مبدأ ماخ

مبدأ ماخ أو حدسية ماخ، في الفيزياء النظرية ونظريات الجاذبية، هو الاسم الذي أطلقه آينشتاين على فرضية غير دقيقة تنسب عادة إلى الفيزيائي والفيلسوف إرنست ماخ.[1] وفكرة المبدأ تتعلق بأن وجود الدوران المطلق (الفرق بين الإطار المرجعي القصوري والإطار المرجعي الدوراني) يتحدد وفقا للتوزّع الكلي للمادة، وذلك كما يتضح من القصة التالية:[2]

«إذا كنت واقفا في حقل وبصرك متجه نحو النجوم، وذراعاك منسدلتان على جانبك بحرية، فإن النجوم البعيدة تظهر لك ثابتة في مكانها. وإذا بدأت بالدوران، فإن النجوم تبدأ بالالتفاف حولك وتبتعد ذراعاك عن جسدك. لماذا تحركت ذراعاك بعيدا عندما كانت النجوم تلتف؟ ولماذا ينسدلان بحريم عندما لا تتحرك النجوم؟»

يقول مبدأ ماخ بأن هذا ليس مصادفة، وأن هناك قانون فيزيائي يربط حركة النجوم البعيدة بالإطار المرجعي القصوري. إذا كنت ترى كل النجوم تلتف حولك، فإن ماخ يقترح بأن قانونا فيزيائيا ما يجعلك تشعر بقوة طاردة مركزية. هناك العديد من الصيغ لهذا المبدأ. وعادة ما يذكر بشكل غامض، كمثل أن يقال «الكتلة هناك تؤثر على القصور الذاتي هنا». كما أن هناك عبارة مشهورة لمبدأ ماخ تقول «إن البنية الكلية للكون تتحكم في القوانين الفيزيائية المحلية».[3]

كان هذا المفهوم إرشاديا لتطوير آينشتاين لنظرية النسبية العامة. أدرك آينشتاين أن التوزع الكلي للمادة قد يحدد الموتر المتري، الذي يخبرك أي إطار يدور بثبات. تثبت صحة هذا الكلام في النظرية العامة في بعض الحلول بواسطة التباطؤ الإطاري المرجعي ومبدأ حفظ الزخم الزاوي الجذبوي. لكن لأن هذا المبدأ مبهم للغاية، فإن الكثير من الجمل يمكن أن توظَّف بشكل يجعلها تمثل مبدأ ماخ، وبعضها يكون خاطئا. يعتبر مقياس غودل حلا لمعادلات المجال التي صُممت لتعارض مبدأ ماخ بأسوأ شكل ممكن. ففي هذا المثال، تبدو النجوم البعيدة وكأنها تدور أسرع فأسرع كلما يتحرك المرء بعيدا. وهذا المثال لا يحل السؤال بأكمله، إذ أنه يملك منحنيات زمانية مغلقة.

خلفية تاريخية

[عدل]

استخدام آينشتاين لمبدأ ماخ

[عدل]

هناك قضية أساسية في نظرية النسبية. إذا كانت كل الحركة نسبية، فكيف يمكننا حساب القصور الذاتي لجسم ما؟ علينا أن نحسب القصور الذاتي بالنسبة إلى شيء آخر. لكن ماذا لو تخيلنا جسيما وحيدا تماما بمفرده في الكون؟ علينا إذا أن نأمل في أن تظل لدينا فكرة عن حالة حركته. يُفسَّر مبدأ ماخ أحيانا كإفادة بأن حالة حركة مثل هذا الجسيم في تلك الحالة لا معنى لها إطلاقا.[4]

تعتبر مبادئ ماخ بمعنى من معانيها مرتبطة بالكُلَّانية. كما يمكن اعتبار اقتراح ماخ إيعازا بأن نظريات الجاذبية يجب أن تكون نظريات علائقية. وقد أدخل آينشتاين هذا المبدأ إلى تيار الفيزياء عندما كان يعمل على صياغة النسبية العامة. وفي الحقيقة أن آينشتاين كان أول من يصيغ جملة «مبدأ ماخ». وهناك جدال كثير حول ما إذا كان ماخ ينوي تقديم قانون فيزيائي جديد، إذ أنه لم يقل هذا صراحة.

وجد آينشتاين إلهاما في كتاب ماخ «علم الميكانيكا» الذي انتقد فيه فكرة الزمان والمكان المطلق لنيوتن، وبالأخص الحجة التي قدمها نيوتن ليدعم تواجد نظام مرجعي متميز، أو ما يعرف عموما بحجة دلو نيوتن.[5]

شرح نيوتن في كتابه «الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية» قائلا:

«يمكن للمرء ان يحدد دائما ما إذا كان يدور وفقا للمكان المطلق، عندما يتم حساب القوى الظاهرة التي تنشأ فقط عندما يحدث دوران مطلق. إذا ملأ أحدهم دلوا بالماء، ثم جعله يدور، فإن الماء سيكون ساكنا في البداية، ومن ثم، ستبدأ جدران الدلو تدريجيا بنقل الحركة إلى الماء، مما يجعل الماء ينحني ويتسلق جدران الدلو، وذلك بسبب القوة الطاردة المركزية المتولدة بفعل الدوران. تبرهن هذه التجربة الذهنية على أن القوى الطاردة المركزية تنشأ فقط عندما يدور الماء بالنسبة إلى الفضاء المطلق (ممثلا هنا بإطار الأرض المرجعي، أو ما هو أفضل، أي النجوم البعيدة)، وعندما يدور الدلو بالنسبة إلى الماء فإنه لا تتولد قوى طرد مركزية، مما يوضح أن الأخير كان ثابتا بالنسبة إلى المكان المطلق.[6]»

يقول ماخ في كتابه:

«لا تثبت تجربة الدلو سوى أن الماء حينما يدور بالنسبة إلى الدلو فإنه لا يولد أي قوى طرد مركزية، وأننا لا نستطيع أن نعرف كيف سيتصرف الماء في التجربة إذا كانت ازدادت جدران الدلو عمقا وعِرضا إلى أن تصبح بحجم فرسخي. تستوجب فكرة ماخ استبدال هذا المفهوم الخاص بالحركة المطلقة بنسبية كلية تكون فيها كل حركة، منتظمة أو متسارعة، ذات معنى فقط بالنسبة إلى أجسام أخرى (أي أننا لا نستطيع أن نقول إن الماء يدور فحسب، بل يجب أن نحدد إذا كان يدور بالنسبة إلى الإناء أو إلى الأرض). وفق هذه النظرة، فإن القوى الظاهرة التي يبدو أنها تميز بين الحركة النسبية والمطلقة يجب أن تعتبر تأثيرا ناتجا عن عدم التماثل في إطارنا المرجعي بين الأجسام التي نعتبرها متحركة، والتي تكون صغيرة (مثل دلو)، وبين الأجسام التي نعتقد أنها ثابتة (كالأرض أو النجوم البعيدة)، والتي تكون شديدة الضخامة والثِقل مقارنة بالأولى.»

عبّر الفيلسوف جورج بيركلي عن نفس الفكرة في مقاله «عن الحركة». لا يتضح من هذه الفقرات التي ذكرها ماخ ما إذا كان يقصد صياغة قانون فيزيائي جديد عن الأجسام الثقيلة. فهذه الآلية الفيزيائية يجب أن تتحكم في قصور الأجسام الذاتي، بطريقة تجعل الأجسام البعيدة في كوننا مسؤولة عن معظم قوى القصور الذاتي. لذا فمن المحتمل أكثر أن ماخ اقترح «إعادة توصيف للحركة في المكان كتجارب لا تستدعي ذكر مصطلح المكان».[7] من المؤكد إذا أن آينشتاين فسر عبارة ماخ بالطريقة الأولى، الأمر الذي أثار جدلا طويل المدى.

المراجع

[عدل]
  1. ^ Hans Christian Von Bayer, The Fermi Solution: Essays on Science, Courier Dover Publications (2001), (ردمك 0-486-41707-7), page 79. نسخة محفوظة 17 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
  2. ^ Steven، Weinberg (1972). Gravitation and Cosmology. USA: Wiley. ص. 17. ISBN:978-0-471-92567-5. مؤرشف من الأصل في 2019-12-17.
  3. ^ Stephen W. Hawking؛ George Francis Rayner Ellis (1973). The Large Scale Structure of Space–Time. مطبعة جامعة كامبريدج. ص. 1. ISBN:978-0-521-09906-6. مؤرشف من الأصل في 2017-01-18. {{استشهاد بكتاب}}: الوسيط غير المعروف |lastauthoramp= تم تجاهله يقترح استخدام |name-list-style= (مساعدة)
  4. ^ G. Berkeley (1726). The Principles of Human Knowledge. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= لا يطابق |تاريخ= (مساعدة) See paragraphs 111–117, 1710.
  5. ^ Mach, Ernst (1960). The Science of Mechanics; a Critical and Historical Account of its Development. LaSalle, IL: Open Court Pub. Co. LCCN:60010179. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= لا يطابق |تاريخ= (مساعدة) This is a reprint of the English translation by Thomas H. MCormack (first published in 1906) with a new introduction by كارل مينغر
  6. ^ A. Einstein, letter to Ernst Mach, Zurich, 25 June 1913, in Misner, Charles؛ Thorne, Kip S.؛ Wheeler, John Archibald (1973). Gravitation. San Francisco: W. H. Freeman. ISBN:978-0-7167-0344-0. {{استشهاد بكتاب}}: الوسيط غير المعروف |last-author-amp= تم تجاهله يقترح استخدام |name-list-style= (مساعدة)
  7. ^ Barbour, Julian; and Pfister, Herbert (eds.) (1995). Mach's principle: from Newton's bucket to quantum gravity. Boston: Birkhäuser. ISBN:978-3-7643-3823-7. {{استشهاد بكتاب}}: |مؤلف= باسم عام (مساعدة)صيانة الاستشهاد: أسماء متعددة: قائمة المؤلفين (link) (Einstein studies, vol. 6)