جزء من سلسلة مقالات عن |
الثقافة العربية |
---|
![]() |
الغزل هو التغنّي بالجمال، وإظهار الشوق إليه، والشكوى من فراقه، والغزل فنُّ شعريٌ يهدف إلى التّشبّب بالحبيبة ووصفها عبر إبراز محاسنها ومفاتنها.[1][2][3] وهو ينقسم إلى قسمين: الغزل العذري، وله مسمياتٌ أخرى، وهي الغزل العفيف أو الغزل البدوي، والغزل الصريح، وله مسمياتٌ أخرى، وهي الغزل الحضري.
انطلاقاً من الاصطلاح اللغوي المتقدم، تعبير الغزل من الناحية الأدبية: فناً من فنون القصيدة الغنائية للتعبير عن الحب وأحاسيس المحبين وانفعالاتهم وما تعكسه تلك الانفعالات في النفس من ألوان الشعور. وهكذا يكون الغزل، إذا نبع من تجربة الشاعر الصادقة أحد ألوان الشعر الغنائي عند العرب وأقربها إلى النزعة الوجدانية فيه، يستمد الشاعر معانيه بما فيها من عطاء الشعور وأثر الحس والخيال من علاقته بالمرأة ونظرته إليها، ومنزلتها في واقعة ووجوده، ما يترتب عن ذلك من ميلٍ أو حبٍ، على تباين في صوره تبعاً للعوامل المؤثرة في أمزجة الشعراء وعوامل البيئة والعصر.
صنف فرعي من | |
---|---|
فروع |
النّسيب نوع من الغزل.[4] والغزل والنسيب ليست كلمتين مترادفتين، ولكن بينهما فرقًا نبَّه عليه قدامة فقال: إن النسيب ذِكر خلق النساء وأخلاقهن، وتصرُّف أحوال الهوى به معهن، والفرق بينهما أن الغزل هو المعنى الذي اعتقده الإنسان في الصبوة إلى النساء نسب بهن من أجله، فكأن النسيب ذِكر الغزل والغزل المعنى نفسه. قال: والغزل إنما هو التصابي والاستهتار بمودات النساء… وإذ قد بان أن الذي قلناه على ما قلنا فيجب أن يكون النسيب الذي يتم به الغرض هو ما كثرت فيه الأدلة على التهالك في الصبابة، وتظاهرت فيه الشواهد على إفراط الوجد واللوعة، وما كان فيه من التصابي والرقة أكثر مما يكون من الخشن والجلادة، ومن الخشوع والذلة أكثر مما يكون فيه من الإباء والعز، وأن يكون جماع الأمر فيه ما ضادَّ التحافظ والعزيمة ووافق الانحلال والرخاوة، فإذا كان النسيب كذلك فهو المصاب به الغرض.[5]
تربع الغزل على عرش الشعر في العصر الجاهلي، وتكاد لا تخلو قصيدةٌ من الغزل حتى وإن لم يكن هو الغرض الأساس فيها، فلا بد للشاعر أن يذكر الغزل في قصيدته. واقتصرت أغلب القصائد الغزلية على وصف الجمال الخارجي للمرأة، كجمال الوجه والجسم. وكان الشعراء يتفننون بوصف هذا الجمال لكنهم قلما تطرقوا إلى وصف ما ترك هذا الجمال من أثرٍ في عواطفهم ونفوسهم. ويمكن تصنيف الغزل في هذا العصر إلى خطين:
سموت إليها بعد ما نام أهلها
فقالت سباك الله إنك فاضحي
فقلت يمين الله أبرح قاعدا
حلفت لها بالله حلفة فاجر
فلما تنازعنا الحديث وأسمحت
وصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا
فأصبحت معشوقا وأصبح بعلها
يغط غطيط البكر شد خناقه
أيقتلني والمشرفي مضاجعي
وليس بذي رمح فيطعنني به
أيقتلني وقد شغفت فؤادها
وقد علمت سلمى وإن كان بعلها
وماذا عليه أن ذكرت أوانسا
وعمومًا، لما كثرت حياة الترحال عند البدو في الجاهلية، صار الشعراء يقفون على أطلال حبيباتهم ويبكونها. فصارت القصيدة العربية في الجاهلية لا تخلو من مقدمة طللية يذكر فيها الشاعر حبيبته ويتغزل بها.
هذب الإسلام الغزل في هذا العصر، فقد جاء أكثر تعففًا، لكن بالرغم من هذا ضلت طائفة من الشعراء تعاقر الخمر في أشعارها، وتشبب بالنساء وتتغزل بهن غزلًا فاحشًا، أمثال أبي محجن الثقفي، لكن عموم الشعراء اتسم شعرهم بالغزل العفيف الذي لم يقف الإسلام بوجهه، والدليل على ذلك ان كعب بن زهير عندما مدح الرسول محمد بدأ قصيدته الشهيرة بالغزل ومنها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت
شجت بذي شبم من ماء محنية
تجلو الرياح القذى عنه وأفرطه
ازدهر الغزل في هذا العصر ازدهارًا لا مثيل له وذلك لأسباب منها:
واتجه الغزل في ثلاثة اتجاهاتٍ أو ثلاثة مدارس هي:
شهد العصر العباسي ازدهارًا في شتى مجالات العلوم، ومنها الشعر بكل أغراضه، لكن خفت صوت المدرسة العذرية في الغزل وكثر الغزل الفاحش، ولعل الخطر في هذا ظهور نوعٍ من الغزل يعد أكثر الأنواع انحطاطًا وهو الغزل الغلماني، ولكن بالرغم من ذلك ظل الشعراء يتركون هذا النوع في قصائدهم الرسمية. وهناك أيضًا شعراء يحافظون على قدرٍ كبيرٍ من الغزل العفيف. ومن سمات الغزل في هذا العصر الأخرى تليين اللغة والابتعاد عن إيراد الغريب من الألفاظ. ومن أهم شعراء الغزل في هذا العصر أبو نواس، وبشار بن برد، وأبو فراس الحمداني، وأبو تمام، وعباس بن الأحنف، والكثيرين غيرهم. وكمثالٍ على الغزل العفيف قول أبو تمام:
أذكيت جذوة الغزل في هذا العصر وازدهر الغزل، ومن أسباب ذلك جمال الطبيعة التي وصفها ابن خفاجة:
وظهرت في هذا العصر الموشحات. ومن خصائص هذا النوع اتباع الشعراء في الأندلس نهج المشرقيين في كثيرٍ من القصائد، فعرفوا الغزل التقليدي، والوقوف على الأطلال، والغزل الفاحش، والعفيف، ومن مزايا الغزل في هذا العصر:
ومن أشهر الشعراء ابن خفاجة، وابن زيدون، وأشهر قصيدة له هي «أضحى التنائي» أو «نونية ابن زيدون» التي يحن فيها إلى أيامه مع محبوبته ولادة بنت المستكفي ومنها:
أضحى التنائي بديلا عن تدانينا،
ألا وقد حان صبح البين، صبحنا
من مبلغ الملبسينا، بانتزاحهم،
أن الزمان الذي ما زال يضحكنا
غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا
فانحل ما كان معقودا بأنفسنا؛
وقد نكون، وما يخشى تفرقنا،
يا ليت شعري، ولم نعتب أعاديكم،
لم نعتقد بعدكم إلا الوفاء لكم
ما حقنا أن تقروا عين ذي حسد
كنا نرى اليأس تسلينا عوارضه،
بنتم وبنا، فما ابتلت جوانحنا
نكاد، حين تناجيكم ضمائرنا،
حالت لفقدكم أيامنا، فغدت
أُدخلت صور جديدة في الغزل في هذا العصر، حيث ازدادت العواطف والوجدانيات في الغزل، وابتعد عن إيراد الغريب من الألفاظ. وكان للغزل النصيب الأكبر في دواوين عددٍ كبيرٍ من الشعراء، وذلك بسبب خفوت الكثير من الأغراض الشعرية مثل الهجاء، والفخر، والمدح، والوقوف على الأطلال، وانتهى الغزل الغلماني.
ومن أبرز شعراء هذا العصر نزار قباني، وسعيد عقل، وإبراهيم ناجي، وعلي محمود طه، وإسماعيل صبري، وغيرهم الكثير.