علم الفلك البابلي

لوح بابلي يسجل مرور مذنب هالي، 164 ق.م.

علم الفلك البابلي (بالإنجليزية: Babylonian Astronomy)، هو دراسة وتسجيل الأجرام الفلكية خلال العصور المبكرة لبلاد الرافدين. تظهر هذه السجلات منقوشةً بالكتابة المسمارية بألواح الطين السومرية، لتاريخ يرجع إلى الفترة بين 3500 إلى 3200 عام قبل الميلاد.[1] طور السومريون نوعًا من علم الفلك/التنجيم الخاص بهم متأثرين بأساطيرهم الدينية، ما ترك بصمةً على ثقافتهم البابلية، ويتضمن ذلك الآلهة الكوكبية التي لعبت دورًا مهمًا.

يهتم علم الفلك البابلي بالتركيز على مجموعة من النجوم والكوكبات النجمية التي تُعرف باسم «نجوم زيقبو».[2] جُمّعت هذه الكوكبات من مصادر مختلفة مبكرة. يذكر أقدم فهارس النجوم المُسمى بـ«ثلاثة نجوم لكل منها» نجومًا في الإمبراطورية الأكدية، ومملكة أمورو، وحضارة عيلام وغيرها.[3]

استُخدم نظام عد خاص قائم على الرقم 60، والمعروف بنظام العد الستيني. بسط هذا النظام طرق حساب وتسجيل الأرقام الكبيرة والصغيرة. ويمكن أن نعتبر السومريين أول من بدأوا الأنظمة الستينية المستخدمة حتى عصرنا هذا مثل تقسيم الدائرة إلى 360 درجة، وكل درجة تُقسم إلى 60 دقيقة.[4]

طور السومريون نهجًا تجريبيًا لعلم الفلك، في الفترة بين القرن الثامن إلى القرن السابع قبل الميلاد. وبدأوا بدراسة وتسجيل فلسفاتهم واعتقاداتهم الخاصة بطبيعة الكون المجردة واستحدثوا منطقًا داخليًا خاصًا بهم من خلال الأنظمة الكوكبية التي كانوا يتنبؤون بها. اعتُبر هذا إسهامًا مهمًا في علم الفلك وفلسفة العلوم، ووصف بعض العلماء المعاصرين هذا النهج الجديد بأنه أول ثورة علمية.[5] طُور هذا النهج واُعتمد بواسطة الإغريق وعلم التنجيم الهلنستي. استخدمت المصادر الإغريقية واللاتينية مصطلح الـ«الكلديون» بشكل متكرر لعلماء الفلك ببلاد الرافدين، والذين كانوا من الكهنة الكتاب المتخصصين في علم التنجيم والأنواع الأخرى من الكهانة.

بقيت قطع صغيرة من آثار علم الفلك البابلي حتى عصرنا هذا، وهي عبارة عن بعض الألواح الطينية الحديثة الكبيرة التي تحتوي على المفكرات الفلكية البابلية، والتقويم الفلكي، والنصوص الإجرائية، ولهذا معرفتنا بنظرية الكواكب البابلية محدودة للغاية.[6] ومع ذلك، تُظهر هذه القطع الأثرية الصغيرة الباقية أن علم الفلك البابلي كان أول محاولة ناجحة لوضع وصف رياضي دقيق للظواهر الفلكية. وكل العلوم المشتقة من علم الفلك في العصر الهلنستي، والهند، والعصر الإسلامي، والغرب كانت معتمدةً على علم الفلك البابلي بشكل أساسي.[7]

ترجع أصول علم الفلك الغربي إلى بلاد الرافدين، وتعتبر كل الجهود الغربية في العلوم الدقيقة وليدةً لجهود علماء الفلك البابليين.[8] وصلتنا المعلومات التي نعرفها عن علم الفلك السومري بشكل غير مباشر، من خلال فهارس النجوم البابلية القديمة التي يعود تاريخها إلى 1200 عام قبل الميلاد. ويشير ظهور أسامي النجوم باللغة السومرية لاستمرار هذا العلم حتى بدايات العصر البرونزي.

علم الفلك البابلي القديم

[عدل]

استمرت ممارسة علم الفلك البابلي خلال فترة السلالة البابلية الأولى (1830 عام قبل الميلاد) وبعدها إلى ما قبل الإمبراطورية البابلية الحديثة (626 عام قبل الميلاد). كان البابليون أول من أدركوا حقيقة حدوث الظواهر الفلكية بشكل دوري، وطبقوا الرياضيات على تنبؤاتهم بهذه الظواهر. توثق الألواح التي تعود إلى الفترة البابلية القديمة حقيقة تطبيق الرياضيات على اختلاف طول النهار خلال السنة الشمسية. دُوِّنت ملاحظات البابليين للظواهر الفلكية عبر قرون في مجموعة من الألواح بالكتابة المسمارية، وتعرف هذه الألواح باسم «إنوما أنو إنليل»، وأقدم نص فلكي نملكه الآن مُدون على اللوح رقم 63 من ألواح «إنوما أنو إنليل»، ولوح «فينوس لأمي صادوقا»، والذي يسرد أول ظهور وآخر ظهور أثناء رصد كوكب الزهرة على مدار 21 عامًا.[9]

عُثر على أثر سُمي بالمنشور العاجي وسط الآثار الموجودة بـ«نينوى». ظُن في البداية أنه يشرح قواعد لعبة ما، ولكن بعد فك شفرة رموزه، اتضح أنه كان يضم نظام تحويل للوحدات المستخدمة في حسابات حركة الأجرام الفلكية والكوكبات.[10]

طور علماء الفلك البابليون نظام أبراج فلكية. وُضعت هذه الأبراج عن طريق تقسيم السماء إلى ثلاث مجموعات مكونة من ثلاثين درجة بالإضافة إلى الكوكبات الموجودة بكل مجموعة.[11][12]

يحتوي مول.أبين على فهارس للنجوم والأبراج بالإضافة إلى مخططات للتنبؤ بطلوع الشمس وأوضاع الكواكب وأطوال النهار كما تقاس بالساعة المائية والمقياس والظلال والفترات البينية. يُرتِّب نص حي يو البابلي النجوم في ”سلاسل“ تقع على طول دوائر الانحراف، وبالتالي يقيسون بذلك المطالع اليمنى أو الفواصل الزمنية، ويستخدم أيضاً نجوم الأوج، التي تفصل بينها أيضاً فروق معينة في المطالع اليمنى.[13][14][15]

نظرية الكواكب البابلية

[عدل]

كانت الحضارة البابلية أول حضارة معروفة لها نظرية وظيفية خاصة بالكواكب.[16] يعتبر لوح «فينوس لأمي صادوقا» البابلي أقدم نص فلكي كوكبي باقٍ حتى عصرنا هذا، وهو عبارة عن نسخة يرجع تاريخها للقرن السابع قبل الميلاد من قائمة ملاحظات حركة كوكب الزهرة التي يرجع تاريخها للألفية الثانية قبل الميلاد. أرسى علماء التنجيم البابليون أسس وقواعد علم التنجيم الغربي.[17] تضم ألواح «إنوما أنو إنليل» المُدونة خلال الإمبراطورية الآشورية الحديثة في القرن السابع قبل الميلاد، قائمة من الطوالع وعلاقتها بالعديد من الظواهر الفلكية بما يتضمن حركة الكواكب.[18]

الاسطرلابات

[عدل]

الإسطرلابات (يجب عدم الخلط بينها وبين جهاز القياس الفلكي الذي يحمل نفس الاسم في وقت لاحق) هي واحدة من أقدم الألواح المسمارية الموثقة التي تناقش علم الفلك ويعود تاريخها إلى المملكة البابلية القديمة. وهي عبارة عن قائمة بستة وثلاثين نجمًا مرتبطة بالشهور في السنة،[19] وتعتبر عمومًا مكتوبة بين عامي 1800 و1100 قبل الميلاد، ولم يتم العثور على نصوص كاملة، ولكن هناك تجميع حديث قام به بينشز تم تجميعه من نصوص محفوظة في المتحف البريطاني ويعتبره مؤرخون آخرون متخصصون في علم الفلك البابلي ممتازًا. هناك نصان آخران آخران يتعلقان بالإسطرلابات يجب ذكرهما وهما مصنفات بروكسل وبرلين. وهما يقدمان معلومات مشابهة لمختارات بينشز، ولكنهما يحتويان على بعض المعلومات المختلفة عن بعضهما البعض.[20]

يُعتقد أن النجوم الستة والثلاثين التي تتكون منها الاسطرلابات مستمدة من التقاليد الفلكية لثلاث دول من مدن بلاد ما بين النهرين، عيلام وأكد وعمورو. النجوم التي كانت تتبعها هذه المدن-الدول وربما رسمت خرائطها هي نجوم مطابقة لتلك الموجودة في الأسطرلابات. كان لكل منطقة مجموعة من اثني عشر نجمًا تتبعها، والتي تساوي مجتمعة النجوم الستة والثلاثين الموجودة في الأسطرلابات. كما تتوافق النجوم الاثنا عشر لكل إقليم مع أشهر السنة. والنصان المسماريان اللذان يوفران المعلومات اللازمة لهذا الادعاء هما قائمة النجوم الكبيرة ”كي 250“ و”كي 8067“. وقد قام فايدنر بترجمة هذين اللوحين ونسخهما. في عهد حمورابي تم الجمع بين هذه التقاليد الثلاثة المنفصلة. وقد أدى هذا الدمج أيضًا إلى اتباع نهج أكثر علمية في علم الفلك حيث ضعفت الصلات بالتقاليد الثلاثة الأصلية.

مول.أبين-MUL.APIN

[عدل]

مول.أبين هو عبارة عن لوحين مسماريين (اللوح 1 واللوح 2) يوثقان جوانب من علم الفلك البابلي مثل حركة الأجرام السماوية وتسجيلات الانقلابات الشمسية والكسوف.[21] كما ينقسم كل لوح إلى أقسام أصغر تسمى القوائم. وقد تم تأليفها في الإطار الزمني العام للأسطرلابات، ويتضح ذلك من خلال تشابه الموضوعات والمبادئ الرياضية والحوادث.[22]

يحتوي اللوح 1 على معلومات توازي إلى حد كبير المعلومات الواردة في الأسطرلاب ب. تُظهر أوجه التشابه بين اللوح 1 والأسطرلاب ب أن المؤلفين استوحوا بعض المعلومات من نفس المصدر على الأقل. توجد ست قوائم من النجوم على هذا اللوح تتعلق بستين مجموعة نجمية في مسارات مخططة للمجموعات الثلاث لمسارات النجوم البابلية. وهناك أيضًا إضافات لمسارات النجوم غير موجودة في الأسطرلاب ب.[22]

العلاقة بين التقويم والرياضيات وعلم الفلك

[عدل]

أثر استكشاف الشمس والقمر والأجرام السماوية الأخرى على تطور ثقافة بلاد ما بين النهرين. أدت دراسة السماء إلى تطوير التقويم والرياضيات المتقدمة في هذه المجتمعات. لم يكن البابليون أول مجتمع معقد يطور تقويمًا على مستوى العالم، وفي مكان قريب في شمال إفريقيا، طور المصريون تقويمًا خاصًا بهم. كان التقويم المصري يعتمد على التقويم الشمسي، بينما كان التقويم البابلي يعتمد على التقويم القمري. وهناك مزج محتمل بين الاثنين أشار إليه بعض المؤرخين وهو اعتماد البابليين لسنة كبيسة بدائية بعد أن طوّر المصريون تقويماً خاصاً بهم. لا توجد أوجه تشابه بين السنة الكبيسة البابلية والسنة الكبيسة التي تمارس اليوم. فقد تضمنت إضافة شهر ثالث عشر كوسيلة لإعادة ضبط التقويم ليتناسب بشكل أفضل مع موسم النمو.[23]

كان الكهنة البابليون هم المسؤولون عن تطوير أشكال جديدة من الرياضيات وفعلوا ذلك لحساب حركات الأجرام السماوية بشكل أفضل. أحد هؤلاء الكهنة، نابو-ريماني، هو أول عالم فلك بابلي موثق. يُنسب إليه الفضل في كتابة جداول حساب القمر والكسوف بالإضافة إلى حسابات رياضية أخرى متقنة. نُظمت جداول الحسابات في سبعة عشر أو ثمانية عشر جدولاً توثق سرعات دوران الكواكب والقمر. وقد أعاد علماء الفلك في عهد السلالة السلوقية سرد أعماله فيما بعد.[23]

الشفق القطبي

[عدل]

قام فريق من العلماء في جامعة تسوكوبا بدراسة الألواح المسمارية الآشورية، وأبلغوا عن سماء حمراء غير عادية قد تكون حوادث شفقية ناجمة عن عواصف جيومغناطيسية أرضية بين عامي 680 و650 قبل الميلاد.[24]

علم الفلك البابلي الحديث

[عدل]

هوعلم فلك طوره علماء الفلك الكلدانيون خلال فترات من تاريخ بلاد الرافدين تشمل: الإمبراطورية البابلية الحديثة، وآشور الأخمينية، والدولة السلوقية (السلوقيين)، ومملكة فارثيا. ازدادت معدلات وكفاءة الرصد الفلكي بشكل ملحوظ خلال فترة حكم «نبوناصر» التي استمرت بين عام 747 قبل الميلاد إلى عام 734 قبل الميلاد.[25] اكتشف البابليون «دورة ساروس» لخسوف القمر التي تتكرر كل 18 عامًا عن طريق تسجيل الظواهر المشؤؤمة وفقًا لثقافاتهم في المفكرات الفلكية البابلية التي بدأت في هذا الوقت. حدد عالم الفلك المصري الإغريقي «بطليموس» فترة حكم «نبوناصر» باعتبارها بدايةً لعصر فريد، إذ شعر أن أقدم الملاحظات الفلكية المهمة بدأت خلال هذه الحقبة.

حدثت المراحل الأخيرة من تطوير علم الفلك البابلي خلال فترة الإمبراطورية السلوقية التي استمرت بين عام 323 قبل الميلاد إلى عام 60 قبل الميلاد. بدأ علماء الفلك في القرن الثالث قبل الميلاد في استخدام ما يُعرف بـ«نصوص أهداف السنة» للتنبؤ بحركات الكواكب. جَمّعت هذه النصوص سجلات الملاحظات السابقة لإيجاد أي تكرار في حدوث الظاهر المشؤومة الخاصة بكل كوكب. وتمكن علماء الفلك في الوقت نفسه، أو فيما بعده بفترة وجيزة من إنشاء نماذج رياضية للتنبؤ بحدوث هذه الظواهر بشكل مباشر دون الحاجة للرجوع للسجلات السابقة.

الطرق الحسابية والهندسية

[عدل]

على الرغم من قلة المواد الباقية عن نظرية الكواكب عند البابليين،[26] يبدو أن معظم علماء الفلك الكلدانيين كانوا مهتمين بشكل أساسي بالتقويمات الفلكية وليس بالنظرية. وقد كان يُعتقد أن معظم النماذج الكوكبية البابلية التنبؤية التي نجت من النماذج الكوكبية البابلية كانت عادةً تجريبية وحسابية بحتة، ولم تكن عادةً تتضمن الهندسة أو علم الكونيات أو الفلسفة التأملية مثل النماذج الهلنستية اللاحقة،[27] رغم أن الفلكيين البابليين[28] كانوا مهتمين بالفلسفة التي تتناول الطبيعة المثالية للكون في بداياته. وتصف النصوص الإجرائية البابلية الإجراءات الحسابية لحساب زمان ومكان الأحداث الفلكية المهمة ،[29] ويوضح تحليل أكثر حداثة للألواح المسمارية غير المنشورة سابقًا في المتحف البريطاني، والتي يعود تاريخها إلى ما بين 350 و50 قبل الميلاد، أن الفلكيين البابليين استخدموا أحيانًا أساليب هندسية تسبق أساليب حاسبات أكسفورد، لوصف حركة المشتري على مر الزمن في فضاء رياضي مجرد.[30]

وبصرف النظر عن التفاعلات العرضية بين الاثنين، فإن علم الفلك البابلي كان مستقلاً إلى حد كبير عن علم الكونيات البابلي ،[31] وفي حين أن علماء الفلك اليونانيين أعربوا عن ”تحيزهم لصالح الدوائر أو الكرات التي تدور بحركة منتظمة“، فإن مثل هذا التفضيل لم يكن موجودًا لدى علماء الفلك البابليين.[32]

تشمل الإسهامات التي قدمها علماء الفلك الكلدانيون خلال هذه الفترة اكتشاف دورات الكسوف ودورات الساروس، والعديد من الملاحظات الفلكية الدقيقة. فقد لاحظوا على سبيل المثال أن حركة الشمس على طول مسير الشمس لم تكن منتظمة، على الرغم من أنهم لم يكونوا على دراية بسبب ذلك؛ ومن المعروف اليوم أن هذا يرجع إلى أن الأرض تتحرك في مدار إهليلجي حول الشمس، حيث تتحرك الأرض بسرعة أكبر عندما تكون أقرب إلى الشمس عند الحضيض وتتحرك أبطأ عندما تكون أبعد عند الأوج.[33]

علم فلك مركزية الشمس

[عدل]

النموذج الكوكبي الوحيد الباقي من بين علماء الفلك الكلدانيين هو نموذج سلوقس السلوقي الهيليني (ولد عام 190 ق.م)، الذي دعم نموذج مركزية الشمس لليوناني أرسطرخس الساموسي .[34] وقد أدرج الجغرافي اليوناني سترابو سلوقس كأحد علماء الفلك الأربعة الأكثر تأثيرًا، وهو من سلوقية الهيلينية على دجلة، إلى جانب كيديناس (كيدينو) ونابوريانوس (نابوريمانو) وسودينس. كُتبت أعمالهم في الأصل باللغة الأكدية وتُرجمت فيما بعد إلى اليونانية.[35] ومع ذلك، كان سلوقس فريدًا من بينهم من حيث أنه الوحيد المعروف عنه أنه كان الوحيد الذي دعم نظرية مركزية الشمس لحركة الكواكب التي اقترحها أرسطرخوس،[36] حيث تدور الأرض حول محورها الذي يدور بدوره حول الشمس. ووفقًا لبلوطرخس فإن سلوقس قد أثبت نظام مركزية الشمس من خلال الاستدلال، على الرغم من أنه من غير المعروف ما هي الحجج التي استخدمها.[35]

ووفقًا لما ذكره لوسيو روسو، من المحتمل أن تكون حججه مرتبطة بظاهرة المد والجزر[37]، حيث وضع سلوقس نظرية صحيحة مفادها أن المد والجزر كان سببه القمر، على الرغم من اعتقاده أن التفاعل كان بوساطة الغلاف الجوي للأرض. وأشار إلى أن المد والجزر يختلف في الوقت والقوة في أجزاء مختلفة من العالم. وفقًا لسترابو (1.1.9)، كان سلوقس أول من ذكر أن المد والجزر يرجع إلى جاذبية القمر، وأن ارتفاع المد والجزر يعتمد على موقع القمر بالنسبة للشمس.[38]

وفقًا لبارتل ليندرت فان دير فيردن، ربما يكون سلوقس قد أثبت نظرية مركزية الشمس من خلال تحديد ثوابت نموذج هندسي لنظرية مركزية الشمس وتطوير طرق لحساب مواقع الكواكب باستخدام هذا النموذج. وربما استخدم الطرق المثلثية التي كانت متاحة في عصره، حيث كان معاصرًا لأبرخش.[35]

لم ينج أي من كتاباته الأصلية أو ترجماته اليونانية، على الرغم من أن جزءًا من أعماله لم ينج إلا في الترجمة العربية التي أشار إليها فيما بعد الفيلسوف الفارسي محمد بن زكريا الرازي (865-925)[39]

التأثير البابلي على علم الفلك الهلنستي

[عدل]

تم الحفاظ على العديد من أعمال الكتاب اليونانيين والهيلينستيين القدماء (بما في ذلك علماء الرياضيات والفلكيين والجغرافيين) حتى الوقت الحاضر، أو لا تزال بعض جوانب عملهم وفكرهم معروفة من خلال المراجع اللاحقة. إلا أن الإنجازات التي حققتها حضارات الشرق الأدنى القديمة في هذه المجالات، ولا سيما في بابل، قد طواها النسيان لفترة طويلة. ومنذ اكتشاف مواقع أثرية رئيسية في القرن التاسع عشر، تم العثور على العديد من الكتابات المسمارية على ألواح طينية، بعضها يتعلق بعلم الفلك. وقد وصف أبراهام زاكس معظم الألواح الفلكية المعروفة ونشرها لاحقاً أوتو نوغوباور في النصوص المسمارية الفلكية (ACT). كتب هيرودوتس أن الإغريق تعلموا جوانب من علم الفلك مثل المنظار وفكرة انقسام اليوم إلى نصفين من اثني عشر يومًا من البابليين.[20] وتشير مصادر أخرى إلى أن العبارات الإغريقية وهي حجر منحوت فيه 365-366 حفرة لتمثيل أيام السنة من البابليين أيضًا.[40]

التأثير على أبرخش وبطليموس

[عدل]

في عام 1900، أوضح فرانز زافير كوغلر أن بطليموس ذكر في كتابه المجسطي IV.2 أن أبرخش حسَّن قيم فترات القمر المعروفة له من ”علماء الفلك الأقدم“ من خلال مقارنة أرصاد الكسوف التي قام بها ”الكلدانيون“ سابقًا، ومن قبله هو نفسه. إلا أن كوغلر وجد أن الفترات التي ينسبها بطليموس إلى أبرخش قد استُخدمت بالفعل في التقويمات البابلية وتحديداً مجموعة النصوص التي تُسمى اليوم ”النظام ب“ (التي تُنسب أحياناً إلى كيدينو). ويبدو أن أبرخش لم يؤكد صحة الفترات التي تعلمها من الكلدانيين إلا من خلال ملاحظاته الأحدث. تم تأكيد المعرفة اليونانية اللاحقة بهذه النظرية البابلية المحددة من خلال بردية تعود للقرن الثاني الميلادي، والتي تحتوي على 32 سطرًا من عمود واحد من الحسابات الخاصة بالقمر باستخدام نفس ”النظام ب“، ولكن مكتوبة باليونانية على ورق البردي وليس بالكتابة المسمارية على ألواح الطين.[41]

وسائل النقل

[عدل]

وجد المؤرخون دليلًا على أن أثينا في أواخر القرن الخامس الميلادي ربما كانت على دراية بعلم الفلك البابلي أو علماء الفلك أو المفاهيم والممارسات الفلكية من خلال توثيق إكسينوفون لإرشاد سقراط لطلابه لدراسة علم الفلك إلى حد القدرة على معرفة وقت الليل من النجوم. وقد أشير إلى هذه المهارة في قصيدة أراطوس التي تناقش معرفة وقت الليل من علامات البروج.[40]

انظر أيضًا

[عدل]

المراجع

[عدل]
  1. ^ "The World's Oldest Writing". Archaeology. مؤرشف من الأصل في 2019-09-05. اطلع عليه بتاريخ 2018-09-11.
  2. ^ Hunger، Herman (1999). "Ziqpu Star Texts". Astral Sciences in Mesopotamia. Brill. ص. 84–90. ISBN:9789004101272.
  3. ^ History of the Constellations and Star Names — D.4: Sumerian constellations and star names? نسخة محفوظة 2015-09-07 على موقع واي باك مشين., by Gary D. Thompson
  4. ^ "Time Division". Scientific American. مؤرشف من الأصل في 2019-07-03. اطلع عليه بتاريخ 2018-09-11.
  5. ^ D. Brown (2000), Mesopotamian Planetary Astronomy-Astrology, Styx Publications, (ردمك 90-5693-036-2).
  6. ^ Asger Aaboe (1958). "On Babylonian Planetary Theories". Centaurus. ج. 5 ع. 3–4: 209–277. DOI:10.1111/j.1600-0498.1958.tb00499.x.
  7. ^ A. Aaboe (2 مايو 1974). "Scientific Astronomy in Antiquity". المعاملات الفلسفية للجمعية الملكية. ج. 276 ع. 1257: 21–42. Bibcode:1974RSPTA.276...21A. DOI:10.1098/rsta.1974.0007. JSTOR:74272.
  8. ^ آسغر آبو, Asger. "The culture of Babylonia: Babylonian mathematics, astrology, and astronomy." The Assyrian and Babylonian Empires and other States of the Near East, from the Eighth to the Sixth Centuries B.C. Eds. John Boardman, I. E. S. Edwards, N. G. L. Hammond, E. Sollberger and C. B. F. Walker. Cambridge University Press, (1991)
  9. ^ Rochberg-Halton، F. (1983). "Stellar Distances in Early Babylonian Astronomy: A New Perspective on the Hilprecht Text (HS 229)". Journal of Near Eastern Studies. ج. 42 ع. 3: 209–217. DOI:10.1086/373020. JSTOR:545074.
  10. ^ van der Waerden، B. L. (1951). "Babylonian Astronomy. III. The Earliest Astronomical Computations". Journal of Near Eastern Studies. ج. 10 ع. 1: 20–34. DOI:10.1086/371009. JSTOR:542419.
  11. ^ Pingree، David (1998)، "Legacies in Astronomy and Celestial Omens"، في Dalley، Stephanie (المحرر)، The Legacy of Mesopotamia، Oxford University Press، ص. 125–137، ISBN:978-0-19-814946-0
  12. ^ Rochberg، Francesca (2004)، The Heavenly Writing: Divination, Horoscopy, and Astronomy in Mesopotamian Culture، Cambridge University Press
  13. ^ Pingree 1998.
  14. ^ Rochberg 2004.
  15. ^ Evans 1998، صفحة 296–297.
  16. ^ Evans، James (1998). The History and Practice of Ancient Astronomy. Oxford University Press. ص. 296–7. ISBN:978-0-19-509539-5. مؤرشف من الأصل في 2020-01-25. اطلع عليه بتاريخ 2008-02-04.
  17. ^ Holden، James Herschel (1996). A History of Horoscopic Astrology. AFA. ص. 1. ISBN:978-0-86690-463-6.
  18. ^ Lambert، W. G.؛ Reiner، Erica (1987). "Babylonian Planetary Omens. Part One. Enuma Anu Enlil, Tablet 63: The Venus Tablet of Ammisaduqa". Journal of the American Oriental Society. ج. 107 ع. 1: 93. DOI:10.2307/602955. JSTOR:602955.
  19. ^ Rochberg-Halton 1983.
  20. ^ ا ب Van der Waerden 1949.
  21. ^ van der Waerden، B. L. (1951). "Babylonian Astronomy. III. The Earliest Astronomical Computations". Journal of Near Eastern Studies. ج. 10 ع. 1: 20–34. DOI:10.1086/371009. JSTOR:542419. S2CID:222450259.
  22. ^ ا ب Hunger & Pingree 1999، صفحة 57–65.
  23. ^ ا ب Olmstead 1938.
  24. ^ Hayakawa et al. 2019.
  25. ^ A. Aaboe؛ J. P. Britton؛ J. A. Henderson؛ Otto Neugebauer؛ A. J. Sachs (1991). "Saros Cycle Dates and Related Babylonian Astronomical Texts". Transactions of the American Philosophical Society. ج. 81 ع. 6: 1–75. DOI:10.2307/1006543. JSTOR:1006543. One comprises what we have called "Saros Cycle Texts," which give the months of eclipse possibilities arranged in consistent cycles of 223 months (or 18 years).
  26. ^ Aaboe 1958.
  27. ^ Sarton 1955.
  28. ^ Brown 2000.
  29. ^ Aaboe 2001، صفحة 40–62.
  30. ^ Ossendrijver 2016.
  31. ^ Rochberg 2002، صفحة 679.
  32. ^ Pingree 1992، صفحة 557.
  33. ^ Leverington 2003، صفحة 6–7.
  34. ^ Sarton 1955، صفحة 169.
  35. ^ ا ب ج Van der Waerden 1987.
  36. ^ Paul Murdin، المحرر (2001). "Seleucus of Seleucia (c. 190 BCE?)". The Encyclopedia of Astronomy and Astrophysics. Bibcode:2000eaa..bookE3998.. DOI:10.1888/0333750888/3998. ISBN:978-0333750889.
  37. ^ لوسيو روسو, Flussi e riflussi, Feltrinelli, Milano, 2003, (ردمك 88-07-10349-4).
  38. ^ Van der Waerden 1987، صفحة 527.
  39. ^ Shlomo Pines (1986). Studies in Arabic versions of Greek texts and in mediaeval science. دار بريل للنشر. ج. 2. ص. viii & 201–17. ISBN:978-965-223-626-5.
  40. ^ ا ب Van der Waerden 1951.
  41. ^ Aaboe 2001، صفحة 62–65.