المايا التقليدية وظائف دينية خاصة برجال الدين اللذين يتم تنظيمهم غالباً بشكل هرمي مع تكليفهم بأداء واجبات الصلاة والتضحية نيابة عن الأسلاف، والسكان المحليين، والمجتمع بأسره. في العديد من الأماكن، يعمل رجال الدين في المايا بالتعاون مع الكنيسة الكاثوليكية ومع المنظمات الكاثوليكية اللتي لعبت دوراً مهماً في الحفاظ على التقاليد الدينية القديمة للمايا. يوجد لأهم إثنين من الآلهة لدى المايا (مارتن) و(ماكسيمون) كهنة خاصة بهما. وفي مملكة (قومارك)، كانت لأهم الآلهة (توهيل، أويليكس، جاكاويتز وغوكوماتز) الكهنة الخاصة بها كذلك. ويقود الكهنة الطقوس العامة التي تركز على الزراعة والمطر. كما يمتد نشاط القديسين والمعالجين إلى كل مكان. يظهر أيضاً في أداء العديد من الكهنة، وخاصة المعالجين منهم، ميزات ترتبط مع الشامانية.
إن صورة الكهنوت في حضارة المايا في الماضي تستند تقريباً إلى نقولات المبشرين الأسبان عنهم. كانت الطبقة العليا من الكهنوت حريصة جداً على التعلم، خصوصاً في مجالي التاريخ ومعرفة الأنساب.وفي عام 1500 كان الكهنوت في (يوكاتيك) منظماً بشكل هرمي، بدئاً من الكاهن الكبير الذي يعيش في المحكمة، وصولاً إلى الكهنة الصغار المنتشرين في المدن، وتوزع الكتب الكهنوتية بينهم على هذا النحو. ومن المحتمل أن يكون النموذج الذي يحتذى به الكاهن هو الإله العلوي (ايتزامنا)، وهو الكاهن الأول والمخترع لفن الكتابة. كان الكهنة يقومون بمهام متعددة، من أداء الطقوس المتعلقة بأزمات الحياة وإدارة دورة الأعياد الشهرية، والقيام بعض المهام الكهنوته وتقديم القرابين من البشر.
تشمل أعمال التطهير الصوم، والامتناع عن ممارسة الجنس، والإستحمام، والاعتراف، خاصة قبل الطقوس الكبرى. في (يوكاتان) في القرن السادس عشر، يتم التطهير عن طريق طرد الأرواح الشريرة كمرحلة طقوس أولية. وتعتبر إراقة الدماء كذلك من طقوس التطهير. وبشكل عام، فإن الحاجة إلى عمل التطهير تكون عادة قبل الدخول إلى الأماكن التي تسكنها الآلهة. في (يوكاتان) في الوقت الحاضر، على سبيل المثال، من المعتاد أن تشرب من المياه المنحدرة من الصخور قبل دخول الغابة.
ترافق صلاة المايا دائماً أعمال تقديم القرابين والتضحية. وكثيراً ما تذكر خلالها أسماء الأيام المشهودة والقديسين والملائكة والجبال والمعالم الطبيعية المرتبطة بأحداث تاريخية أو أسطورية. ومما يسلط الضوء على أهمية الصلاة لدى المايا أن مجتمعات المايا في المرتفعات الشمالية الغربية من غواتيمالا لديها مجموعة متخصصة فقط لأداء الصلوات.
ساعد الحج عقيدة المايا على تجاوز حدود المجتمع المحلي من خلال خلق شبكات تربط الأماكن الإقليمية. في الوقت الحالي، يشتمل الحج على زيارات متبادلة بين قديسي القرية، وخارج حدود القرية. يحج سكان (قيقشي) مثلاًً إلى جبالهم المقدسة الثلاثة عشر. وفي عام 1500 تقريبا، جذبت (تشيتشن إيتزا) العديد من الحجاج من الممالك المحيطة إلى زيارة أماكنهم المقدسة. كما زار حجاج آخرون المزارات المحلية مثل تلك التي في (إيكس تشيل) وغيرها في الجزر المقابلة للساحل الشرقي ل(يوكاتان).
تشتمل الأعياد على عروض مسرحية وعلى تجسيد لشخصيات الآلهة، خاصة من قبل الملك.
في الوقت الحالي، ينظم الأخوة في الدين الأعياد بنفقات عالية جداً. لم يختلف الوضع كثيراً عن ما كان عليه فترة ما قبل الغزو الإسباني حيث كان يتكفل بنفقات الولائم الدينية الأثرياء والبارزين في المجتمع. وتشتمل هذه الطقوس عادةً على الموسيقى والرقص، والمواكب، والعروض المسرحية. وفي الوقت الحاضر، تؤدى الرقصات الدرامية، وليس بالضرورة الدينية، في عيد قديس القرية وفي بعض المناسبات المحددة التي يمليها التقويم الكاثوليكي. فهناك رقصات محددة تؤدى خلال احتفالات السنة الجديدة مثل رقصة (زيبالبا) ورقصات خاصه بالأعياد الشهرية مثل رقصة (هولكان أوكوت) وتعني رؤساء الحرب. وفي العصور الكلاسيكية كان يتم تجسيد الآلهة وهي ترقص، خاصة في عيد طحن الذرة.
كما هو الحال في أغلب عقائد أمريكا الوسطى للسكان الأصليين، إشتملت احتفالات وأعياد المايا أيضاًً على تجسيد الآلهة والحيوانات في العروض المسرحية. كما استخدمت الفكاهة كوسيلة لنقد المجتمع من خلال تجسيد شخصيات للقرود والعناكب، وتجسيد النساء في بعض الأدوار المثيرة. وفي الأعياد المهمة، يجسد الملك دور الآلهة من خلال ارتداء رؤوس واقنعة كبيرة لتجسيد القوى الخارقة للطبيعة. تقوم الملكة عادة بتجسيد آلهة الذرة. ويمكن للشبان الأمراء ان يمثلوا دور الآلهة الاربعة اللتي تحمل الأرض.
تحتوي كتابات الراهب ديجو دي لاندا (عام 1566) على الوصف الوحيد الشامل لطقوس المايا لفترة ما قبل الغزو الإسباني. ومع ذلك، فإنه لم يتطرق إلى المجالات الطقوسية الرئيسية، مثل تلك المتعلقة بالزراعة والملكية.
يعتبر تقويم المايا عامل رئيسي في تحديد الطقوس الدينية. في الأراضي العليا، تشتمل السنة على 365 يوماً، وهناك أربعة أيام يمكن أن تحدد من خلالها بداية السنة الجديدة، تسمي هذي الأيام بحاملات السنة. تعامل هذه الأيام معاملة الآلهة حيث تسمى بها الجبال ويحتفل بها كل عام. وتشمل الطقوس التقويمية فترة هامشية مدتها خمسة أيام في نهاية العام. خلال هذه الفترة في (يوكاتان) في القرن السادس عشر، يتم تشكيل دمية من القش تسمى الجد (مام)، تبجل أولا ثم يتم التخلص منها في نهاية الفترة الهامشية (كوغولودو). وفي هذه الفترة نفسها، يتم تحديد الراعي الإلهي للعام القادم واستبعاد الراعي الإلهي للعام المنصرم.
لكل شهر من الأشهر الثمانية عشر لدى المايا إله خاص به واحتفالات يتم تنسيقها من قبل المجموعات المهنية لا سيما الصيادين والنحالين وزارعوا الكاكاو وصيادوا السمك.
طقوس دورة الحياة أو طقوس العبور تمثل المراحل المختلفة من الحياة. يصف كتاب (لاندا) واحدة من هذه الطقوس المخصصة لتأهيل الفتيان والفتيات الصغار للزواج (كابوت سيهيل) أي الولادة الثانية. يستمر الطقس الذي يمثل حركة الطفل من المهد إلى حمله على ورك الأم حوالي ثلاثة أشهر، ويكون له عراب خاص به في الحفل. يتم تقديم بعض الأشياء للطفل، كبعض الأدوات للصبيه وبعض الأقمشة للبنات. وتقدم لجميع الأطفال أقلام الرصاص والورق.
تتمكز طقوس التداوى المعاصرة حول إسترجاع الأرواح التائهة أو أجزاء من هذه الأرواح المسجونة في مكان ما من قبل الآلهة أو الأسلاف. كما تشمل الطقوس تقديم قربان من الطيور يعامل كبديل للروح التائهة. هناك مجموعة نصوص تحتوى على الأساليب الرئيسية في تقاليد (يوكاتيك) القديمة في العلاج . تسمى هذه النصوص ب(طقوس من باكابس). تشير هذه النصوص إلى أنه أثناء عمل طقوس التداوي يتم الاستعانة بقوى (باكابس) الأربعة لمساعدة المعالج في كفاحه مع العوامل المسببة للمرض. العديد من أساليب العلاج الشامانية الممارسة قديماً لا تزال تستخدم في الوقت المعاصر. إلا أن نصوص الكتاب لا تشير بأي شكل إلى الطقوس القديمة المستخدمه في عمل السحر الأسود.
إن التأثير على الطقس هو الغرض الرئيسي من طقوس صنع المطر، التي كانت أحياناً ذات طابع سري، وانتشرت في جميع أنحاء المايا، ومن هذه الطقوس أيضا طقس سجن الريح وختم الصقيع قبل موسم الشتاء مباشرة. ويعتقد أحياناً بأن كهنة صناعة المطر يمكنهم الصعود إلى الغيوم والتصرف كآلهة المطر نفسها. التأثير على الطقس يمكن أن يتضمن التسبب في انحراف الغيوم المطيرة عن المناطق المجاورة من خلال استخدام السحر الأسود.
بينما كان التركيز الرئيسي للطقوس الزراعية هو زراعة وحصاد الذرة، وبشكل خاص في كل من (يوكاتيك) و (تشورتي ماياس) . في شرق (يوكوتان)، تم وضع تصنيف كامل للتسلسلات الطقسية، بما في ذلك الطقوس المتغيرة لحماية المنطقة ضد المؤثرات الشريرة، عيد الشكر، عشاء (أوهانليكول) في حقل الذرة، والدعاء لآلهة المطر (تش تشاك).
في أحد أعياد (يوكاتيك) في القرن السادس عشر، رقص الصيادون بالسهام وجماجم الغزلان التي رسمت باللون الأزرق. فالاهتمام بالجماجم الحيوانية يعد أمراً أساسياً عند المايا، يحتفظ الصيادون حتى الآن بجماجم وعظام الغنائم من الصيد، كما يقومون بإيداعها بشكل دوري في أضرحة الصيد. وينبغي أيضاً أن يحترم الصيادون قواعد الصيد ويبتعدوا عن محرماته مثل تلك المتعلقة بالزنا واللعب بالصيد دون داع، فكلاهما يعد خرقاً للطبيعة.
كانت المطالبة بالأراضي والأقاليم من قبل الناس تتم عبر أداء طقوس متعلقة بالمياه وأراضي الأسلاف، وحدود المجتمع بأسره. وكان تركيز هذه الطقوس في كثير من الأحيان يتم عن طريق التوجه إلى الأضرحة والصلاة إلى آلهة المطر والأرض.
في قصص المايا، تشتمل الحرب على تحول المحاربين إلى حيوانات (وايوب) من خلال استخدام السحرة للسحر الأسود. في فترة ما قبل الغزو الإسباني، ركزت طقوس الحرب على قادة الحرب والأسلحة. وقد أعتبرت حرب التوأم (زبالانك) بمثابة حرب بين الآلهة. كانت طقوس (يوكاتيك) لقائد الحرب (ناكوم) مرتبطة بعبادة إله حرب الأسد، وتتضمن إقامة قائد الحرب لمدة خمسة أيام في المعبد وإشعال البخور للآلهة. في طقوس الحرب الكلاسيكية، كانت آلهة النمر مرتبطة بالحرب والناس ولذلك كان يزين درع الملك في الحرب بوجه النمر. وفي معبد (بالينك) الخاص بالحرب، يعرض درع مزين بوجه النمر بين اثنين من الرماح المعقودة.
لم يكتب الإسبان المستعمرون كثيرا حول الطقوس الملكية. ومع ذلك، نجد بأنه يشار إلى ملك (يوكاتيك) (هلاش إينيك) باسم الأسقف، وبهذا فقد كان للملك دوراً مهماً في الطقوس العامة الكبرى. في الفترة الكلاسيكية، كانت الطقوس الملكية هي الأهم في محكمة المايا. فمصطلح الدولة المسرح (جيرتز) المستعار من الممالك الهندوسية في بالي، يمكن أيضاً أن يستخدم لوصف ممالك المايا الكلاسيكية. فهو يشير إلى أن تماسك الدولة يعتمد على الطقوس الملكية التي يمكن من خلالها تحديد الفروق بين الأسر الأرستقراطية. وقد يشارك الملك برقصة إيحائية في الطقوس الملكية اللتي تنظم في الساحات الكبيرة.
أما طقوس تولي الحكم فتتطلب من الملك الجديد أداء طقوس إراقة الدماء وتقديم القرابين البشرية لإسترضاء الآلهة. إن عملية إراقة الدماء تجرى فقط من قبل الملك الجديد، في حين يقوم الكهنة بعملية تقديم القربان. تعقد طقوس تولي الحكم في وسط حشد من الناس وعلى قمم المنصات أو الأهرامات. وكان ملك (كيشي) يزور المعابد بانتظام مع كبار الشخصيات لحرق القرابين والصلاة من أجل ازدهار شعبه، كما كان أيضاً يقوم بالصيام والامتناع عن الجنس. أما بالنسبة لملوك العصر الكلاسيكي، فإن الملك يظهر في بعض الأحيان وهو يوزع الدم أو البخور أو ربما الذرة. في أحيان أخرى، يقوم الملك بإراقة دمه شخصياً وتقديمه كقربان أمام بعض الأشجار المقدسة.
كانت (أكروبوليس) الشمالية في (تيكال) خلال العصر الكلاسيكي تتكون من معابد دفن ملكية يشار إليها باسم مقابر. وعادة ما توجد مقابر وسط مساكن النبلاء. وبصرف النظر عن بقايا أجساد الأسلاف، كان الأسلاف يخلفون ورائهم حزم مقدسة تعد أيضاً مصدرا للتبجيل. ويعتقد أيضاً أن أسلاف الملوك كانوا يعودون مجدداً اثناء طقوس الدماء حيث يخرجون من فم ثعبان أرضي كان يطلق عليه اسم ثعبان الرؤية.
بالإضافة إلى الكتابة، كانت العلوم الكهنوتية الأساسية هي علم الحساب والتقويم. ففي العصور الكلاسيكية، كان من المعتاد إعطاء صبغة إلهية للأعداد والأيام، خاصة في الممالك الجنوبية الشرقية من (كوبان) و (كويريغوا)، حيث تصور آلية الوقت كنوع من التتابع ونقل للوحدات الزمنية من حامل إلهي إلى آخر. وقد تم تجسيد الأرقام لا من قبل آلهة عددية محددة، ولكن من قبل بعض الآلهة العامة المعتقد بأنهم مسؤولون عن مسيرة الوقت. وفي فترة ما بعد الكلاسيكية، كانت تصور وحدة الوقت (كاتون) على أنها ملك إلهي. ولا تزال الأيام العشرون معروفة باسم حراس اليوم لدى مرتفعات غواتيمالا. وبشكل عام، يعتقد المايا أن هناك أعداد محددة تحكم الكون مثل الرقم ثلاثة عشر والرقم عشرون.
ما يسمى غالباً بعلم الفلك لدى المايا ماهو في الحقيقة إلا علم التنجيم. وهو علم كهنوتي يفترض أن الأحداث الدنيوية تتأثر بحركة الأجرام السماوية والأبراج. دراسة السماء والأفق من قبل المايا تتعلق أساسا بقراءة العلامات السماوية المرتبطة بالتغيرات الموسمية ذات الصلة بالزراعة، النجوم المتصلة بالصيد، وحيوانات الصيد المحددة، والنجوم المسببة لبعض الأمراض. ومع استثناءات قليلة، فإن أسماء النجوم والأبراج هي كل ما تم الحفاظ عليه في كتاباتهم، ولم يعد من الممكن تتبع ما كتب عن تأثير النجوم على الأنشطة الاجتماعية والمهنية التي تتجاوز الزراعة ومصير الفرد. إن علم التنجيم لدى المايا كان متطورا في فترة ما قبل الغزو الإسباني وكان يتعلق بالكسوف القمري والشمسي والجوانب المتفاوتة لكوكب الزهرة والحيوانات والآلهة اللتي ترمز إلى الفئات الاجتماعية التي تتاثر سلباً بتحركات كوكب الزهرة. بعض كتب (تشيلام بلام) تشهد على اهتمام كبير من المايا لدراسة الأبراج والتنجيم المتعلق بالاستعمار والمستعمرين في ذلك الوقت.
أفقياً، تصور الأرض بطرق مختلفة: كمربع مع أربع اتجاهات أو كدائرة دون نقاط ثابتة. الأرض المربعة تصور أحياناً على أنها حقل ذرة، والأرض الدائرية كسلحفاة عائمة على الماء. ولكل اتجاه في الأرض شجرة خاصة به، وطير، وإله، ولون، وجبل. أما عمودياً، تنقسم السماء إلى ثلاثة عشر طبقة، والآلهة ترتبط في بعض الأحيان بإحدى هذه الطبقات، خصوصاً في العصر ما قبل الكلاسيكي. أما العالم السفلي فينقسم على تسع طبقات.
محور العالم هو شجرة الحياة (ياكسش سيبا)التي هي بمثابة وسيلة للإتصال بين مختلف العوالم. في (بالينك)، شجرة الحياة هي شجرة الذرة، تماماً مثل شجرة الحياة في دستور (بورجيا). يحوم حولها الثعبان ثنائي الرأس الذي يمثل حالة الكسوف. يمثل الملك أحياناً شجرة الحياة، وعادة ما يظهر وهو يحمل الثعبان ثنائي الرأس في الاحتفالات. إلى جانب عبادة شجرة الذرة، يجلس الملك أو يقف على جبل يحتوي على الذرة، معتبراً نفسه حارساً للذره في المملكة.
في الفترة الكلاسيكية، كانت الأرض والسماء تمثلان الثعبان والتنين، في كثير من الأحيان ثنائي الرأس، التي تكون بمثابة وسيلة للوصول للآلهة وللأسلاف. ويبدو أن الثعابين الأخرى، التي تظهر بشكل عمودي، خصصت لتربط مختلف العوالم ولتنقل المياه الأرضية إلى السماء. أما التنينات فتجمع في شكلها بين ملامح الثعابين والتماسيح، والغزلان، وترتبط بشكل كبير بالتنجيم حيث تعتبر التنينات هي درب التبانة.
تقدم بعض كتب (يوكاتيك) و (تشيلام بلام) أساطير تتعلق بحدوث طوفان وانهيار السماء وفيضانات لاحقة وانتهاء دورة العالم واستئنافها من جديد. إن إله البرق (بولون دزاكاب)، وحاملات السماء والأرض (باكاب)، وتمساح الأرض (ايتزام كاب عين) كلها تلعب دوراً في هذه الدراما الكونية، كما يشير النص الهيروغليفي في (بالينكي يش).
يعتقد المايا التقليديون بوجود أكثر من روح داخل الجسد الواحد، وعادة ما توصف هذه الأرواح بمصطلحات شبه مادية مثل الظل، التنفس، الدم، والعظام. يؤدي فقدان أحد هذه الأرواح إلى أمراض محددة تسمى عادة بفقدان النفس أوالخوف (سوستو). كما ترتبط الحيوانات والظواهر الطبيعية كالمذنبات والبرق بحماية الفرد وخصوصا الذكور. في بعض الحالات المرتبطة غالبا بالسحر الأسود، يمكن للمرء أن يغير من جوهره ويتصرف كالذئاب الضارية. كما كان لجنود المايا مجموعة كاملة من الأصدقاء الروحيين يطلق عليهم اسم (وايوب)، وكان لهم أسماء هيروغليفية متميزة.
في الماضي ما قبل الغزو الإسباني، لم يكن هناك مفهوماً واضحاً للحياة الآخرة. كان (زبالانك) مخصص لمرافقة الملك الميت إلى العالم السفلي المخيف المسمي ب (زيبالبا) أي مكان الخوف. كان ل(يوكاتيك) مفهوم مزدوج للحياة الآخرة: ينحدر الأشرار إلى العالم السفلي لتلقي العذاب هناك ، بينما يصعد الأخيار إلى الجنة بقيادة الآلهة (اكتساب). ويخرج أسلاف ملوك المايا من الأرض مثل أشجار الفاكهة التي تشكل معاً بستاناً من النعم. وقد تم تفسير ما يسمى بجبل الزهرة على وجه التحديد كمرجع لالتقاء الجنة المائية والطاقة الشمسية. بالنظر إلى بقايا الحيوانات البحرية الموجودة في المقابر الكلاسيكية والصور المرافقة للحياة المائية، قد تكون هذه الجنة البحرية هي بديل المايا لجنة إله المطر (تلوكان) في الدين المركزي المكسيكي.
يعيش مجتمع المايا التقليدي تحت أثر الوجود المستمر للأسلاف، اللذين يعتقد بأن أرواحهم تسكن أعالي الجبال، وتقدم إليهم بإستمرار الهدايا والقرابين. ويكون تأثير الاسلاف والانساب أكثر أهمية في طبقة النبلاء. وهكذا، فإن (بوبول فوه) يسرد ثلاثة أنساب من كبار اللوردات. هؤلاء الأسلاف الذكور عرفوا بأداء طقوس إراقة الدماء وتقديم القرابين ، وقد تلقوا الآلهة الخاصة بهم في أرض أسطورية تسمى الكهوف السبعة والأخاديد السبعة (ناهوا تشيكوموزتوك)، ثم بعد اختفائهم تركوا ورائهم حزماً مقدسة.
هناك من يعرف بالأبطال ضمن مجموعة الأسلاف، مثل التوأمان (هونابو) و (زبالانك) المذكوران في ملحمة (كيشيان) في القرن السادس عشر. كانت مغامرات هذين البطلين معروفة في جميع أنحاء منطقة المايا في الفترة الكلاسيكية. وهناك أبطال آخرون من الأسلاف في مختلف مجموعات المايا التقليدية، مثل (قزح إز) في (يوكاتيك ماياس)، و (خوان كانيل) في (جاكاليتس) في المرتفعات الشمالية الغربية، و (أوهوركستوتيل) قاتل النمر في (تزوتزيلز) من (تشياباس). يمكن أن ينتمي الأبطال إلى الماض القريب أو البعيد. كما يتم الدعاء إلى الاأطال في الصلوات ويقدم لهم نوع من أنواع العبادة والتبجيل. في بعض الأحيان يعتبر بعض القدييسين أو بعض العسكريين من الأبطال.
لقد اختلطت عقيدة المايا بعقيدة المستعمر الإسباني الكاثوليكية، فتم دمج مريم العذراء، وعدد من القديسين، والملائكة والشيطان مع الآلهة التقليدية وأبطال الأسلاف لدى المايا. الملائكة، على سبيل المثال، تمثل آلهة المطر. وغالبا ما يشار إلى الآلهة التي تحكم النباتات البرية، والحيوانات، والأسماك باسم الأصحاب (دينوس)، مثل آلهة وادي الجبل في المرتفعات. ويطلق على الأرض الحية مسمى العالم (موندو).
مفهوم الألوهية لا يقتصر على مجرد تجسيد للظواهر الطبيعية. على سبيل المثال، تلعب الذرة دوراً مهماً في اعتقاد المايا، ولكن دور إله الذرة في المايا يتجاوز مجال الزراعة ليشمل الجوانب الأساسية للحياة المتحضرة بشكل عام. وللآلهة أنواع من الوظائف الاجتماعية المتصلة بالأنشطة البشرية مثل الزراعة والقبالة والتجارة والحرب. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تكون الآلهة راعية لشرائح كبيرة من المجتمع، مثل الآلهة الأربعة التي ترأس الأجنحة الأربعة من (إتزامكاناك).
وبحسب مخطوطات (يوكاتيك) للقرن السادس عشر، تنقسم الآلهة الرئيسية لدى المايا علي النحو التالي:
و ضمن المخطوطات الأصيلة الثلاث هناك وظائف للآلهة الإناث تركزت في آلهة الشباب وهي امرأة بيضاء، والإلهة القديمة وهي امرأة حمراء. وهناك أيضاً آلهة المحيط التي تتميز بأسنان كسمك القرش، وآلهة النمر المرتبطة بالحرب، وآلهة الثعبان ذا الريش.
وفقا لعقيدة (يوكاتيك)، يمكن للكهنة الأصليين خلق العفاريت (ألوكسوب) الذين إذا تم تحضيرهم بشكل صحيح سوف يساعدون المزارع في عمله من خلال حماية حقله. القزم وأحدب الظهر يعملون كمرافقين للملك ولآلهة الذرة، تماما كما هو الحال مع الأقزام المساعدين للآلهة المطر والبرق والرعد.
هناك تنوع كبير في السرد الديني الحديث الذي يتضمن قوالب نمطية عن لقاء الأرواح الجبلية وأساطير متعلقة بالأبطال وبالآلهة. وقد ادماج بعض القصص الكاثوليكية خاصة المتعلقة بنشوء الأرض وخلق النباتات المفيدة. من بين الأساطير الأكثر شهرة هي تلك المتعلقة بافتتاح جبل ميز من قبل آلهة البرق، وصراع الشمس مع أخوتها الكبار، وزواج الشمس والقمر. وهناك بالفعل تقدم المحرز في فك الهيروغليفية وهي أهم مصادر الأساطير الكلاسيكية والمشاهد رسمت على الفخار والأيقونات الأثرية.
وكما هو الحال بالنسبة لسكان أمريكا الوسطى، فإن مجتمعات المايا شهدت منذ الغزو الإسباني سلسلة من حركات الصحوات الدينية، ذات طابع عنيف نوعا ما، وردة فعل على الاستغلال الذي تعرضوا له. وعادة ما تتبع هذه الحركات ظهور كائنات خارقة للطبيعة. في (تشياباس) في أوائل القرن الثامن عشر وأواخر القرن التاسع عشر، ركزت الطوائف على القديسين الإناث مثل مريم العذراء وسانت روز ليما. في (ألتا فيراباز)، كان دور القديسين يفرض من قبل الآلهة الجبلية اللتي تطالب بتدمير مزارع البن والعودة إلى الطرق القديمة. وقد تم الاعتراف بأن بعض الأفراد هم أتباع لكيانات خارقة للطبيعة.
{{استشهاد ويب}}
: صيانة الاستشهاد: تنسيق التاريخ (link) نسخة محفوظة 2 أكتوبر 2019 على موقع واي باك مشين.