الصيد البحري في المغرب هو قطاع يساهم بشكل مهم في الاقتصاد الوطني ويعتبر المغرب من أكبر مصدرين السمك عبر العالم نظرا لوفرة وجودة وتنوع الثروة البحرية للمغرب، حيث بلغت صادرات المنتوجات البحرية 22 مليار درهم سنة 2017، وهو ما يمثل حوالي 50% من صادرات المواد الغذائية والفلاحية و 10% من مجموع الصادرات. ويتوفر المغرب على منطقة بحرية تمتد على حوالي 1.12 مليون كلم مربع، وتعد من أغنى المناطق عالمياً فيما يتعلق بالثروة السمكية.[1][2]
يشرف على تنظيم قطاع الصيد البحري في المغرب العديد من المؤسسات العمومية والمتمثلة أساساً في وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، والمكتب الوطني للصيد، والمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، والوكالة الوطنية لتنمية تربية الأحياء البحرية. كما يتوفر قطاع الصيد البحري في المغرب على سبعة مصالح مسيرة بصفة مستقلة مكونة من قسم حماية الموارد السمكية على المستوى المركزي والمعهد العالي للصيد البحري بأكادير وخمسة معاهد تكنولوجيا للصيد البحري بكل من الحسيمة والعرائش وآسفي وطانطان والعيون.[3]
ثراء السواحل المغربية بالموارد البحرية الحية كان معروفاً منذ القدم، فقد خلدت رسومات الأحجار ولوحات الفسيفساء الباقية إلى حد الآن اهتمام الشعوب التي استوطنت المغرب بالثروة السمكية. وعلى الرغم من أن دراسة تاريخ الصيد البحري بالمغرب ظل ولمدة طويلة بعيداً عن إنشغال المؤرخين، إلا أنه منذ القرن الخامس عشر والمصائد البحرية المغربية محط أنظار إسبانيا والبرتغال، وسعت هاتان القوتين البحريتين من أجل تمكين أساطيل صيدها من احتكار استغلال الموارد السمكية للسواحل المغربية، ولعب عامل السيطرة على الموارد السمكية إلى اقتطاع أجزاء من سواحل المغرب، بل وأحياناً كان هو العامل الأساسي لإحتلال بعض الموانئ المغربية، أو لإنشاء مراكز على طول الساحل المغربي واستغلالها فيما بعد كقاعدة لبسط دول الإستعمار سيطرتها نحو الداخل.
على الرغم من إنكار المستشرقين والباحثين الاستعماريين وجود أي حياة بحرية في التاريخ المغربي، بل اعتبر أحدهم وهو لويس برينو أن الحضارة البحرية المغربية ما هي: « إلا حادث عابر من صنع الأجانب». فإن المصادر المغربية تنفي هذا الادعاء، فقد أورد الرحالة الشريف الإدريسي في كتابه «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق»، تفاصيل عن ما كانت تعرفه بعض الموانئ المغربية من نشاط صيد، وذكر خبرة وحنكة الصيادين المغاربة باستغلال هذه الموارد وتصنيعها وتسويقها.[4][5] وهو ما أكّده الجغرافي الحسن الوزان في كتابه «وصف أفريقيا»، حيث ذكر اعتماد بعض المدن المغربية في اقتصادها على الصيد، كما هو حال مدينة ترغة التاريخية، التي مارس سكانها الصيد، «وكانوا يملحون ما يصطادونه من سمك ويبيعونه لتجار الجبل، ويحمل إلى مسافة تناهز مائة وعشرين ميلاً في داخل البلاد».[6] كما ذكر المرؤخين مدينة بادس التي إعتمدت على الصيد، ومليلية التي اشتهرت قديماً باصطياد صدف اللؤلؤ. كما عرفت مصبات الأنهار صناعة سمكية مهمة كما هو حال مدينة سلا في مصب وادي أبي رقراق، وميناء أزمور الذي يقع على مصب نهر أم الربيع، الذي اختص بصيد الشابل والمتاجرة به مع البرتغاليين.
ظلت الموانئ المغربية مستهدفة بسبب الثروة السمكية والنشاط البحري بل ومهجورة بسبب القراصنة الإسبان والبرتغاليين. تطور الوضع من قرصنة إلى غزو وإحتلال، فتم احتلال مدن سبتة وترغة وآسفي وأزمور، حيث تمكن البحارة البرتغاليين الذين كانوا يؤدون رسوم الصيد من إقناع ملك البرتغال من احتلال بعض الموانئ، كما هو شأن أزمور. هذا الغزو الإيبيري أدى إلى القضاء على هذه الحياة البحرية النشطة.
فتم اكتشاف أسراب السمك الموجودة في المجالات البحرية المغربية الجنوبية على يد البرتغاليين. وسنة 1444م توجه البحارة المنتمين إلى مناطق الغرب ولاغوس البرتغالية، للصيد في سواحل رأس بوجدور ورأس غير ووادي الذهب. فوصف هؤلاء البحارة والرحالة أنواع السمك بالمنقطة بالجميلة والرفيعة وشبهوا بعضاً منها بالأنواع التي تصطاد في البندقية، ومنهم من اعتبر المصايد الواقعة بين أزمور حتى ماسة المناطق الأكثر ثراء بالصيد الكبير. فعمد البرتغاليون إلى إنشاء عدة مستعمرات دافعها الأساسي هو استغلال الموارد البحرية، كما حدث مع مدينة سبتة والقصر الكبير وأصيلة وطنجة وآسفي ومازغان وموغادور، وسانتا كروز دي اغوير وأزمور. ويذكر مارمول كاربخال كيف أن وفرة سمك الشابل والتون بأزمور وتهاتف التجار الأوربيين على مينائها، عجّل البرتغاليين الإستيلاء عليها. هذا النشاط البرتغالي، وبسبب اعتماد موائد الإسبان على السمك، قامت إسبانيا بإنشاء برج بمصب وادي الشبيكة سنة 1476. وبفضل مستعمراتهم استحوذ الصيادون البرتغاليين على المصائد المغربية، وتذكر المصادر البرتغالية إبرام إتفاقية سنة 1537 مع بعض الحكام المغاربة لتمكين البرتغاليين والإسبان من الصيد بأمان بين رأس سيم ونهر درعة. وتظهر المكانة البارزة لصيد السمك في السياسة الإستعمارية لكل من إسبانيا والبرتغال من خلال الإتفاقيات العديدة التي أُبرمت بينهما، منها إتفاقية طورديسياس، التي تنازلت فيها البرتغال عن مليلية مقابل تخلي إسبانيا عن حق الصيد في منطقة بين رأس بوجدور ووادي الذهب.[7][8][9]
قام المغاربة بالتصدي للإستعمار، مما أسفر عن طرد الإسبان من حصن إفني سنة 1527. كما قام المغاربة بالهجوم على أكادير وأجبروا البرتغاليين على التخلي عنه سنة 1541. وبعد سلسلة من الهزائم فقد البرتغاليون كل مستعمراتهم على الساحل المغربي، مما جعل مصالح الصيد الإسبانية في المنطقة تتقوى بشكل كبير، حيث انتشر العديد من الصيادين القشتاليين والكناريين والباسكيين في سواحل المغرب. وأصبح مع مرور الوقت في يد صيادي جزر الخالدات، فأصبح أسطول صيد الكناريين يتردد على سواحل رأس بوجدور والرأس الأبيض ثمان إلى تسع مرات في السنة، شجعه على ذلك وفرة السمك والرياح المعتدلة والمنتظمة وكان أسطول صيد الكناريين يقوم باصطياد عدة أنواع من الغادسيات. هذا النشاط الكثيف أدى لتحرك المغاربة والقيام بالهجوم على مراكب الكناريين لإبعادهم، فضعفت صناعة الصيد بشكل كبير.[10]
إستطاع الإسبان انفرادهم بالصيد في المياه المغربية بعد توقيعهم لاتفاقيات سنوات 1767 و1799 و1860 و1861 مع المغرب، التي يحصلون بمقتضاها على حقوق امتياز، حيث يتنازل فيها المغرب لإسبانيا عن حق الصيد في المياه البحرية المغربية. وقد وقع المغرب على أغلب هذه المعاهدات تحت الضغط والإجبار. ويعتبر تنازلاً مهماً من قبل المغرب، على رغم كونها مجرد اتفاقيات تجارية. وفي سنة 1881 طلبت شركة المصايد الكانارية الإفريقية الإذن بالإستقرار في مدينة الداخلة، وحصلت عليه فعلاً، وتبعتها بعد ذلك شركات أخرى للإستقرار على طول الساحل الصحراوي المغربي.[11][12][13]
يعتبر بنسالم الصميلي أول من يشغل منصب وزير الصيد البحري بعد إنشاء وزارة الصيد البحري والملاحة البحرية سنة 1981.[14]
في شتنبر 2009، تم إطلاق إستراتيجية جديدة للصيد البحري تحمل اسم «مخطط أليوتيس 2009-2020». ويهدف هذا البرنامج إلى تحقيق تنمية وتنافسية في قطاع الصيد البحري وتثمين الموارد البحرية بكيفية مستدامة وزيادة الناتج الداخلي بثلاثة أضعاف في أفق 2020. ومن أجل إنجاح هذا المخطط تم خلق ثلاثة أقطاب تنافسية كبيرة في كل من مدن طنجة وأكادير والعيون.[15]
وقد ساهم مخطط أليوتيس بشكل ملحوظ في تحديث قطاع الصيد البحري، حيث إنتقل الناتج الداخلي الخام لقطاع الصيد البحري بين سنتي 2007 و 2015 من 8.3 إلى 15 مليار درهم. كما ارتفع حجم الإنتاج الوطني بنسبة 3.75% فيما تزايدت قيمته بنسبة 8.7% خلال 2009 - 2016. وقد بلغ هذا الإنتاج سنة 2016 حوالي 1.46 مليون طن بقيمة ناهزت 11.5 مليار درهم. كما تضاعفت قيمة صادرات المنتوجات البحرية حيث انتقلت بين سنتي 2007 و 2015 من 9.26 مليار درهم إلى 19.81 مليار درهم.[16]
تحتل صناعة تحويل وتثمين منتجات الصيد البحري في المغرب مكانة متميزة في الاقتصاد الوطني لمعالجتها ما يقارب 70% من إفراغات الصيد الساحلي وتصدير ما يناهز 85% من إنتاجها. ويتميز النسيج الصناعي لقطاع الصيد البحري بتنوعه، وإلى غاية سنة 2013، يتوفر المغرب على 397 وحدة صناعية خاصة بالصيد البحري. ويعد التجميد النشاط الأبرز يليه تصبير السمك ثم توضيب السمك الطري.[17]
ينقسم الساحل المغربي حالياً إلى 4 مناطق ممتدة على طول 3500 كلم، وهي: منطقة البحر الأبيض المتوسط، المنطقة الأطلسية الشمالية، المنطقة الأطلسية الوسطى، المنطقة الأطلسية الجنوبية. ولكن بالرغم من المجهوذات المبذولة من طرف قطاع الصيد البحري، لازال تدبير المصايد يعرف مجموعة من الإختلالات التي تجعل مجموعة من المخزونات مستغلة بطريقة تفوق الإنتاج المستدام الأقصى مما يجعلها عرضة للإستنزاف. وتشمل هذه المخاطر بصفة خاصة الأصناف ذات أكبر قيمة مضافة وعلى وجه التحديد أسماك أبي سيف والأبرامين الوردي والنازلي الأبيض بمنطقة البحر الأبيض المتوسط، والكوربين والأبراميس وسمك البغروس والروبيان الوردي بمنطقة المحيط الأطلسي. وقد تم إحداث مخططات تهيئة من أجل إنشاء مصايد ذات هدف تجاري، وتهم أسماك السطح الصغيرة، الأخطبوط، الروبيان، القشريات الكبيرة، سمك النازلي، القرش، أبي سيف، الموارد الساحلية (على غرار الطحالب البحرية، المرجان الأحمر، قنفذ البحر وبعض الأصداف مثل المحار، صدفيات البحر، سكين البحر). وقد تم وضع مخططات تهئية أخرى فيما يخص المحميات البحرية لغاية الصيد، مناطق يمنع فيها الصيد بالشباك، مناطق الشعاب الإصطناعية والمحميات البحرية. وتتركز أغلب رأسيات الأرجل في منطقة جنوب المحيط الأطلسي ويتم إستغلالها عموماً في المنطقة الممتدة من رأس بوجدور إلى الرأس الأبيض (الكويرة)، ويشكل الأخطبوط 63% منها. وقد تم في سنة 2010، وضع برنامج لحظر استعمال الشباك العائمة المنجرفة التي كانت تشكل خطراً كبيراً على التنوع البيولوجي البحري، وقد شمل هذا البرنامج 260 سفينة مؤهلة.[18]
في سنة 2008، تم وضع برنامج إبحار من أجل تجديد أسطول الصيد البحري وتحسين مردوديته وسلامته وكذا تطوير الإبحار وظروف العمل لدى البحارة على متن السفن. وحسب إحصائيات سنة 2012، يبلغ أسطول الصيد 725 16 سفينة وقارب. وينقسم هذا الأسطول إلى:
يعود تاريخ تربية الأحياء البحرية في المغرب إلى خمسينات القرن الماضي مع إطلاق تربية المحار في بحيرة الوليدية. وشهدت سنة 1985 تربية مكثفة على الساحل المتوسطي في بحيرة الناظور، وبعدها في خليج المضيق بحيث كان الإنتاج مرتكزا في البداية على القاروص الأوربي والدنيس والمحار. وفي سنة 1992 تم إدخال تربية الربيان إلى الأحواض القارية على مستوى مصب ملوية. وشهدت بداية سنة 2000 إطلاقَ تربية الصدفيات في خليج الداخلة.[19][20]
وفي سنة 2011، تم إحداث الوكالة الوطنية لتنمية تربية الأحياء البحرية، وهي مؤسسة عمومية خاضعة لوصاية الدولة يتمثل هدفها في الرقي بتنمية قطاع تربية الأحياء البحرية على طول الساحل المغربي. وتشرف هذه الوكالة على تنفيذ سياسة الحكومة فيما يخص قطاع تربية الأحياء البحرية، وإقتراح برامج خاصة تطبيقا للتوجهات الإستراتيجية الوطنية للقطاع وكذا الإطار القانوني المرتبط المتعلق بها، والنهوض بأنشطة تربية الأحياء البحرية وتنمية المبادلات المرتبطة بها سواء في مجال التصدير أو داخل السوق الداخلي. ومن أجل مساعدة المستثمرين على تنفيذ مشاريعهم، تلعب الوكالة الوطنية لتنمية تربية الأحياء البحرية دور الداعم النشيط لهم من خلال تزويدهم بمساعدة تقنية متطورة.[21][22]
وإلى غاية سنة 2016، أصبح المغرب يتوفر على 21 مزرعة لتربية الأحياء البحرية. فيما بلغ إنتاج تربية الأحياء البحرية 537 طن خلال سنة 2017.[23][24]
يهدف التكوين المهني البحري بقطاع الصيد البحري إلى توفير مستخدمين مؤهلين حائزين على الكفاءات الضرورية لقيادة واستغلال وصيانة سفن الصيد البحري الوطني. كما يساهم أيضا في مد هذا القطاع بأطر متخصصة في مجال معالجة وتثمين موارد الصيد البحري.[25]
ويتوفر المغرب على 14 مؤسسة خاصة بالتكوين في قطاع الصيد البحري موزعة على الشكل التالي:
كما أن المغرب يقوم بتكوين مئات الطلاب من الدول العربية ودول من إفريقيا وآسيا في مختلف التخصصات المرتبطة بأنشطة الصيد البحري. ويرتاد حاليا الطلبة الأجانب بالأساس المعهد العالي للصيد البحري بأكادير ومعاهد تكنولوجيا الصيد البحري بطانطان وآسفي والحسيمة والتي تمنح تكوينا في مجالات الصيد بأعالي البحار والصيد الساحلي وكذا صناعات الصيد.
يتوفر المغرب على 22 ميناء صيد مخصص لإستقبال الأسطول الساحلي والأسطول التقليدي، وثمانية منها تتوفر على بنى تحتية مخصصة لإستقبال أسطول أعالي البحار. وقد بذل المكتب الوطني للموانئ مجهودا من أجل تحديد إحتياجات الإستثمار والصيانة الخاصة بكل ميناء، وقد بدأ المكتب في تحديث بعض هذه البنى التحتية والبنى الفوقية، والقيام بإعادة تأهيل وإصلاح شبكات المياه والصرف الصحي والمنشآت الكهربائية، والصيانة الوقائية والتصحيحية للتجهيزات.
تعتبر قرى الصيادين VDP ونقط الإنزال المجهزة PDA مواقع مجهزة لتنظيم عمليات الإنزال وتسويق المنتوجات المصطادة من طرف الحرفيين. ويتوفر المغرب على نقط تفريغ مهيأة وقرى للصيادين يبلغ مجموعها 31 على طول الساحل المغربي.[26][27]
شهد وضع نظام رصد السفن عبر الأقمار الإصطناعية "VMS" دعما في إطار مخطط «هليوتيس» وذلك بإقتناء ووضع 2250 جهاز لتحديد الموقع على متن سفن الصيد. وركز هذا النظام على وجه الخصوص على سفن الصيد الساحلي والصيد بأعالي البحار وكذلك عملت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات على تطوير تجهيزات المركز الوطني لمراقبة سفن الصيد.[28]