المستدرك على الصحيحين أحد كتب الحديث النبوي عند أهل السنة والجماعة. جمع فيه مؤلفه الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري الأحاديث التي اعتقد أنها صحيحة وعلى شرط الشيخين (البخاريومسلم) أو على شرط أحدهما، ولم يروها الشيخان (البخاريومسلم) في صحيحيهما، ولكن قاما بالتخريج لرواتها في كتابيهما، ثم أضاف بعض الأحاديث التي أداه اجتهاده إلى تصحيحها. ذهب علماء الحديث عند أهل السنة والجماعة إلى القول بأن الحاكم كان متساهلاً في التصحيح، فوقع في الكتاب العديد من الأحاديث الضعيفةوالموضوعة.[1] وقام الحافظ الذهبي باختصار الكتاب، وأضاف بعض التعليقات عليه.
الكتاب مطبوع ومتداول، ومن أشهر طبعاته طبعة «دار الكتب العلمية» ببيروت بتحقيق مصطفى عبد القادر عطا، ووقعت في أربعة أجزاء.
لا يلزم من كون الراوي محتجًا به في الصحيح، أنه إذا وجد في أي حديثٍ كانَ الحديث ذاك على شرط مؤلف الصحيح، وقد بين الزيلعي ذلك: (صاحبا الصحيح إذا أخرجا من تكلم فيه فإنما ينتقيان من حديثه ما توبع عليه، وظهرت شواهده، وعُلم بأنَّ له أصلًا، ولا يرويان ما تفرد به، سيما إذا خالفه الثقات، كما أخرج مسلم لأبي أويسٍ حديث: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي..» لأنه لم ينفرد به، إنما رواه غيره من الأثبات، كمالك وشعبة وابن عيينة، وصار حديثه متابعًا.. وهذه العلة راجت على كثيرٍ ممن استدرك على الصحيحين، فتساهلوا في استدراكهم، ومن أكثرهم تساهلًا الحاكم بن عبد الله في كتابه المستدرك).
كان الحاكم كثيرًا ما يجيء لحديثٍ لم يخرج لغالب رواته في الصحيح، فيستدركه على شرط أحد الصحيحين لكون مؤلف الصحيح أخرج لأحد الرواة منهم، وكمثالٍ على ذلك حديث عكرمة بن عباس، فيقول هذا حديث على شرط البخاري، ذلك أن البخاري أخرج لعكرمة، وهذا تساهلٌ منه، حيث يجب أن جميع رواته في الصحيح ليكون على شرطه.
كثيرًا ما يخرج حديثًا يكون بعض رواته (وليس كلهم) في صحيح البخاري، وآخرون في صحيح مسلم، فيقول بأن هذا الحديث على شرط الشيخين. فبذلك ينسب جميع الرجال للبخاري وجميعهم لمسلم ضمنًا.
يأتي أحيانًا إلى رجلٍ قد أخرج له صاحبا الصحيح حديثًا عن شيخ معينٍ لضبطه حديثه، وخصوصيته به، ولم يخرجا حديثه عن غيره لضعفه فيه، أو لعدم الضبط، أو لكونه غير مشهورٍ بالرواية عن ذلك الشيخ، فيقوم هو بإخراج ذلك الحديث عن غير ذلك الشيخ، ثم يقول عن شرط الشيخين، أو البخاري ومسلم، وهذا تساهلٌ منه، لأن صاحبي الحديث قد احتجا به في شيخٍ معين لا بغيره، ومثاله على ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن حديث خالدٍ بن مخلد القطواني عن سليمان بن بلال وغيره، ولم يخرجا حديثه عن عبد الله بن المثنى.
يقوم بإخراج حديثٍ لرجل ضعيفٍ أو متهمٌ بالكذب، عندما يكون غالب رجال الحديث قد وردوا في الصحيحين، ثم يقول هذا على شرط الشيخان، وهذا تساهلٌ شديد!.[4]
قال السخاوي متحدثًا عن الحاكم: (وهو معروف عند أهل العلم بالتساهل في التصحيح، والمشاهدة تدل عليه).[6]
وقد تعجب ابن حجر عندما صحح الحاكم حديثًا هو نفسه حكم على أحد رواته بالوضع، فقال ابن حجر: (ومن عجيب ما وقع للحاكم أنه أخرج لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقال بعد روايته «هذا صحيح الإسناد»، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن، مع أنه قال في كتابه الذي جمعه في الضعفاء: «عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا تخفى عمن تأملها من أهل الصنعة». وقال الحاكم في آخر هذا الكتاب: «فهؤلاء الذين ذكرتهم قد ظهر عندي جرحهم، لأن الجرح لا استحله تقليدًا»). قال ابن حجر: فكان هذا من عجائب ما وقع له من التساهل والغفلة.[7]
قال ابن تيمية: وكثيرًا ما يصحح الحاكم أحاديث يُجزم بأنها موضوعة لا أصل لها).[8]
للمستدرك أهمية كبيرة في علم الحديث عند المسلمين، تتضح من مقدمة الكتاب:[9]
للمستدرك قيمة هامة في علم الحديث، لما اشتمل عليه من أحاديث كثيرة تستند لضبط وشروط الصحيحين، وللكتب التي كُتبت عنه لاحقًا، وإن كان به تساهل إلا أنَّ الكتب اللاحقة قامت بتنقيح وتدقيق كُل ذلك.
الرد على المشككين والمنافقين في ذلك الزمان الذين كانوا ينتقصون السنة المطهرة ويقصرون الصحيح منها على الصحيحين. فقد كتب الحاكم في مقدمة كتابه المستدرك: (وقد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يشتمون برواة الآثار، بأن جميع ما يصح عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث).
الرجال الذين احتُج بهم في الصحيحين رووا أيضًا أحاديث صحيحة غير التي شملها الصحيحان، فقد أتى المستدرك بها. فقال الحاكم في مقدمة كتابه: (وقد سألني جماعة من أعيان أهل العلم بهذه المدينة وغيرها أن أجمع كتابًا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج بها محمد بن إسماعيل، ومسلم بن الحجاج بمثلها. وقد خرج جماعة من علماء عصرهما ومن بعدهما عليهما أحاديث قد أخرجاها. وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات، قد احتج بمثلها الشيخان رضي الله عنهما).
وقد دافع الذهبي عن المستدرك بعد قول أبو سعد الماليني: «طالعت كتاب (المستدرك على الشيخين) الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره، فلم أر فيه حديثا على شرطهما.» قال الذهبي: «هذه مكابرة وغلو، وليست رتبة أبي سعد أن يحكم بهذا، بل في (المستدرك) شيء كثير على شرطهما، وشيء كثير على شرط أحدهما، ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب بل أقل، فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما، وفي الباطن علل خفية مؤثرة».[10]
نظرًا لتساهل الحاكم في تصحيح بعض الأحاديث قام أهل العلم من بعده – وبالاستعانة بالأسانيد التي أوردها الحاكم في كتابه – بضبط الصحيح من تلك الأحاديث من الضعيف منها، وألفوا في ذلك كتبًا، زادت من قيمة الكتاب وأهميته في العلم، فقد بينت ما يؤخذ منه وما لا يؤخذ، فكان مجموع هذا (الكتاب مع الكتب التي كتبت عنه) زيادة هامة في الأحاديث الصحيحة في خزينة الأمة من علوم الحديث، ومن أهمها:[12]
تلخيص المستدرك: لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، قام فيه الذهبي بتلخيص المستدرك، وتصحيح الصحيح منه تبعًا للأسانيد، وقد اختصره في ثلث الكتاب الأصلي. اختصر فيه الذهبي الأسانيد، وأبقى فيه من السند ما يعرف به مخرج الحديث في الغالب، أما المتون فلم يحذف منها إلا القليل، وقال في مقدمة التخليص: (هذا ما لخص محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي من كتاب المستدرك على الصحيحين للحافظ أبي عبد الله الحاكم رحمه الله، فأتى بالمتون وعلق الأسانيد).[13]
المستدرك على مستدرك الحاكم: كتبه شمس الدين الذهبي.
توضيح المدرك في تصحيح المستدرك: كتبه السيوطي، لكنه لم يكمله.
تلخيص المستدرك لبرهان الدين الحلبي.
التعليق على مستدرك الحاكم: شرع ابن حجر في كتابته، لكن لم يصل إلينا منه شيء.