يسوع | |
---|---|
فسيفساء يسوع ضابط الكل في كنيسة تشيفالو في إيطاليا | |
الألقاب الكتابية | |
الولادة | 4 ق م تتريخ الحدث مغارة المهد، بيت لحم، يهودا، الإمبراطورية الرومانية ( فلسطين اليوم).[1][2][3][4] |
الوفاة | الجلجثة، القدس، يهودا الإمبراطورية الرومانية ( فلسطين اليوم) |
سبب الوفاة | صُلِب بأمر من بيلاطس البنطي [5] (في المسيحية) رفعه الله إلى السماء (في الإسلام) |
مكان الدفن | قبر يسوع، وكنيسة القيامة، وقبر تلفيوت |
مبجل(ة) في | المسيحية،[6] الإسلام،[7] البهائية،[8] مذهب التوحيد الدرزي،[9] سينتولوجيا،[10] كاو دائية.[11] |
تاريخ الذكرى | أعياده والتذكارات |
النسب | نسبه، عائلته، قرابته. |
يَسُوع (بالعبرية: יֵשׁוּ؛ بالسريانية: ܝܫܘܥ) ويشارُ إليه أيضًا بيسوع الناصري، أو المسيح، هو الشخصية المركزيّة في المسيحيّة.[6] النظرة التاريخية لدى غالبية المؤرخين تتّفق على وجوده في التاريخ،[12][13] وعلى أنه معلّم يهودي من الجليل في مقاطعة يهودا الرومانيّة، عُمِدَ على يد يوحنا المعمدان، وأثارت تعاليمه قلقًا وحنقًا أفضى إلى صلبه بأمر من بيلاطس البنطي. النظرات التاريخيّة حوله تعدّدت بين، رجل دين يهودي، وزعيم حركة دينية، وحكيم أو فيلسوف ومصلح اجتماعي نادى بالحسن الخلقي والمساواة، وكان الوعظ عن ملكوت الله أحد أبرز مفاهيمه أو محور عمله. على الرغم من ذلك، فالبحث عن يسوع التاريخي لم ينتج عنه إلا القليل من الاتفاق بخصوص الموثوقية التاريخية للأناجيل وبخصوص مدى تطابق حياة يسوع بحسب الكتاب المقدس مع يسوع التاريخي.[14][ا][ب] لقد أثرت تعاليم يسوع وقصة حياته كثيرًا على مسار تاريخ البشرية، وأثرت بصورة مباشرة أو غير مباشرة على حياة المليارات من الناس، حتى من غير المسيحيين.[17][18] ويعتبره الكثير من الناس الشخصية الأكثر تأثيرًا على الإطلاق، ولهُ مكانة مهمة في العديد من المواضيع الثقافية.[19][20]
أما في المسيحية، واعتمادًا على العهد الجديد، فيسوع هو المسيح الذي انتظره اليهود وفيه تحقّقت نبؤات العهد القديم،[21] وله عدد وافر من الألقاب،[22][23] وهو معصوم، وكامل،[24] والوحيد الذي لم يرتكب أي خطيئة،[25][26][27] وقد ولد من عذراء بطريقة إعجازيّة، واجترح عجائب ومعجزات عديدة وقدم تعاليمًا صالحة لكل آن، رافعًا البشر لمرتبة أبناء الله،[28] لتمثّل حياته «إنجيل عمل» مُلهم لأتباعه،[29] وأسّس الكنيسة، ومات على الصليب تكفيرًا عن خطايا العالم،[30][31] فكان مُحرّر البشرية وبُشراها السارّة،[32] ثم قام من بين الأموات ورُفِع إلى السماء، بعد أن وعد المؤمنين به أنه سيعود في آخر الزمان؛[33][34][35] ليكون بذلك كمال الإعلان الإلهي للبشر، وختام رسالات السماء،[36] مفتتحًا عهدًا جديدًا، بعد سلسلة من العهود السابقة،[37][38] ليغدو بذلك طريقه، الوسيط الوحيد بين الله والإنسان؛[39][40][41] بعد مرحلة طويلة من الإعداد بدأت منذ آدم وإبراهيم.[42]
حسب النظرة اللاهوتيّة للمسيح، فإنه يمثل القدرة الإلهية في البشرية،[43] فهو كلمة الله، الأزليّة، التي تدرّعت بجسد من مريم، وبالتالي فهو مستحق العبادة وفقاً للأغلبية العظمى من المسيحيين، كما يوضّح قانون الإيمان الذي صيغ في مجمع نيقية عام 325. ترفض أقلية من الطوائف المسيحية الثالوث وتعتبر أنه غير مذكور في النصوص المقدسة. يحتفل بذكرى ميلاد يسوع سنوياً في 25 ديسمبر (أو تواريخ مختلفة في يناير من قبل بعض الكنائس الشرقية) في يوم عيد الميلاد. ويتم تكريم ذكرى صلبه في يوم الجمعة العظيمة وقيامته في يوم عيد القيامة. ويستند التقويم الميلادي، التقويم الأكثر انتشارًا في العالم والتقويم الدولي في العصر الحديث، من أنو دوميني أي تقسيم تواريخ البشرية إلى قبل وبعد ميلاد يسوع التقريبي.[44][45]
أما النظرة الإسلاميّة ليسوع أو عيسى بن مريم كما نُصَّ في القرآن، فهي تتّفق مع المسيحية بكونه المسيح وبصحة الميلاد العذري، واجتراح عجائب وآيات، والعودة في آخر الزمان، وتعتبره نبيًا ومن أولي العزم، وتنعته أيضًا بأنه كلمة الله، بيد أنها تنفي الصلب، وأنه إله أو ابن إله، والدور الكفاري، والبعد الماورائي،[46][47] ويذكر القرآن أن يسوع نفسه لم يدع الألوهية.[48] ويُذكر أن اليهوديّة، ترفض الاعتراف بأنه المسيح المنتظر، بحجة أنه لم يف بجميع النبؤات الواردة عنه في التناخ، هناك وجهات نظر متنوّعة أخرى حول المسيح، ظهرت على مر التاريخ، ومنها البهائية التي قالت بأن له مظهر من مظاهر الله، ووسيط بين الله والبشرية، ويعكس صفات الله.[49] ويعتبر يسوع شخصيّة مبجلة في مذهب الموحدين الدروز،[9] والسينتولوجيا،[10] والكاو دائية.[11]
يسوع اسم مشتق من اللغة الآرامية إلى اللغة العبرية وينطق «يشوع»، وهو اسم مركب من كلمتين «يهوه شوع» ومعناه الحرفي «الله يخلص».[50][51][52] وقد كان هذا الاسم منتشرًا بين أسباط بني إسرائيل إذ تسمى به عدد من الشخصيات الهامة في العهد القديم أبرزها يشوع بن نون الذي خلف موسى في قيادة الأسباط. عمد المسيحيون العرب إلى أخذ الاسم العبري من أصله بعد قلب حرف الشين إلى السين وهو الأمر المتآلف بين اللغتين العبرية والسريانية من جهة والعربية من جهة أخرى؛ في حين أن الاسم في اللغة اليونانية وهي لغة ثقافة ذلك العصر والتي كتب بها العهد الجديد، ظهر مترجمًا إليها ومنطوقًا وفق قواعدها (باليونانية: Ἰησου، نقحرة: إيسو أو إيسوس)، وقد اشتقت اللغات الأوروبية أجمعها الترجمة اليونانية للكلمة مع بعض التعديلات حيث يلفظ حرف 'I' في بعض اللغات كلفظ حرف J، فظهرت العبارة بالإنجليزية: Jesus. يذهب البعض إلى أن استخدام العرب والقرآن للفظة عيسى بدلاً من لفظة يشوع أو يسوع في لغتها الأصلية لذكر اسم المسيح، كتعريب لاسمه اليوناني إيسوس.[53] وبحسب الإنجيل فإنّ الملاك جبرائيل قد اختار له الاسم قبل أن يحبل به وأخبر ذلك كلاً من مريم ويوسف.
يعرف يسوع أيضًا بوصفه المسيح (بالعبرية: מּשּׁיּח، نقحرة: ماشيح) من الفعل مشح أي مسح ومعناها في العهد القديم الممسوح بالزيت أو الطيب المقدس. ونقلت الكلمة إلى اللغة اليونانية كما هي ولكن بحروف يونانية «ميسياس -Мεσσίας» ومن ثم ترجمت ترجمة فعلية «خريستوس -Хριστός»، وجاءت في اللاتينية «كريستوس ـ Christos» ومنها في اللغات الأوربية "Christ" (كرايست)، وهو أصل المصطلح المتعارف عليه اليوم في تلك اللغات.[54]
كانت عملية المسح تتم في العهد القديم بواسطة الطيب المقدس الذي كان يصنع من زيت الزيتون مضافًا إليه عدد من الطيوب، حسب ماهو وارد في سفر الخروج، وقد استمر هذا التقليد في المسيحية من خلال سر الميرون.[55] وكان الشخص أو الشيء الذي مسح يصبح مقدساً ومكرساً للإله، ولذلك فقد حصرت الشريعة اليهودية استخدامه للكهنة والملوك والأنبياء، ودعي شاغلو هذه المناصب في العهد القديم باسم «مسحاء الرب»، بيد أن العهد القديم يؤكد أن هؤلاء المسحاء جميعاً كانوا ظلاً ورمزاً للآتي والذي دعي منذ داود فصاعداً بالمسيح، وسماه سفر دانيال «المسيح الرئيس»، وأسبغت عليه ألقاب عديدة ونسب له الدور في خلاص الشعب اليهودي السياسي والديني معًا، والعالم كلّه أيضًا. بكل الأحوال فإن لقب المسيح في العهد القديم لا يشير دومًا إلى المنتظر، خصوصًا في الأسفار التاريخية، بل هو يشير في كثير من الحالات إلى الملك أو النبي أو الكاهن. وقد تنبأ أنبياء العهد القديم جميعهم عن هذا المنتظر وحددوا كثيرًا من مجريات حياته.
في مرحلة لاحقة لإطلاق لقب «المسيح الرئيس» على المنتظر، كفت الكتب المقدسة عن استعمال لقب «مسيح» إلا للمنتظر، وهو حسب المعتقدات اليهودية والمسيحية سيجمع في شخصه المهن الثلاث في آن معًا، أي سيكون في الوقت ذاته، نبيًا وكاهنًا وملكًا.[56][57][58]
جزء من سلسلة حول |
يقصد بالأدلة الخارجية، المصادر التاريخية غير المسيحية من يهود أو وثنيين والتي أشارت إلى يسوع في مرحلة مبكرة أواخر القرن الأول، أو بدايات القرن الثاني؛[59][60] وهي وإن كانت مقتضبة نوعًا ما ولا يمكن تتبع أعمال المسيح أو نشاطاته من خلالها، إلا أنها اكتسبت أهمية خاصة، مع تقدّم علم التاريخ خلال القرنين المنصرمين؛ فإن الأدلة الداخلية لأي رواية، تزداد درجة موثوقيتها وتماسكها كلما دُعمت بأدلة خارجية تصادق عليها؛ وفي المقابل فإنّ انعدام الأدلة الخارجية أو مناقضتها لأحداث الرواية الداخلية، يدفع إلى نبذ الرواية الداخلية في كثير من حالات النقد والتصنيف التاريخي؛ مع الأخذ بعين الاعتبار مدة مطابقة الأدلة الداخلية للظروف والبيئة من جهة، والفاصل التاريخي عن الأحداث من جهة ثانية.
وقد ازدادت أهمية الأدلة الخارجية منذ أن دأب في القرن التاسع عشر عدد من مفكري أوروبا على اعتبار المسيح خرافة ابتدعها الفكر الإنساني في القرن الثاني الميلادي من مزيج من العقائد اليهودية - الوثنية الرومانية،[61] وأول كتاب تناول فرضية انعدام وجود المسيح، هو كتاب «خرائب الإمبراطورية» الذي نشره فلني عام 1791، وتبعه هيرمان ريموس الذي قال أن يسوع يجب أن يفهم، بكونه الشخصية النهائية الدينية في جماعة المتصوفة اليهود القائلين بالبعث والحساب، وأخيرًا كان دايفيد ستراوس وشلاير ماخر الذي أعلن في كتابه «المعتقد المسيحي» الصادر عام 1821، أن المسيح أسطورة من الأساطير، ورفع في كتابه من شأن التلاميذ بحيث جعلهم، رجال تفكير وتصوّف وأحلام، استطاعوا أن يخترعوا شخصًا كالمسيح كان محط تفكيرهم وأحلامهم،[62] وسار على نهجه عدد من الباحثين في هولندا وألمانيا لاسيّما الباحثون في مدرسة توبنغن على وجه الخصوص، قد انتهوا إلى إفناء شخصية المسيح تمامًا؛ وخلال حكم الاتحاد السوفياتي، كان المسيح يدرس بوصفه أسطورة لطلاب المدارس، استنادًا إلى نظرة كارل ماركس للمسيح بوصفه تجسيد حلم البشريّة منذ القدم بأن تعكس صورة ذاتها المثاليّة وأن تعبدها.[63] وفي المقابل، فقد وجد باحثون مسيحيون، دافعوا عن المسيح وصدق رواية الإنجيل، وكان النقد الكتابي ميدان هذه المعركة، كما يسميها ويل ديورانت، والتي أفضت خلال القرن العشرين إلى تراجع أغلب القائلين بأسطورة المسيح ونفي الإنجيل، رغم استمرار وجود داعمين لهذه النظرية،[64] التي كان من آثارها أيضًا التأثير في فهم الوحي الكتابي، وغيرها من القضايا؛ عمومًا فإن أغلب الباحثين غير المسيحيين، الذين قبلوا بوجود المسيح، وصادقوا جزئيًا على رواية الإنجيل، اكتفوا إلى جانب إثبات وجوده، بقضيتي معموديته وصلبه فقط على أنها حقائق تاريخية مسلّم بها، لكون كلا الأمرين منصوص عنهما في الأدلة الخارجية عن المسيح.
أقدم الأدلة الخارجية عن المسيح حاليًا، هي أولاً شهادة المؤرخ اليهودي فلافيوس يوسيفوس، في كتابه «العاديّات اليهودية»، الموضوع عام 93 في روما، فبعد أن أشار إلى يوحنا المعمدان، كتب يوسيفوس:[60][65]
وفي ذلك الوقت، كان يعيش يسوع، وهو رجل من رجال الدين، إذا جاز أن نسميه كذلك، لأنه كان يأتي بأعمال عجيبة، ويعلّم الناس، ويتلقى الحقيقة وهو مغتبط، وقد اتبعه الكثير من اليهود والرومان. |
وتتابع الرواية، بالإشارة إلى قيامته من بين الأموات وكونه المسيح المنتظر، ما دفع للقول لدى أغلب الباحثين بأن شهادة يوسيفوس تحوي على أصل صادق صحيح، أضيف إليه من قبل النُسّاخ والشرّاح.[66][67] والشهادة الثانية عن يسوع، تعود لكتاب «الحوليّات» لتاسيتوس المكتوب حوالي عام 115 ويشير إلى المسيح «الذي سلّمه للعذاب، الوالي بيلاطس البنطي في عهد الإمبراطور طيباريوس»، ويذكر أيضًا حريق روما عام 64، والذي اتهم به نيرون المسيحيين وأفضى لقتل بطرس وبولس. هناك أيضًا شهادة سويتونيوس من سيرة الإمبراطور كلوديوس، المكتوبة حوالي العام 121 والذي يشير إلى طرد اليهود والمسيحيين من روما عام 49 - 50 بموجب مرسوم إمبراطوري «لأنهم كانوا يثيرون الشغب بشكل متواتر بتحريض من رجل اسمه كرستوس»، ويؤكد معظم الشراح، أن النص يتعلق بيسوع الذي كان قد أضحى كونه المسيح المنتظر موضع خلاف بين اليهود واليهود المسيحيين، وتفيد هذه الشهادة أيضًا بسرعة انتشار المسيحية حتى كان خليقًا بها أن يصدر مرسوم إمبراطوري عام 50، علمًا أن سفر أعمال الرسل، يذكرها أيضًا.[68][69][70]
وكذلك، فإن بلني الأصغر، يفيد الإمبراطور ترايانوس حوالي العام 111، بأنّ «جمعًا كبيرًا من الناس، يجتمعون في يوم معيّن قبل الفجر لينشدوا للمسيح»،[71][72] ويقول ثالس نقلاً عن يويوس أفريكانوس، من القرن الأول، أن «الظلمة العجيبة التي يقال أنها حدثت وقت موت المسيح، كانت ظاهرة طبيعية محضة، ولم تكن أكثر من مصادفة عادية»،[73] أخيرًا فإن المقابر السردابية في مدينة روما، والتي تعود لأواخر القرن الأول، تحوي إشارات واضحة ليسوع ومريم وبطرس.[74]
يعتبر العهد الجديد المرجع الأساسي لتفحص حياة المسيح والتعاليم المرتبطة به، ومكملاً للجزء الأول من الكتاب المقدس المعروف باسم العهد القديم؛ وهو مجموعة مؤلفة من سبعة وعشرين سفرًا، مختلفة الحجم، وضعت كلها باللغة اليونانية، وتنقسم إلى أربع أقسام: الإنجيل، وأعمال الرسل، والرسائل، والرؤيا. الاسم الذي شاع واعتمد، منذ نهاية القرن الثاني، كان استنادًا إلى ما ذهب إليه القديس بولس في رسالة كورنثوس الثانية 3: 14، من أن عهدًا جديدًا قد افتتحه الله مع البشرية. أقدم أسفار العهد الجديد، هي الرسالة الأولى إلى تسالونيكي، غير أن الرسائل المعزوّة إلى القديس بولس أو غيره من التلاميذ، لا تحوي كثيرًا من رواية الأحداث، بل كانت رسائل جوابية على أسئلة وجهها أهل منطقة أو مدينة معينة لهذه الشخصية أو تلك، ومع ذلك فمن الممكن من الرسائل وحدها، رسم بعض الخطوط لحياة المسيح، كعماده وصلبه ومجيئه الثاني؛ أما المؤلفات التي تختص بحياة المسيح مباشرة فهي الأناجيل القانونية الأربعة.[75][76] الإنجيل كلمة يونانية تعني «البشارة» أو «الأخبار السارة»، ولا يمكن أن يفهم بوصفه مؤلفًا أدبيًا أو تاريخيًا بقدر ما هو شهادة ليسوع و«البشرى» التي أعلنها، وبهذا المعنى، فرغم وجود أربع روايات قانونية للإنجيل، متباينة فيما بينها، فإنها تعتبر إنجيلاً واحدًا، من حيث الجوهر أو الغاية، بل وحتى المراحل الأساسية كالعماد والنشاط في الجليل وأحداث الأسبوع الأخير،[77][78][79][80][81] وانطلاقًا من ذلك أسماها المجمع الفاتيكاني الثاني «الإنجيل الرباعي الشكل».[82][83]
أقدم الأناجيل تاريخًا، هو إنجيل مرقس، رفيق بطرس وتلميذه، كتب في روما «من ذكريات نقلها إليه بطرس» كما أثبت في القرن الثاني إيريناوس وكليمنت الإسكندري،[84][85] ويعيد علماء الكتاب المقدس تاريخه لمرحلة 55 - 65، ويركز على معجزات المسيح أكثر من أي إنجيل آخر.[86] أما الإنجيل القانوني الثاني، فهو إنجيل متى، الذي وضع حسب رأي أغلب الباحثين في سوريا الساحلية - ولربما في أنطاكية - للمسيحيين من أصل يهودي،[87] بغية إثبات كون الماشيح قد جاء، ولذلك يفرد مكانة خاصة للعهد القديم، وتقاليد آباء الكنيسة ترجعه إلى متى، أحد التلاميذ الاثني عشر، في حين اقترح بعض العلماء أن تكون النسخة الحالية المدونة باليونانية ترجمة لنسخة أقدم كتبها متى بالآرامية غير أن هذا الرأي مكث ضعيفًا وقال به أوريجانوس،[88] وبكل الأحوال يجب أن تفهم النسبة إلى متى بالمعنى الواسع، أما تاريخه، فأرجعته الغالبية إلى مرحلة 60 - 65 قبيل خراب القدس.[89]
أما الرواية الثالثة، فهي إنجيل لوقا، تلميذ بولس، والذي وصفه «بالطبيب الحبيب»،[90] وللكتاب ملحق هو سفر أعمال الرسل،[91] وجههما إلى ثاوفيلس ومن خلاله إلى المسيحيين اليونان، وغالب الظن أنه كتب في روما بعيد تخريب القدس عام 70،[92] أما الرواية الرابعة فهي إنجيل يوحنا والذي يدعى أيضًا «الإنجيل اللاهوتي»،[93] ويفتتح الكتاب على حد وصف النقاد «بمقدمة لاهوتية على جانب كبير من الفخامة»،[94] ويعلن صراحة أنه اختار بعض المواقف والشذرات من حياة يسوع الناصري ليثبت أنه ابن الله. ويكاد يكون الإجماع بين النقاد، أن يوحنا قد اطلع على المؤلفات السابقة، فأراد أن يعكس وجهًا جديدًا يصحّ أن يسمى الوجه اللاهوتي، دون أن يغفل التقاليد الإزائية الكبرى.[95] ومجمل القول في أصل الإنجيل الرابع، برأي أغلب النقاد، أن مؤلفه هو يوحنا بن زبدي أو شخصية مقربة منه، وقد اطلع على إنجيلي مرقس ولوقا، فجاء إنجيله مكملاً لهما، في أفسس ضمن تركيا حاليًا، وهي عاصمة ثقافية، تتلاطم بها التيارات الفلسفية الشرقية والغربية، بين العامين 80 - 90.[96][97][98]
يؤمن المسيحيون بأنّ الكتاب المقدس صحيح بالمطلق، ومعصوم، ويمكن الركون إلى أحداثه على أنها أحداث تاريخية وقعت فعلاً، وبأنه موحى من الله، غير أن مفهوم الوحي الكتابي لا يعني أن الله قد تكلّم للملاك، فنقل الملاك الكلام إلى ناطق الوحي فأذاعه، فالمفهوم المسيحي يعتبر أن الله أوحى مباشرة للمؤلف - يُسمى عادة المؤلف الملهم - الأفكار والحقائق التي يريدها الله، غير أن المؤلف الملهم كتبها بأسلوبه الخاص، وتفكيره، وبالصيغ الأدبية والثقافية الخاصة التي كانت سائدة في زمانه، لذلك يستطيع الباحث في الكتاب المقدس أن يستنتج الكثير من صفات كاتب السفر والظروف التي كانت في وسطه إذا حلل أسلوب الكتابة، ولكن في داخل هذه التعابير التي لها صيغة بشرية مضمون وفكرة إلهية.[99][100][101][102]
إن استعراض النصوص يمرّ أولاً بمرحلة التقليد الشفهي، فالتلاميذ والوعاظ رددوا أقوال المسيح ورووا أعماله حسب حاجات الحياة، فتكونت في البداية تقاليد شفهية منقولة بالتواتر ولربما سجلت في صيغ وثائق مجموعة من أعمال يسوع أو معجزاته أو رواية الآلام، وهذه التقاليد الأوليّة تأقلمت في مفرداتها مع مصطلحات بيئتها، فلفظ «بارك» عند متى ومرقس يوافق عادة سامية أما لفظ «شكر» عند لوقا وبولس يدلّ على بيئة هيلينية، في إطار استحضار العشاء الأخير، الأمر ذاته يمكن تصنيفه في مواقف أخرى، كصيغ التطويبات.[103][104]
تصلّبت هذه التقاليد الشفهية مع انتشارها في حوض البحر الأبيض المتوسط، واستمرّ تداولها نحو ثلاثين عامًا أو أقل، وكان انتشارها جنبًا إلى جنب مع تأليف رسائل القديس بولس، التي كانت بمثابة الضابطة لها؛ والأمر الهام أنها شكلت بانتشارها وتصلبها المرجع الأساسي لروايات الإنجيل، ومع تكاثر هذه التقاليد أو الأخبار المنقولة بالتواتر، بات خطها في كتاب وتعميمها حاجة ملحة، وكان المعياران المتبعان في التصنيف ولاحقًا في قبول قانونية الإنجيل هي مدى الانتشار، والنسبة للعصر الرسولي أو أقله شخصيات مقربة منهم، أما أغلب الأبوكريفا، فهي إما كتبت بزمان لاحق، أو أنها بقيت محلية الانتشار، أو نسبت لتقليد سخيف.[105][106][107]
لقد كان إنجيل مرقس لا أقدم الأناجيل فحسب، بل أيضًا أساسًا في إنجيلي متى ولوقا، وهو ما يعرف عمومًا باسم «القضية الإزائية»، فإنه في الأناجيل الثلاثة من التسلسل الزمني والكلمات المشتركة ما يجعل من المؤكد اطلاع متى ولوقا على إنجيل مرقس، وعلى سبيل المثال فإن متى يشترك مع مرقس في 548 آية، وإن لوقا يشترك مع مرقس في 434، وأما متى ولوقا فيشترك كلاهما بنحو 230 آية لا تذكر في مرقس، ما دفع العلماء لتأصيل هذا الاشتراك بتقليد مشترك أطلق عليه اسم «الوثيقة ق». أخيرًا، فإنّ لكلّ إنجيلي انفراده بتقاليده الخاصة، فحوالي 320 آية خاصة بمتى وحده، و500 آية خاصة بلوقا وحده - حسب آباء الكنيسة نقلها من مريم العذراء[108] - ويعرّف الأمر بأنه نظرية المصدرين في شرح القضية الإزائية.[109][110][111]
بعض الباحثين حديثًا رفضوا النظرية السابقة في تفسير القضية الإزائية، وفضلوا القول بأن التقليد ذاته كتب في ثلاث صيغ،[112] بيد أنه في كلا الحالتين، من المهم الملاحظة، عدم إغفال حرية الإنجيليين في التحرير، فلوقا أكثر اهتمامًا بشرح العادات اليهودية لكون إنجيله موجه لمسيحيين يونان، أما متى فلا يهتم بذلك، فهو يهتم بالأحرى بإظهار يسوع بوصفه متمم النبؤات؛[113] وتبويب الخطب والأمثال بشكل متتالي عند متى يقابله نثرها في لوقا، أخيرًا فإن إنجيل يوحنا، قد كتب بعد الإزائية واطلع عليها، ويقتصر على مختارات من أحداث وآيات ذات جدة توضح عادة ضمن الخطب، كما خصص سبعة فصول كاملة للأسبوع الأخير، ليشكّل بذلك خاتمة تنوّع الفن الإنجيلي وغناه.
بعد نحو أربعة قرون من انقطاع النبوة عن بني إسرائيل،[114] وفي وقت كانت فيه بلاد فلسطين تخضع للحكم الروماني بشبه فيدرالية تميزت بالقسوة والفساد سيّما نحو الأمم غير المجنسة رومانيًا ومنها الأمّة اليهوديّة،[115][116] وفي ظل انتظار اليهود لقدوم الماشيح مخلصًا دينيًا ودنيويًا، أشير إليه بوصفه «النبي الآتي» و«الملك المظفر» وأمه باسم «الوالدة»،[117] ولد يسوع.[118] تذكر الأناجيل نسبه، فتوضح أنه من نسل إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ومن نسل يهوذا بكر يعقوب، وكذلك فهو ابن لداود وسليمان تحقيقًا لما ورد في العهد القديم بأن المسيحي يأت من نسل داود في «الزمان المعين»،[119] وبالتالي فحسب العهد الجديد فالمسيح من سلالة نبويّة - ملكيّة.[120][121]
لقد تمت ولادة يسوع بشكل إعجازي بليغ، على ما هو مسطور في إنجيل لوقا،[122][123] فبعد ستة أشهر من الحبل يوحنا المعمدان، ابن زكريا، ترائي الملاك جبرائيل مُرسلاً من قبل الإله، لمريم الفتاة من الناصرة، المخطوبة ليوسف النجار، ليعلمها أنها ستَقبَل حملاً وتلد ابنًا، يُدعى «يسوع» ومعناه الحرفي «الله يخلّص».[124][125] على أن هذا الحمل، دون مسيس ذكر سيتم، إعجازيًا. كما ترائي الملاك ليوسف خطّيب مريم في الحلم، كي يأخذها إلى بيته، ففي الحالة الأخرى، كانت ستسلم للرجم وفق شريعة موسى.[126][127]
انتقلت مريم إلى زيارة أليصابات ومكثت عندها حتى ميلاد يوحنا، وبعدها بست أشهر حسب التسلسل التاريخي لرواية الإنجيل، انتقل يوسف ومريم إلى بيت لحم للاكتتاب، إذ كان قد صدر أمر أغسطس قيصر بإحصاء سكان الإمبراطورية كلّ في مدينته أو بلدته، وكانت بيت لحم مدينة داود وذريته.[128][129] وبينما كانا هناك، حان زمانها لتلد، فولدت المسيح ولفته بقماط وأنامته في مذود، إذ لم يجدا نُزلاً يأويان إليه. ترافق الحدث مع ظواهر أخرى، كظهور جند من الملائكة مُسبحين لقوم من الرعاة؛ وفي اليوم الثامن ختن المسيح وسُمي.[130] وبعدها بأربعين يومًا لتطهير مريم، صعد به أهله لزيارة الهيكل في القدس، وذلك تماشيًا مع طقوس الشريعة.[131][132][133]
وإن كان الصمت الإنجيلي يلفّ العامين الأولين من عمر يسوع، فإنّ إنجيل متى قد سطّر حدث زيارة المجوس الثلاثة في تلك الفترة، وقد قادهم «نجم بزغ من المشرق»، توسع البحّاثة في تحديد ماهيته، وبعد أن شاهدوه قدّموا له الهدايا ذهبًا وبخورًا ومرًا،[134] ثم انصرفوا إلى بلادهم من طريق أخرى، كي لا يلتقوا بهيرودس الملك الذي تخوّف من أن يزاحمه المسيح في المُلك - إذ إن من صفات المسيح كونه ملكًا، وهو ما سيتحقق في المجيء الثاني وفق المعتقدات المسيحية - فأراد قتله عن طريق المجوس، فحينما فشل، قرر قتل جميع أطفال بيت لحم من دون السنتين، ولكنّ وحيًا كان قد جاء ليوسف في الحلم يخبره بأن يأخذ الطفل وأمّه إلى مصر، فهربا وأقاما بها حتى وفاة هيرودس، قبل أن يعودا إلى الناصرة.[135][136][137][138]
لا نعرف الكثير عن حداثة يسوع اللاحقة، وبعض الإشارات الإنجيلية عامة للغاية، فكان ينمو ويتقوى بالحكمة و«نعمة الله معه»،[139] ومما لا شكّ فيه أن العائلة كانت متدينة،[140] إذ تحجّ إلى القدس في كل عام،[141] والحدث الأبرز هو وجوده في الهيكل بين العلماء لثلاث أيام وله من العمر اثني عشر عامًا. ولعلّه احترف النجارة كيوسف، إذ دعي «النجار ابن مريم». وغياب ذكر يوسف في الحياة العلنية إنما يشير إلى وفاته، فانتقل يسوع للعمل وتأمين مدخول البيت.[142][143] وكان له عائلة كبيرة، سواءً بمعنى أولاد عمومته حسب التفسير الكاثوليكي والبروتستانتي، أو أولاد يوسف من زواج سابق حسب التفسير الأرثوذكسي.[144][145] ويذكر أن بعض الأناجيل المنحولة وكتابات آباء الكنيسة، تنسب للمسيح اجتراح المعجزات، لعلّ أهمها إدباب الحياة في طيور صنعها من طين، والحكمة منذ طفولته، غير أن هذه الكتابات لا تعتبر رسميّة.[146][147][148][149]
هوذا عبدي الذي اخترته، حبيبي الذي عنه رضيت، سأضع روحي عليه، فيبشر الأمم بالحق. | ||
كان العماد، وهو الغطس في المياه الجارية بعد التوبة عن الخطايا رمزًا لولادة ثانية، حيث يموت الإنسان «ليولد من جديد» بشكل أقرب إلى الله؛[150] وهكذا فالتوبة تعطيه طهارة الروح والماء طهارة الجسد.[151][152] وكانت عملية العماد منتشرة في بعض المجتمعات اليهودية قبيل المسيح ومنها جماعة الأسينيين، ولعلّ يوحنا المعمدان قد تأثر بهم حين بدأ دعوته على نهر الأردن.[153][154][155] وكانت دعوة يوحنا تستند إلى ضرورة التوبة والأعمال الصالحة (متى 3: 8) ورفض الشفاعة دون أعمال (متى 3: 9) والمساواة بين جميع الأمم (لوقا 3: 14)، وبيّن أنه ليس المسيح بل نبي يعدّ إمامة الطريق (لوقا 3: 15-16)، كما كانت علاقته بهيرودوس الملك سيئة للغاية، وبعد عماد يسوع بفترة قصيرة، سجن يوحنا ثم أعدم (لوقا 3: 20).[156][157][158]
وفي هذه البيئة، قدم يسوع من الجليل ليعمد على يد يوحنا، أما عماد يسوع فكان اعترافًا بخطيئة الأمة بأكملها كما فعل أنبياء كثر قبله كموسى ودانيال وعزرا، واتخذها نقطة انطلاق لدعوته العلنية من جهة ثانية، فكان أن أكمل ما بدأه يوحنا.[159][160] وعند معمودية يسوع، حلّ عليه الروح القدس، روح الله، على هيئة طائر الحمام، في حين سمع صوت من السماء يعلن هذا ابني الحبيب الذي به سُررت تأييدًا لرسالته.[161][162] وطبقًا لإنجيل لوقا، فإن يسوع كان له من العمر ثلاثين عامًا حين بدأ دعوته العلنية، وكان الكاهن حسب شريعة موسى يبدأ خدمته في سن الثلاثين (العدد 4: 3)، ويعتبر عمر الكهولة والنضوج، وقد سجّل الكتاب أن يوسف حين ملك على مصر (التكوين 41: 46) وكذلك داود حين ملك على فلسطين (صموئيل الثاني 5: 4)، كان لهما من العمر ثلاثين عامًا.
وبعد عماده بدأت المرحلة العلنية من حياة يسوع من بشارة يوحنا نفسها،[163] فانتقل بداية إلى البريّة، حيث صام أربعين يومًا وليلة كما فعل موسى النبي،[164] وفي ختام تلك الأيام جرّب الشيطان المسيح ثلاث مرات مقتبسًا من الكتاب المقدس نفسه، غير أنّ المسيح بكّته وردّ عليه بثلاث آيات من سفر التثنية،[165][166] وتعتبر التجربة خريستولوجيًا هامة للغاية، فبعد أن انتصر الشيطان على الإنسان في جنة عدن وأغوى آدم وحواء، انتصر الإنسان على الشيطان بالمسيح.[167][168] أخيرًا، فإن تجربة المسيح، كانت في وقت حرج بالنسبة له، بعد أربعين يومًا من الصيام، ورغم ذلك، فقد تمكّن من الانتصار على الشيطان وتجربته.[169][170][171]
من يسمع لكم، يسمع لي؛ ومن يرفضكم، يرفضني؛ ومن يرفضني، يرفض الذي أرسلني!. | ||
— لوقا 10: 16. |
بعد تجربة الجبل، وخلال المرحلة اللاحقة، أخذ يسوع يشكّل نواة مقربة من التابعين ليكونوا حلقة مقربة منه وسندًا يعاونه في رسالته،[172] وهم التلاميذ الاثني عشر،[173][174] وضمن هذه الحلقة هناك حلقة أصغر مكونة من بطرس ويوحنا بن زبدي وأخاه يعقوب.[175] وقد تمت أغلب الدعوات في الجليل، ودُعي بطرس وأندراوس بينما كان يلقيان الشبكة لصيد السمك في بحيرة طبرية، وكذلك يوحنا ويعقوب (متى 4: 18-22).[176][177] وبشكل عام، فإن الخلفيّة الثقافيّة أو المراكز الاجتماعية للتلاميذ لم تكن مرموقة بشريًا، لعلّ أوفرهم ثقافة دنيويّة هو متى الذي دعاه يسوع من مكتب جباية الضرائب، وهي المهنة التي كانت ينظر إليها عوام اليهود بكونها خيانة وعمالة للرومان،[178] ما استدعى اعتراضًا من الفريسيين فأجابهم المسيح بأن ليس الأصحاء محتاجين إلى طبيب بل المرضى كما يوضح في متى 9: 9-12.[179]
وكذلك، فقد كان التلاميذ متنوعين في المشارب السياسية، إذ تسجل القائمة سمعان الغيور ويهوذا الإسخريوطي على أنهما من شيعة الغيورين التي كانت تنتهج الكفاح المسلح ضد الرومان،[180][181] وترى المسيح قائدًا حربيًا قبل أن يكون مصلحًا دينيًا، ولعلّ ذلك هو السبب الأبرز الذي دفع يهوذا لخيانة معلمه.[182] وتذكر الأناجيل، مجموعة أكبر كانت تتبعه، دون أن تحسب على التلاميذ، وكان من ضمن هذه المجموعة الأوسع نساء (لوقا 8: 2-3)،[183][184] كما عيّن اثنين وسبعين آخرين وأرسلهم اثنين اثنين ليسبقوه إلى كل مدينة أو مكان كان على وشك الذهاب إليه؛ وقد منح المسيح التلاميذ سلطانًا لكي يشفوا الأمراض، ويطردوا الأرواح النجسة؛ ورغم مجاورتهم له، إلا أنه كان يرسلهم أيضًا مبشرين، وزودهم بمجموعة من النصائح (متى 10: 5-42)، فباتوا في أعقاب ذلك يدعون رسل المسيح،[185][186][187] وطالبهم بعد قيامته، بنقل تعاليمه لجميع الناس.[188]
وبشكل عام، لم يكن التلاميذ دومًا فاهمين لقصد المسيح أو الغاية التي اجترح بها أحد أعماله أو أمثاله. فتسجل الأناجيل عددًا من المناسبات التي وبخ بها المسيح تلاميذه على شكّهم أو قلة إيمانهم أو ترددهم، رغم الآيات والعجائب التي شهدوها (مرقس 8: 33؛ مرقس 9: 32).[189] غير أنه وبعد قيامته، يذكر سفر أعمال الرسل دورهم التبشيري والشجاعة التي تحلوا بها، وفهم الكتاب وجميع أعمال يسوع، حتى قتل لإيمانهم به أغلبهم.[190] وسوى ذلك، فقد رفع تعليمهم وقبولهم على أنه منه هو شخصيًا كما في لوقا 10: 16.
ومجمل الأمر، أن الكنيسة قامت بجهودهم؛[191][192] وبينما يرى الأرثوذكس والبروتستانت، أن التلاميذ متساوين في السلطة أو أن بطرس متقدم عليهم شرفيًا، يرى الكاثوليك أن لبطرس سلطة فعلية «كرأس للرسل» لا شرفيًا فقط استنادًا إلى مواضع منها متى 16: 16.[193]
ماذا ينفع الإنسان، لو ربح العالم كلّه، وخسر نفسه؟. | ||
— متى 16: 26. |
تسجل الأناجيل حلقات من وعظ المسيح وتعاليمه، ولربما كان يكرر تلك العظات في غير موضع من مواضع تبشيره، وأكبر هذه العظات وأشملها هي ما سجله إنجيل متى 5 - 7 والتي دعيت «عظة الجبل»، والتي شكلت لاحقًا، لاسيّما فاتحتها المسماة التطويبات، أحد أهم المواضيع والأركان التي ارتكز عليها التعليم الديني - الاجتماعي للمسيحية؛[194][195][196][197][198] لقد أعلن المسيح ثبوت شريعة موسى إلى الأبد وأن الكتاب لن ينقض (متى 5: 17)، وركز خصوصًا على الوصايا العشرة؛[199][200] لكنه عدّل بها مطورًا أو أعاد تقديم قراءة جديدة، لبعض مواضيعها، مركزًا على الجوهر دونًا عن الشكل وبذلك كان كمال الناموس؛[201] فالزنا - عند المسيح - لا يتمّ فقط بالعملية الجنسيّة بل يبدأ من شهوة القلب؛[202] والبرّ وأعمال الخير والصلاة التي تتم أمام الناس هي لا شيء عند الله إن كانت تهدف لإرضاء الناس أو لفت أنظارهم (متى 6: 1-16). كما رفض المسيح مبدأ العين بالعين والعنف إجمالاً (متى 5: 38-39)، لكنه سمح بالدفاع عن النفس، وأعلى من شأن المحبة حتى جعلها الوصيّة العظمى والكبرى، وطالب بمحبة القريب، وهي عند المسيح تتسع لتشمل جميع البشر لتشمل حتى الأعداء، وكمالها هو الرحمة،[203][204][205] (مرقس 12: 28-34؛ يوحنا 13: 34)، فحضّ على التسامح والغفران ونبذ الحقد مشددًا على العطاء فهذه كنوز الحياة الآخرة (متى 6: 19-21)؛ وفي المقابل نبذ المادية المفرضة وتقديم الحياة الأرضية على الحياة الآخرة (متى 6: 24-34). كما رفض بشكل بات، إدانة الآخرين دينيًا أو إساءة معاملتهم أو إظهار عيوبهم (متى 7: 1-12)، معلنًا المساواة بين جميع الأجناس والمراكز الاجتماعية (متى 10: 24)، فالعمل الصالح هو وحده الفيصل في قيمة الإنسان في هذا الزمان وفي الزمان الآتي (متى 7: 21-23؛ 12: 50)[206] وقد قال البابا بندكت السادس عشر إن إنجيل المسيح، وهو مجمل تعاليم يسوع، خلافًا للأنظمة والمؤلفات الأخرى في عهده والعهود الأخرى، قد تميّز بكشفه للإنسان بصفته شخصًا فردًا ومدعوًا بصفته الشخصية للمشاركة مع الله، وبحسب رأيه، فإنه بذلك أثار الوعي للحرية الإنسانية بمفهومها الحديث، ولذلك لا يمكن فهم سيرورة التطور البشري وعصر الحرية الحالي دون إنجيل يسوع وتعاليمه.[82][207][208]
وفيما يخصّ ما طوره المسيح في شريعة سيناء والاستنباطات اللاحقة التي استقاها منها الكتبة والربانيون، فهي تدور عن انتقاد حفظ السبت، فالسبت - كيوم راحة - وجد لخدمة الإنسان لا العكس؛ وبين أن أحكام النجاسة والطهارة ومحرمات الطعام قد ذهبت سدى، وكذلك الذبائح والمحارق التي تقدم يوميًا وفصليًا في الهيكل تكفيرًا عن الخطايا، بل أعلن إلغاء دور الهيكل كمركز للحياة الدينية (يوحنا 2: 21).[209] ورفض قتل البشر إذا ما ارتكبوا معاصي دينية كالزنا (يوحنا 8: 1-11)، وأكّد أن الطلاق قد أعطاه النبي موسى «لقساوة قلوب البشر» أما في الأساس لم يكن هكذا، معلنًا أن أي انفصال بين الزوجين لغير الزنا هو زنا (متى 19: 7-9).[210] وتعتبر هذه التطويرات خريستولوجيًا شديدة الأهمية، إذ نقلت البشرية من شريعة الحرف إلى شريعة الروح.[211][212][213]
ركّز المسيح أيضًا في تعاليمه على يوم القيامة ووراثة الملكوت،[214][215] مفهوم ملكوت السماوات يتخذ مكانة مركزية في تعاليم يسوع، ولا أدلّ على ذلك، أنه قد ورد نحو ثمانين مرة في الإنجيل،[216][217] وتوجز الصلاة الربية التي علّمها المسيح، جوهر تعاليمه عن الملكوت.[218][219][220] وفيما يخصّ التعليم الاجتماعي أيضًا، فقد أولى يسوع عناية خاصة في ذلك للفقراء وسائر أصناف المستضعفين،[221] وإن كانت عظات الإزائية اجتماعية بالأحرى، فإنّ إنجيل يوحنا يُظهر بشكل متزايد الصيغة اللاهوتية - الماورائية لكلام المسيح،[222] فالحديث مع نيقوديموس يركز على المعاني الروحية للعماد كولادة ثانية (3: 4-12)،[223] ومحبة الله للعالم هي التي أرسلت المسيح (3:4-12)؛ ويشرح أيضًا علاقته بالآب وشهادة الآب له (5: 17-47)؛ وشبه تعليمه وكلامه بالطعام الحقيقي والحي وهو ما دعّم لاحقًا سر القربان (6: 27-59)، وأيضًا يتكلم يسوع في عظاته، سيّما الأخيرة، عن محبته لخاصته الذين في العالم، وحبّه لهم إلى الغاية (10: 7-18).
كان المسيح يتكلم بالأمثال،[224][225] ويستخدم الكثير من التشبيهات خلال مخاطبته الجموع، ولتوضيح غاية معينة أو تلقين فكرة بعينها، بحيث تساعد الحبكة القصصية أو خلاصة نهاية المثل في فهم الحقائق الروحية، وفي الوقت ذاته تبدو قصصًا بلا معنى لمن لم يتأمل بها. وأما مواد الأمثال فلم تكن فلسفيّة أو غريبة أن الوسط الاجتماعي البسيط، إذ استخدم المسيح أمثالاً من المحيط بعضها من الطبيعة مباشرة والبعض الآخر عادات اجتماعيّة، مأولة لإيصال حقيقة روحية، ولمعظم الأمثال نقطة جوهرية واحدة فقط، وبالتحليل العكسي، فإن كل مثل يعطي تطبيقًا روحيًا لأمر مألوف.[226]
إن مجموع الأمثال، وأغلبها إزائية، ثمانية وثلاثون مثلاً،[227] تبوب في عشرة أبواب، فمنها عن الدينونة والمستقبل،[228][229] وعن الخدمة والطاعة، وعن الصلاة ومحبة الله ورحمته،[230] وعن محبة الإنسان لكل إنسان،[231][232][233] والقيم الأخلاقية.[234][235][236] وتشبك الأمثال أحيانًا، فإن عظة واحدة كما في متى 13 حيث ترد خمسة أمثال تختصّ مواضيع مختلفة، أو تأتي ردًا على سؤال وجّه للمسيح أو استكمالاً لما ورد في العهد القديم.[237][238][239][240]
العُمي يبصرون، والعرج يمشون، والبرص يطهرون، والصمّ يسمعون، والموتى يقامون، والمساكين يبشرون، وطوبى لمن لايشكّ فيّ. | ||
— لوقا 7: 22-23. |
سوى معجزة دخوله العالم ومعجزة خروجه من العالم، فإنه حسب الرواية الرسمية للعهد الجديد فقد اجترح المسيح عددًا كبيرًا من المعجزات والأعاجيب،[241][242][243] بل إن معجزاته لا سيّما الشفائية منها، لم تسجل كلها لكثرتها، وتذكر الأناجيل حوادث من هذا النوع كما في متى 4: 23-25، حيث يعلن النص «ذيوع صيته في سوريا كلها» وأن الناس «حملوا إليه مرضاهم المعانين من الأمراض والأوجاع على اختلافها»، في ما يدعى «شفاء جماعي».[244] وكان الشفاء يتم بالكلمة فقط،[245] وأول معجزة أجراها المسيح كما ترد في يوحنا 2: 1-23، هي تحويل الماء إلى نبيذ في عرس قانا الجليل؛[246][247] وتركز الأناجيل على حوادث شفاء البرص، لكونه من أكثر الأمراض إثارة للخوف في الزمان القديم، وكانت الصفة تطلق على طائفة واسعة من الأمراض المتشابهة،[248][249] وفي كثير من الأماكن ومنها فلسطين، كان المصاب بالبرص ينفى من المدينة ليعيش في البرية مع غيره من البرص إلى أن يشفى أو يموت؛ كما شفى المسيح الرجل ذي اليد اليابسة، وأوقف نزيف امرأة مصابة بنزيف دموي مدة اثنتي عشر سنة - أي نجسة على الدوام حسب الشرع - وقد اكتفت هذه المرأة بأن تلمس طرف رداءه لتشفى؛[250][251] والكثيرون تكرر معهم الأمر ذاته دون أن تفصّل الروايات كما هو في مرقس 3: 10؛ وإلى جانب ما شفي بالكلمة أو اللمسة فقط، فإن بعض المعجزات تطلبت ما هو أكثر من ذلك، ففي شفاء الأعمى منذ ولادته تفل المسيح على التراب وجبل منه طينًا ووضعه على عيني الأعمى،[252] وقد فتح المسيح عيون عمي كثيرين وكانت النبؤات السابقة للمسيح، كنبؤة أشعياء، أشارت إلى مقدرة المسيح أن يفتح عيون العمي حين يأتي. ولعلّ أشهر العميان الذين شفاهم المسيح، هو الشحاد بارتيموس الأعمى وابن الأعمى.[253][254] ومن المعجزات الأخرى التي استأثرت بالاهتمام، شفاء المرأة الحدباء يوم السبت، والمخلّع، ومشلول بيت حسدا الذي مكث في الشلل ثمانية وثلاثين عامًا،[255] وإعادة أذن ملخس، عبد رئيس الكهنة المقطوعة.[256][257]
ولم تكن المعجزات هي غاية يسوع، فإن الأناجيل تذكر أنه أمر بعضًا من الذين شفاهم بالصمت (متى 9: 30)، ووبخ الفريسيين لطلبهم آية (مرقس 8: 11-12)، والسبب الأبرز في تفسير ذلك، أنه لم يكن غرض المسيح أن يعرف كصانع عجائب أو طبيب، وإهمال الجانب الروحي في الأمر، وكان يكرر بأن الإيمان هو من يشفي، فضلاً أن الهدف الرئيسي للمعجزت هو إظهار سلطته، والدليل على أصله العلوي وتأييد السماء له.[258][259][260][261] وإن كانت هذه المعجزات، جزءًا أصيلاً من رسالته، ودليلاً على قدرته، وأنها سبب فرح للجموع (لوقا 13: 17)، وذهولهم (لوقا 9: 43)، وكانت في كثير من الأحيان سبب إيمانهم (يوحنا 2: 23)، بل والتعجب أيضًا: ما شوهد مثل هذا قط من قبل (متى 9: 33).[262]
وكان المسيح يأمر أيضًا بعضًا من الذين شفاهم بأن يقدموا القرابين التي أمر بها موسى فيما يخص اليهود، ولم تتوقف معجزاته على اليهود وحدهم بل شفى أيضًا «من الأمم»،[263] مثل شفاء خادم قائد المئة، والأعاجيب التي قام بها في زيارته المدن العشر والسامرة وصيدا وصور. وتذكر الأناجيل ثلاث حوادث لإقامة الموتى: ابنة رئيس المجمع يائير، وابن أرملة نائين، ولعازر، صديق يسوع.[264][265] وإلى جانب ذلك، كان يطرد الأرواح النجسة بكلمة منه، والشياطين، شافيًا من أصيب بقوى خبيثة؛[266] ومن الخوارق الأخرى التي سطرتها الأناجيل والتي تشير إلى علاقة المسيح مع الطبيعة، كتهدئة العاصفة التي ضربت بحيرة طبرية، ولعن إحدى أشجار التين فيبست، ومعرفة النوايا،[267] واصطياد بطرس ومن معه سمكًا كثيرًا بعد أن أمرهم بإلقاء الشباك، والمشي على الماء، وتكثير الأرغفة والسمكتان.[268][269] يذكر أن يسوع قد أعطى تلاميذه مثل هذه السلطة، ويذكر سفر الأعمال اجتراح التلاميذ باسم المسيح عددًا من المعجزات كما في 3: 1-10 و8: 6-8.
فانتبهوا إذن! ها أنا قد أخبرتكم بالأمور كلها قبل حدوثها. | ||
— مرقس 13: 23. |
النبؤة حسب علم اللاهوت، هي أعجوبة عقليّة لا تقع تحت الحواس، وتقوم على معرفة المستقبلات الناشئة عن حرية الإنسان وكشف النقاب عنها قبل وقوعها،[270] قدم المسيح عددًا كبيرًا من النبؤات التي تختصّ بالمرحلة اللاحقة لوجوده الأرضي، ولعلّ أشهر النبؤات تدمير الهيكل وخراب القدس والذي تمّ خلال عام 70؛[271] وأشار إلى الاضطهادات على المسيحيين والتضييق الذي سيقع عليهم وهو ما تمّ حتى صدور مرسوم ميلانو، ودعا للثبوت في وجه الاضطهاد والمحافظة على الإيمان حتى لو وصل الاضطهاد إلى العائلة، بل قال في يوحنا 16: 2 أنه سيأتي وقت يظنّ من يقتلكم «يؤدي لله خدمة».[272]
وتنبأ عن موته وقيامته ثلاث مرات، وخيانة أحد تلاميذه، ووعد بإرسال الروح القدس المعزّي والمعين،[273][274] ليقوي المؤمنين ويذكرهم، وقال أن ما يقوله كأنه صادر عن المسيح شخصيًا، وقدّم وصفًا مسهبًا ليوم القيامة، وما سيسبقه من ويلات، وظهور أنبياء ومعلمين وقادة دينيين كذبة يضلون الكثيرين وعلى رأسهم المسيح الدجال،[275][276] إلى جانب تكاثر الحروب والمجاعات والكوارث وقيام أمّة على أمة، وسقوط الآلهة والقوات الأرضية قبل هزيمة الشيطان في المجيء الثاني، حيث لدى عودة المسيح ستشاهده «جميع الأمم وقبائل الأرض»،[277][278] ودعا للسهر والترقب فلا أحد يعلم حين يحين الوقت.[279] أخيرًا فإنّ سفر الرؤيا كما يصرح بذلك في 1:1-2 هو وحي من قبل المسيح.[280]
لو صدقتم موسى، لكنتم صدقتموني، لأنه هو، تكلّم عني. | ||
— يوحنا 5: 26 |
يعتبر حدث التجلي حديثًا بارزًا في حياة المسيح وفق نظرة العهد الجديد،[281][282] وبحسب رواية متى 17: 1-13، فبعد نحو أسبوع من اعتراف بطرس بيسوع على أنه المسيح، اصطحب يسوع ومعه بطرس ويوحنا بن زبدي وأخاه يعقوب، وانفرد بهم على جبل عال لعلّه أحد جبال حرمون،[283][284] وهناك تجلّى أمامهم، فشعّ وجهه كالشمس، وصرت ثيابه بيضاء كالنور، ثم ظهر له موسى وإيليا، وكلاهما يمثلان أعظم نبيين في الفكر الديني اليهودي.[285][286] وكان موسى وهو يمثل الشريعة قد تنبأ عن مجيء عظيم (عدد 24: 17؛ تثنية 18: 15-19) أما إيليا وهو يمثل الأنبياء قد تنبأ أيضًا عن مجيء المسيح (ملاخي 4: 5-6). وكان ظهورها مع يسوع تأييدًا لرسالته، بصفته المسيح، بحيث يتمم شريعة موسى وأقوال الأنبياء.[287] وكما أعطى صوت الله من السحابة على جبل سيناء السلطان لشريعة موسى (خروج 19: 9) فإنّ صوت الله على جبل التجلي كان مقاربة حديثة لما تمّ مع موسى وإضفاءً لسلطان خاص على المسيح.[288][289]
أمر يسوع من شهد التجلي بالصمت حتى نهاية رسالته، وكذلك فقد منع التلاميذ أو من شفاهم، في مناسبات عددية من أن يذيعوا كونه المسيح. يعود ذلك بشكل أساسي، إلى أن النبوات المسيانيّة، التي تحفل بها الكتب المقدسة، قد قدمت حلقتين عن «المخلص المنتظر» أو «النبي الآتي»، الأول هي العبد المتألم، والثانية هي الملك المظفر. طبقًا للتعاليم المسيحية، فإنّ الملك المظفر يأتي في آخر الزمان، ليحوّل العالم الفاسد إلى عالم مفتوح على الأبدية لا يدخل فيه الشر أو الشيطان أو الموت، وهو ما سيتم في المجيء الثاني؛ أما المجيء الأول فقد ركّز على صورة العبد المتألم، وما كان للأولى أن تتم لولا الثانية.[290][291] كلا الصورتين، في كلا الأحوال، تنطبقان في شخص المسيح، الذي دأبت كتابات العهد الجديد على إظهاره بوصفه متمم النبؤات، لكونها، إلى جانب الخوارق والمعجزات، الدليل الأبرز على أصله العلوي، وإنمامًا لذلك، فقد أعلن المسيح أنه يندرج في خط من سبقه، فهو ما جاء ليلغي بل ليُكمل، وأكثر من الاستشهادات بسير السابقين والاقتباس من الكتب المقدسة،[292] ودعا أتباعه للتمثل بهم.[293]
ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تشبهون قبورًا مبيضة تظهر من الخارج جميلة، وهي من الداخل مملؤة عظام أموات، وكل نجاسة. | ||
— متى 23: 27 |
كان للسلطات الدينية في أيام المسيح، شأن كبير، لا على الصعيد الديني فقط بل على الصعيد الإداري أيضًا، فالإمبراطورية الرومانية سمحت للجماعة اليهودية، أن تنظم طقوسها وعباداتها، وإصدار التشريعات الخاصة لها، ورغم هذا الحكم الذاتي، ظلّ ليهود ينظرون إلى الرومان كسلطة احتلال، وثنية. أكبر الأحزاب الدينيّة - السياسيّة، في أيام المسيح، كان الصدوقيون والفريسيون.[294][295][296]
شكّل الصدوقيون أغلبية المجلس الأعلى وعرفوا بكونهم الأقلية الثرية والمثقفة والمحتكرة لتجارة الهيكل، والتي اكتفت بأسفار موسى الخمسة فقط ما دفعها لرفض مفاهيم مثل القيامة والملائكة، ونظرًا لثرائهم فقد تحالفوا مع الرومان.[297] أما الفريسيين، وهم أقلية في المجلس الأعلى، فعلى العكس من ذلك، كانوا ذوي شعبية واسعة لمقارعتهم الرومان، غير أنهم اشتهروا بتعصبهم، والقول بالتبرير الذاتي، والتعلق بالمظاهر الخارجية كإطالة أهداب الثياب، واحتقار سائر فئات الشعب لاسيّما الوضيعة،[298][299] فكان أحد ميادين خلافاتهم معه اهتمامه بالطبقات الدنيا من الشعب، والتي كان ينظر إليها على أنها غير مشمولة برحمة الله.[300] ويمكن أن يضاف سبب خلاف آخر، فسلطة يسوع التعليمية ومعارفه لم تأت من الدراسة الطويل على يد الفقهاء المعترف بهم، بل إن هذا التعليم كان من الله مباشرة: «تعليمي ليس من عندي بل من عند الذي أرسلني» كما قال لهم في يوحنا 7: 16، وأسلوبه المختلف والأكثر بساطة جعل شعبيته تطغى على شعبيتهم، فطبقًا لمرقس 1: 22: «ذهل الحاضرون من تعليمه لأنه كان يعلمهم كصاحب سلطان وليس كالكتبة».[301]
وبشكل عام فإنّ كلا الفريقين، كان محط نقد يسوع وتعنيفه،[302][303] وكان على صدام دائم معهم فيما يخصّ قضايا استنبطها الكتبة - وهم متحالفين مع الفريسيين، كانت مهمتهم الأساسية نسخ التوراة - من الشريعة، كالتدواي في يوم السبت (لوقا 5: 6-11). وقد بدأ الصدام مع السلطة الدينية التقليدية باكرًا،[304] فقالوا أن شيطانًا يسكنه (متى 9: 34)، وتآمروا على قتله منذ بداية نشاطه العلني (متى 12: 38-39). وفي المقابل، جاء رهط منهم إلى يسوع طالبًا آية فوصفهم بالجيل الشرير والخائن (متى 12: 38-39) وأنهم يخالفون وصايا الله من أجل المحافظة على تقاليدهم الشكلية والقشرية (متى 15: 1-8؛ 23: 5-7) وحذر منهم (متى 16: 6)، وقصدهم في بعض أمثاله التي ضربها (متى 21: 45-46) ولعلّ أقسى ما سجلته الأناجيل من توبيخ المسيح لهم ما في متى 23، حيث هددهم بنار جهنم ووصفهم بالمرائين، ووصف النصّ بأنه أعنف ما واجه به المسيح القادة الدينيين؛[305] كما قلب موائد الصيارفة وموائد باعة حمام الذبيحة كما في مرقس 11: 15-19، ووصف الصدوقيين الذين ينكرون القيامة بأنهم في ضلال عظيم.
على أن بعضًا منهم، آمن بالمسيح كنيقوديمس ويوسف الرامي،[306][307] وبعضهم آمن سرًا لكنه لم يجهر الإيمان خوفًا من الطرد من المجمع حسب يوحنا 12: 34-44 أما القسم الثالث، لا سيّما أعضاء المجلس الأعلى، تآمروا على قتله خلال عيد الفصح، لانشغال الشعب من جهة ولتواجد الحاكم الروماني في القدس من جهة ثانية.[308][309]
افرحي كثيرًا يا ابنة صهيون، اهتفي يا ابنة أورشليم، هوذا ملكك يأتي إليك، وهو عادل ومنصور وديع، راكب على حمار وعلى جحش ابن أتان. | ||
— زكريا 9:9. |
بعد حوالي ثلاث سنوات من النشاط العلني، عبر المسيح ومعه تلاميذه، رحلته الأخيرة عن مناطق نهر الأردن وأريحا ومنها قرروا التوجه إلى القدس. كرّست الأناجيل ثلث صفحاتها للحديث عن الأسبوع الأخير في حياة يسوع، حيث قدّم ملخصًا لمجمل تعاليمه فيما بات يعرف باسم الأسبوع المقدس أو أسبوع الآلام. أقام المسيح في بيت عنيا وبيت فاجي ردحًا من الزمن، ودخل القدس راكبًا على حمار تطبيقًا للنبوءة الواردة في سفر زكريا، واستقبلته الجموع بشكل حافل معلنة «مبارك الآتي باسم الرب». وطبقًا للرواية المسيحية، فإن حدثان بارزان، سرّعا مخططات أحبار اليهود الأول إقامة لعازر من الموت، بما حقق شعبية بارزة للمسيح، والأمر الثاني طرد الباعة من الهيكل، والذي شكّل تهديدًا صريحًا لنفوذ ومصالح الطبقة الدينية - السياسية السائدة؛ فضلاً عن رمزية استقراره في القدس، رغم أنه أقام في ضواحي المدينة خارج سورها، في الجثمانية.
حسب يوحنا 11: 45-57، فإنه وقبيل دخول يسوع إلى القدس، كان المجلس الأعلى قد تباحث بأمره وأقرّ الأعضاء بأنه «إذا تركناه وشأنه، يؤمن به الجميع، فيأتي الرومان ويدمرون هيكلنا المقدس، وأمتنا»، ولذلك قال قيافا: «ألا تفهمون أنه من الأفضل أن يموت رجل واحد فدى الأمّة، بدل أن تهلك الأمة كلها». وبهذا الشكل، فإن قرار الموت على يسوع، كان قد صدر قبل محاكمته حتى، وهو ما يجعل محاكمته حتى، غير شرعيّة وفق أحكام الشريعة اليهودية.[310][311]
تعاليم يسوع عن يوم القيامة، ولعن إحدى أشجار التين، والإنباء بخراب الهيكل، ومدح داود، وفلسا الأرملة، وسكب العطر على رأسه وقدميه، تصنّف ضمن أحداث الأسبوع الأخير. يوم الأربعاء حسب التقليد، كان يهوذا الإسخريوطي، قد بدأ التفاوض مع المجلس الأعلى حول تسليم المسيح، وقبض ثمن ذلك مبلغ ثلاثين قطعة من الفضة سجلت في متى 26: 14-16، وهو العمل الذي تمّ بوحي من الشيطان، وأتفق أن يكون بعيدًا عن الجموع في لوقا 22: 2-6.
الحجر الذي رذله البناؤون، صار حجر رأس الزاوية، من عند الرّب كان هذا، وهو عجيب في أعيننا. | ||
— متى 21: 42. |
استذكارًا لليلة خروجهم من مصر، يقيم اليهود حسب شريعة موسى في أول أيام الفطير، عشاءً خاصًا يتناولون فيه خبزًا فطيرًا لأن أسلافهم ليلة الخروج لم يجدوا الوقت لتخمير الخبز فأكلوه فطيرًا.[312] هذه المناسبة، الخامة في التقليد اليهودي، احتفل بها المسيح مع التلاميذ الاثني عشر في القدس.[313] وبعد أن تناولوا العشاء، قدّم المسيح الخبز على أنه جسده، وكأس النبيذ على أنها دمه، وطلب استذكار هذا الحدث إلى أن يأتي ثانية، مؤسسًا بذلك القداس الإلهي وسر القربان.[314][315][316][317] حَفل العشاء الأخير بالعديد من الأحداث، فقد تنبأ يسوع أن يهوذا سيخونه،[318] وأن بطرس سينكره ثلاث مرات قبل صياح الديك،[319] وقدّم خطبته الأخيرة للتلاميذ، والتي تدون بشيء من التفصيل في إنجيل يوحنا «التلميذ الذي كان متكئًا على حضن يسوع خلال العشاء» حسب التقليد. وركّز يسوع في هذه الخطبة، على المحبة معتبرًا إياها العلامة الفارقة: «بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي: إن كنتم تحبون بعضكم بعضًا»، (يوحنا 13: 35).[320][321] وكان يسوع قد بدأ العشاء بأن غسل أقدام التلاميذ حسب عادة العبيد، ليعلمهم بالفعل لا بالقول فقط، الاتضاع والعطاء وروح الخدمة.[322][323][324] وكان الختام بتلاوة المزامير 115-118 المرتبطة تقليديًا بعيد الفصح حسب ما يذكر إنجيل متى.[325]
بعد العشاء، غادر يسوع ومعه التلاميذ إلى خارج المدينة نحو جبل الزيتون، حيث كان يمضي أغلب وقته، وفي الجثمانية، أخذ معه بطرس وابنا زبدي، ثم انفرد بنفسه لكي يصلي، وأعلن عن حزنه وقد ظهر له ملاك من السماء يشدده؛[326] وعندما فرغ من صلاته، عاد إلى التلاميذ، فوجدهم نيام، وبعد برهة قصيرة، حضر يهوذا الإسخريوطي برفقة حرس الهيكل وجند رومان وعدد من الشيوخ، وكانت العلاقة المتفق عليها بين يهوذا والجند، أن من يقبله يكون هو المطلوب اعتقاله، وإذا قبّله، حاول بطرس الدفاع عنه وقطع أذن عبد رئيس الكهنة ملخس، فأعادها يسوع بمعجزة، وفي حين هرب القسم الأكبر من التلاميذ، سيق يسوع إلى مقر رئيس الكهنة.[327]
تلخص مراحل محاكمة يسوع، التي بدأت قبل أن يبزغ فجر الجمعة حتى ما بعد ظهوره، في سبع مراحل.[328][329] فبعد أن ألقى الجنود القبض عليه، ساقوه إلى منزل حنّان الرئيس السابق للكهنة،[330] ثم إلى المجلس الأعلى برئاسة قيافا،[331][332] وكان قد اجتمع عنده عدد كبير من أعضاء المجلس. وبحثوا عن شهادات ضده ولكنها كانت متناقضة،[333][334][335] وعندما اعترف أنه المسيح «شقّ رئيس الكهنة ثيابه وصرخ، قد جدّف لا حاجة بنا بعد إلى شهود» كما في متى 26: 65. وقد قضى يسوع تلك الليلة في بيت قيافا الواقع في المدينة العليا، وتعرض للضرب واللطم والإهانة، وتزامنًا كان بطرس تحقيقًا لنبؤة يسوع قد أنكره ثلاث مرّات، أما يهوذا مُسلمه، فندم ثم مضى وشنق نفسه.[336][337]
في الصباح، انعقد المجلس الأعلى للمرة الثالثة - وهي الرسميّة الأولى حسب الشرع - وأقرّوا رسميًا عقوبة الموت بتهمة التجديف،[338] ولما كانت السلطة الرومانية قد قصرت على نفسها حق إصدار عقوبة الإعدام، وجب تسليم يسوع إلى بيلاطس البنطي، الحاكم الروماني المقيم في قلعة أنطونيا، ليصدر الحكم بنفسه.[339] ضغط الأحبار أن تكون محاكمة يسوع بأسرع ما يمكن، كي يصلب قبل سبت الفصح العظيم. ونظرًا لكون القانون الروماني لا يلحظ عقوبة التجديف، فقد وجب تقديم تهمة سياسية لقتله، ولما كان المسيح المنتظر من أحد ألقابه الملك، فقد شددوا على هذه النقطة: «تبيّن لنا أن هذا يضلل أمتنا، ويمنع أن تدفع الجزية للقيصر، ويدّعي أنه المسيح الملك» في لوقا 23: 2، وأيضًا: «إن أطلقت هذا، فلست محبًا للقيصر، فإنّ كل من يجعل نفسه ملكًا يعادي القيصر»، في يوحنا 19: 2، وبالتالي فما يفهم من الحكم والإدانة، أنه أدين بصفة الثائر السياسي على روما.[340][341][342]
أراد بيلاطس تبرئة يسوع، إذ علم أنهم سلّموه عن حسد، وبناءً على ترجي زوجته،[343] وإذ علم أنه من الجليل أحاله إلى هيرودس أنتبياس، والي الجليل المتواجد في القدس للاحتفال بالعيد، غير أن هيرودس لم يبد به رأيًا؛[344][345] كما أن يسوع خلال أي مرحلة من مراحل المحاكمة لم يدافع عن نفسه، وكان قليل الكلام. وبعد أن أعاد هيرودس يسوع إلى بيلاطس، جلده ثم عرضه على الجمهور، ثم خيّر بين إطلاقه أو إطلاق باراباس، اللص والقاتل،[346] كما هي العادة في العيد، «ولكن رؤساء الكهنة، حرضوا الجموع أن يطالبوا بالأحرى، بإطلاق سراح باراباس» حسب تصريح مرقس 15: 11. وبعد أن غسل يديه أمامهم، ملعنًا براءته من دمه، سلّمه ليصلب.
لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحملها؛ ونحن حسبناه مصابًا مضروبًا من الله ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا ومسحوق لأجل آثامنا، وبجبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا، مال كل واحد إلى طريقه، والربّ وضع عليه إثم جميعنا. ظلم، أما هو فتذلل ولم يفتح فاه! كشاة تساق إلى الذبح وكشاة صامتة أمام جازيها لم يفتح فاه! سكب للموت نفسه، وأحصي مع الأثمة؛ حمل خطيئة كثيرين وشفع في المذنبين. | ||
— أشعياء 4: 12-53. |
بعد أن سلّم بيلاطس يسوع «لإرادتهم» في أن يصلب، اقتاده الجند إلى الفناء الداخلي حيث أعادوا جلده ووضعوا على رأسه تاجًا من شوك هزءًا بوصفه ملك اليهود، وكان الجلد يتمّ بسوط ثلاث الرؤوس، وفي حالات كثيرة مات المحكومون خلاله؛[347] وإذا فرغوا من الجلد والسخرية حمّلوه صليبه ليسير به إلى خارج المدينة نحو تل الجلجثة، وإذ عجز عن متابعة السير ساعده سمعان القيرواني في حمل الصليب، «وتبعه جمع كبير من الشعب، ونساء كنّ يولولنّ ويندبنه» على ما ذكر في لوقا 23: 27؛ وفي الجلجثة صلب مع لصين، آمن به أحدهما، وكانت تهمته معلقة فوق رأسه «يسوع الناصري ملك اليهود» حسب يوحنا 19: 19، وكانت عند الصليب مريم أمه ويوحنا بن زبدي ومريم المجدلية وسالومة، وفي حين اقترع الجند على ثيابه، رفض أن يٌخفف من آلامه بأن يسقى خلاً وخمرًا، وتعرض للسخرية، وألقى سبعة كلمات على الصليب، ثم مات بعد نزاع دام ثلاث ساعات.[348][349]
وإذ كان ذلك، حلّ الظلام على الأرض كلّها، وانشق ستار الهيكل شطرين الفاصل بين قسم العامة، وقدس الأقداس، دلالة على انتفاء الحاجة على وسيط مع الله وفق علم اللاهوت، وتزلزلت الأرض، وطعن جنبه بحربة، فسال منه دم وماء، ولم تكسر عظامه، إذ كان بيلاطس قد طلب أن تكسر عظام المصلوبين لتسريع موتهم، فلا تبق جثثهم على الصليب في سبت الفصح، وآمن به قائد المئة، بينما «الجموع الذين احتشدوا ليراقبوا مشهد الصلب، لما رأوا ما حدث، رجعوا قارعين الصدور» في لوقا 23: 28.
في أعقاب الموت، طلب يوسف الرامي، أحد أعضاء المجلس الأعلى وتلميذ سرّي للمسيح، بأخذ الجثمان، فسمح له بيلاطس بذلك بعد أن تعجب بأنه مات سريعًا. أخذ يوسف الرامي ومعه نيقوديموس الجثمان إلى جانب يوحنا بن زبدي ومن شهد الصلب من النسوة، وقاما تكفينه ووضع الطيوب على جسده، ثم نقله إلى بستان قريب من مكان الصلب، فيه قبر جديد لم يكن قد دفن به أحد بعد.[350]
لو لم يكن المسيح قد قام، لكان إيمانكم عبثًا. | ||
— رسالة كورنثس الأولى 15: 17 |
تعتبر قيامة المسيح أحد أركان الإيمان الأساسية للإيمان المسيحي، وتتمحور حولها معظم الطقوس، وفيها قُبِلَ التكفير عن خطايا البشر وسقطت مفاعيل الخطيئة الأصلية الروحية، ومنها بات مسيحًا ومعلمًا وشفيعًا،[351] وافتتح معها العهد الجديد إلى مجيئه الثاني، وهي أكبر معجزاته، والدليل الأبرز على قيامة الموتى. حفظت في الذاكرة الجمعية «للشهود» وأول وثيقة مكتوبة حولها تعود لحوالي عشرين عامًا بعد حدوثها.[352]
حسب العقائد المسيحية، فإن جسد المسيح المقام هو ذو الطبيعة نفسها التي ستحملها أجساد البشر في القيامة في اليوم الأخير، فمع كونه «مادي» إلا أنه غير قابل للفساد، أو مقيد بحدود الزمان والمكان، وبذلك «لا سلطان للموت عليه».[353] تمت القيامة فجر يوم الأحد، وكانت مريم المجدلية أولى المبشرات، والكفن بقي مجمعًا سالمًا ملفوفًا في مكانه؛ في حين دحرج الحجر عن باب القبر.[354][355] خلال الأربعين يومًا التالية ظهر المسيح لتلاميذه وجماعات أخرى من المؤمنين اثني عشر مرة، قبل أن يصعد إلى السماء حيث هو «حي»، وينتظر المسيحيون «عودته» في «تمام الوقت».
وقد أجلسه عن يمينه في الأماكن السماوية، أرفع جدًا من كل رئاسة وسلطة وقوة وسيادة، ومن كل اسم يُسمى، لا في هذا العالم فحسب، بل في ذلك الآتي أيضًا، وأخضع كلّ شيء تحت قدميه، وإياه جعل فوق كل شيء، رأسًا للكنيسة. | ||
— أفسس 1: 20-22 |
يؤمن المسيحيون أن يسوع هو حي في السماء، وأن جسده بحالة ممجدة فيها،[356][357] وأنه سيعود في آخر الزمان ليقيم حكمًا ألفيًا يبلغ فيه الملكوت ذروته وينتهي بقيامة الموتى وانفتاح العالم المؤقت والفاني على الأبدية والخلود.[358] هذا الملكوت، قد افتتح عن مجيء المسيح الأول وهو مستمر بأشكال جزئيّة داخل الكنيسة وخارجها، حتى تمام الإعلان الإلهي في آخر الأزمنة. يعتقد المسيحيون أيضًا، أن يسوع هو بكر القائمين من بين الأموات، وقد عزّا بموته الإنسان وفتح أبواب الهاوية - وتترجم أيضًا القبر وهي مكان انتظار الأرواح بعد موتها - وبذلك غدا الإنسان بحالة روحية إما يتعذب تكفيرًا أو يتنعم اتحادًا مع الله فيما يشبه نعيم الأرواح، وهذا هو رأي الكنيسة الكاثوليكية وأغلب الكنائس البروتستانتية؛ وانطلاقًا من ذلك، يدعى المخلص، إذ به كما يقول الكتاب المقدس قد صالح الله البشرية مع نفسه، وألغى بقيامته المفاعيل الروحية لسقوط الإنسان، وأعاد بنوّة البشر لله، فيما يعرف بسر الفداء،[359][360][361] أما المفاعيل الجسدية للسقوط أي الموت والألم والشر فستنتهي مع المجيء الثاني تزامنًا مع اكتمال البشرية التي أعدّها الله من قبل تأسيس العالم.
يعتقد المسيحيون أن المسيح هو الموعود به منذ آدم في العهد القديم مرورًا بإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وداود وسواهم من الأنبياء،[362] هذا الموعود قد نال منذ داود لقب مسيح الرب، وتنبأت الأسفار المقدسة بأعماله وكفاحاته ومعجزاته، وبشكل عام فإنّ النبؤات المسيانيّة كانت على الدوام أحد أبرز مواضيع الدراسات والعقائد اليهودية - المسيحية، وبهذا المعنى كان انتظار اليهود للمسيح محوريًا في الديانة وهو ما حققه يسوع إذ أتمّ النبؤات والوعود السابقة،[363] وافتتح العهد الجديد، بعد سلسلة من العهود السابقة، وقدّم العماد والافخارستيا على أنهما رموز العهد الجديد، كما كان الختان رمز العهد الإبراهيمي وحفظ السبت رمز العهد الموسوي، والهيكل رمز العهد الداودي، غير أن هذا العهد الجديد غير ملغ لما قبله بل مكمّل ومطوّر ومتمم له.[364][365] يؤمن المسيحيون أن المسيح حاضر في العالم، حضور سري وروحي لكنه حقيقي، وذلك عن طريق مجموع المؤمنين به أي الكنيسة الجامعة التي تدعى «جسد المسيح السري»،[366] وأيضًا عن طريق سر القربان التي يحتفل به ضمن القداس الإلهي حيث يعتقد أغلب المسيحيين بوجود المسيح السرّي أيضًا فيه «تحت أعراض الخبز».[367]
إن لقب المسيح في جذوره اليهودية - المسيحية، إنما يشير إلى ثلاث صفات في المختار، هي النبي والملك والكاهن، وإن كان النبي قد ظهرت أجلى أطواره في المجيء الأول، والملك في المجيء الثاني، فإن الكاهن هي صفة ما بين المجيئين، وتشير بالمعنى الكتاب لاسيّما الرسالة إلى العبرانيين إلى الشفاعة الخاصة بالمسيح وهي كمال الشفاعات، بل الشفاعة الوحيدة ذات البعد الكفاري؛[368] على أن كلا الصفتين الأخريتين يترافقان، والإشارة هنا إلى الصفة الأجلى. هناك مفهومان آخران يرتبطان في الفكرين الديني اليهودي والمسيحي عن المسيح، وهو ابن الله وابن الإنسان، أما ابن الإنسان، فقد وردت عنه النبؤة في سفر دانيال، بوصفه ملك قادم في آخر الأزمنة لتجتمع تحت رايته كافة الشعوب والقبائل في الأرض، ويجري حكمًا وقضاءً وعدلاً في الأرض، فهو يرتبط إذن باللقب الثاني في المسيح أي الملك؛[369][370] وكذلك حال ابن الله، فإن الفكر الديني اليهودي كان يعتبر المسيح حين يأتي يتمتع بلقب ابن الله إشارة أو استعارة لقربه منه.[358][371]
وأيضًا فإن المسيحيين يؤمنون، بأن المسيح هو رأس البشرية،[372][373] وبكرها،[374] وفيه قد هدمت الحواجز بين الشعوب،[375][376] وأن الأمم قد أعطيت له ميراثًا، وأن الجنة المقبلة، أورشليم الثانية، سيكون رئيسها وفي وسطها.[377][378] وأنّ الله به قد كشف عن ذاته وأعلن سرّ إرادته، وأعتق الجنس البشري من العبودية، وباتوا يدعون أبناء الله، وتستفيض أسفار العهد الجديد في وصف كينونة أبناء الله وإخوة المسيح.[379][380] وأخيرًا، يعتقد المسيحيون أيضًا أن المسيح هو الإنسان الكامل،[381] ومن يتبعه يغدو أكثر كمالاً، وأن الإنجيل الذي قدمه يسوع للعالم يشكل «شريعة العهد الجديد» وهو أساس التعاليم المسيحية إلى جانب مصادر أخرى تستخدم للتفسير ومنها ما يعرف باسم القانون الطبيقي، فالمسيح هو «المعلم» وتعاليمه هي الأصل والأساس الذي يجب أن يُبنى عليه حياة كل إنسان مؤمن بالمسيح.[382]
والكلمة صار بشرًا، وحلّ بيننا، ونحن أبصرنا مجده، مجد ابن وحيد عند الآب، وهو ممتلئ بالنعمة والحق. | ||
— يوحنا 1: 14 |
يؤمن المسيحيون أن المسيح هو كلمة الله، اللوغوس، أي نطق الله،[383] وهي صفة داخلية ذاتية قائمة في الله بلا كيف ولا ابتداء ولا زمان،[384] وبالتالي لا يمكن فصلها عن جوهر الله أو طبيعته، وبالتالي فهي من الإله الحي ذاته دون أن تكون إلهًا قائمًا بذاته، وهو ما اصطلح عليه لفظ «أقنوم».[385][386] ألكسندر الأول بابا الإسكندرية كتب في القرن الرابع يقول، أن «كلمة الله» و«حكمة الله»، هما صفتان إلهيتان لا تتوقفان على مخلوق، وإلا صار الله عرضة للتغيّر كمثل سائر الخلائق في حال اعتبرت الكلمة مخلوقة من العدم.[387]
يؤمن المسيحيون، أن محبة الله للبشر الغير المحدودة وفي ذروة إعلانه عن ذاته لهم، قد دفع لتأنس هذه الكلمة بأن اتخذت في مريم جسدًا بطريقة عجائبية، غير أنها كاملة، أي قبلت التواضع والافتقار والمحدودية التي هي للإنسان الطبيعي، ومجمل هذه العلاقة تترجم بكون المسيح «ابن الله الوحيد» إنما بالصدور، لا بالاتخاذ ولا بالانقسام خلافًا للمعتقدات الوثنية من حيث المنطوق؛ هذا الصدور لا زمن له فهو «منذ البدء»، لأن عالم الألوهة منزّه عن الزمن، وهو صدور باطني كصدور النور من الشمس أي أن المعلول بقي داخل علته كالفكرة في داخل العقل.[388][389][390]
التوسع في الشروح والفلسفات خلال القرون الأولى، قد دفع لظهور مدارس فلسفية كان أشهرها في الزمن القديم مدرسة أنطاكية ومدرسة الإسكندرية، وبينما شددت الأولى على الجانب الإنساني، شددت الثانية على الجانب الإلهي. تزامنًا، ظهر خلافات دفعت - لأسباب وقضايا تنظيمية أخرى - لعقد مجامع مسكونية؛ لقد اقترحت الحركة الآريوسية على سبيل المثال، أن كان هناك زمن لم تكن كلمة الله موجودة - تدعى أيضًا حكمة الله استنادًا إلى نبؤة سفر الأمثال 8 - وبالتالي فهي خليقة وذات جوهر أدنى من الجوهر الإلهي العام،[391] فحرمت وصيغ بسببها قانون إيمان مجمع نيقية.[392] لاحقًا ارتكز الخلاف على علاقة الطبيعتين ببعضهما البعض، قبل أن توضح المجامع اللاحقة لاسيّما مجمعي أفسس وخلقيدونية هذه العلاقة بكونها قد اتحدت بلا امتزاج ولا اختلاط ولا انفصال ولا تبديل في شخص المسيح،[393][394] وتشبّه عادة بعلاقة النور مع النار أو علاقة الحديد الملقى في النار فهو يحمل في آن توهج النار وطبيعة الحديد، وبينما كان المجيء الأول مرتكزًا على الطبيعة الإنسانيّة فإن سفر الرؤيا 1 يوضح الطبيعة الثانية التي تظهر بجلاء في المجيء الثاني.
خلال القرن الرابع، نادى آريوس، بأنّ الابن والروح لا يشاركان الآب في كلية القدرة والأزلية في الزمن، ونفى المساواة في الجوهر الإلهي؛[395] فعقد في للتباحث في قضيته عدة مجامع محليّة ثم مجمع نيقية والذي أفضى لحرمه. حسب العقيدة الآريوسية، فإنه لو كان الابن أزليًا، فإن هذا سيقود حكمًا لاعتباره كما الآب مبدأً وأساسًا لكل مخلوق، وبما أن العقل لا يمكن أن يقر بمبدأين وأساسين فالابن إذًا بالرغم من أنه موجود قبل كل الخليقة وقبل كل الأزمنة، إلا أنه يرتبط بالآب الذي كان قبله وأخذ منه كيانه؛ هذا يعني أن الابن لم يكن موجودًا في وقت من الأوقات، أي أنه والروح القدس لا يشتركان مع الآب في صفة الأزلية.[396][397]
في النسطورية يسوع مكون من طبيعتين لا تقبلا المزج، إلهية وهو الكلمة، وإنسانية أو بشرية هي الجسد، فبحسب النسطورية لا يوجد اتحاد بين الطبيعتين البشرية والإلهية في شخص يسوع. بل هناك مجرد صلة بين إنسان والألوهة، وبالتالي لا يجوز إطلاق اسم والدة الإله على مريم كما تفعل الكنائس المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية، لأن مريم بحسب النسطورية لم تلد إلها بل إنسانا فقط حلت عليه كلمة الله أثناء العماد وفارقته عند الصليب.[398]
في القرن التاسع عشر، نادى القس شارل تاز بكون المسيح المخلوق البشري الأقرب إلى الله،[399] وظهرت طائفة المورمون التي اعتقدت بأن يسوع، التي شاركت عموم المسيحيين في مختلف العقائد، فهو ابن الله الوحيد المولود بالجسد، وهو المخلص الذي من خلاله أعد الآب السماوي طريقًا لجميع البشر لكي يكونوا مثله ولكي يعودوا ويحيوا معه للأبد؛ وأن به قد تم الخلق، وأنه ولد من مريم العذراء وخلال حياته على الأرض قدم للإنسان حياة مثالية لكي يحتذى بها، وعلم الجموع بالكلمة وبالأمثلة، واجترح المعجزات؛ غير أن الجديد لدى المورمون فهو أنّ العهد الجديد قد دوّن جزءًا من حياة المسيح، وفي كتاب المورمون تكملة لحياة يسوع على الأرض بعد قيامته حيث ظهر لشعبه في القارة الأمريكية القديمة، حيث يعتقد المورمون بأن كتاب مورمون الذي دونه جوزيف سميث بطريق الوحي هو شاهد آخر إضافة للكتاب المقدس على حياة وتعاليم المسيح. أيضًا فإنه بالنسبة للمورمون، فإن يسوع هو أحد أعضاء الثالوث الأقدس الذي هو الإله المتحد في العلة والسبب وليس في الجوهر.[400]
أما شهود يهوه، فقد وضعوا يسوع في مرتبة منتصفة، فهو ليس إنسانًا وليس إلهًا، بل مخلوق روحاني قدير وملك سيحكم العالم في يوم ما باسم يهوه، وقد نال لقب المسيح في نهر الأردن على المعمدان، كذلك فإن الشهود يؤمنون بأنّ الله خلق المسيح قبل كل الخليقة، وبه خلق كل شيء، أي أن يسوع هو المخلوق الوحيد الذي خلق مباشرة من قبل الله، وهو الناطق باسمه. يعتقد الشهود أنه قتل صلبًا على عمود وليس على صليب وأنّ قيامته كانت كشخص روحاني وليس مادي، وصعد إلى السماء وجلس عن يمين يهوه منتظرًا أن يستلم حكمه الملكي والذي ناله وبدأ يحكم كملك، وسوف يأتي في يوم ما ليشن حرباً ليهلك الأمم الشريرة وليحفظ أتباعه الأبرار، بعد انتصاره في معركة هرمجدون، وبعدها سيحيا أتباعه في كنفه بسلام عظيم كرعايا أرضيين لملك يهوه السماوي حيث سينهي المرض والموت والجوع.[401]
لا يعتبر يسوع في اليهودية شخصية مرسلة من قبل الإله، فهو ليس الماشيح ولا حتى نبي بوصفه لم يتمم النبؤات الكتابية حوله ولم تقبل اليهودية أبدًا أيًا من الإنجازات المزعومة للنبوة التي تنسبها المسيحية إلى يسوع؛ وفقًا للمعتقدات اليهودية، تستبعد التوراة وجود إله ثالوثي في التثنية (6: 4): "اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا، إله واحد" تعلم اليهودية أنه من الهرطقة أن يدعي أي إنسان أنه الله، أو جزء من الله، أو ابن الله الحقيقي. يذكر التلمود المقدس صراحة: "إذا ادعى الإنسان أنه الله فهو كاذب".[402] الانتقادات اليهودية لشخص يسوع بدأت منذ رسالته، إذ تذكر الأناجيل وصفه من قبل رجال الدين اليهود بالممسوس من قبل الشيطان؛ وأراد الحاخام الأكبر جمالائيل الثاني بعد خراب الهيكل عام 70 أن يضيف في الصلوات اليومية لعنات ضد المارقين على اليهودية ومن بينهم حسب رأيه يسوع، إلا أنه عاد وعدل عن ذلك؛[403] في حين قال الرابي موسى بن ميمون في كتابه «ميشناه التوراة»،[404]
أما عن يسوع الناصري الذي ادعى أنه المسيّا، وقُتل بأمر المحكمة، كان النبي دانيال قد سبق وتنبأ عنه: "وأطفال ثوار شعبك سيرفعون أنفسهم لمرتبة النبوة فيتعثرون"، فهل يمكن أن توجد صخرة عثرة أكبر من هذه؟ كل الأنبياء أجمعوا على أن المسيّا سوف يخلص إسرائيل وينقذه وبأنه سيجمع المشتتين ويقيم الوصايا، بينما سبب الناصري ضياع إسرائيل بحد السيف وتفرق من تبقى منهم في كل مكان، كما أنه غيّر التوراة وتسبب بحصول خطأ فظيع." |
الانتقاد اليهودي ليسوع يعود فترة طويلة؛ ويتضمن التلمود، والذي كتب وجمع من القرن الثالث إلى القرن الخامس الميلادي،[405] قصصًا كانت تعتبر خلال العصور الوسطى حكايات مسيئة عن يسوع.[406] وفي واحدة من هذه القصص، يوصف («يسوع الناصري»)، كمرتد بذيء من قبل المحكمة اليهودية العليا واتُّهم بنشر عبادة الأصنام وممارسة السحر.[407] وغالبية العلماء المعاصرين يعتبرون أن هذه المادة لا توفر أي معلومات عن يسوع التاريخي.[408] ويعتبر علماء التلمود المعاصرين هذه تعليقات تتطرق إلى العلاقة بين اليهود والمسيحيين أو الطوائف الأخرى، بدلاً من التعليقات على يسوع التاريخي.[409][410] ويحتوي الأدب العبري في العصور الوسطى على «حياة يسوع» القصصية والمعروفة أيضًا باسم طليدوت يشو (بالعبريَّة: ספר תולדות ישו)، والتي وصف فيها يسوع بأنه ابن يوسف النجار، كابن بانديرا الروماني. ويصور النص يسوع كمحتال.[411]
كذلك فإن اليهودية الإصلاحية تعلن بشكل صارم بأن كل يهودي يصرح بأن يسوع هو المسيح المخلص فهو ليس بيهودي بعد، فبحسب التقليد اليهودي فإن السماء لم ترسل أنبياء بعد عام 420 ق.م،[412] فيكون بذلك النبي ملاخي هو آخر الأنبياء في اليهودية وهو سابق للمسيح بأربعة قرون. لم يمنع ذلك، مدح بعض الشخصيات اليهودية يسوع والكتابة عنه بشكل إيجابي، منهم الفيلسوف التشكيكي باروخ سبينوزا الذي اعتبره لا نبيًا فحسب بل «صوت الله»،[413] وموسى مندلسون وهو من مفكرين حركة التنوير اليهودية الذي اعتبر يسوع معلمًا أخلاقيًا ويهوديًا،[414] والفيلسوف اليهودي مارتن بوبر الذي اعتبر يسوع شخصية ذات شأن.[415]
يسوع في الإسلام يدعى عيسى بن مريم، ويقول الباحث فراس السواح أن القرآن أعطى ألقابًا لعيسى تزيد عما أعطي لأي شخصية دينية أخرى فهو النبي والمبارك ورسول الله وكلمة الله وروح الله وقول الحق وآية للناس ورحمة من الله ووجيه في الدنيا والآخرة ومن المقربين لله.[416] وقد حفلت بأخباره بشكل رئيسي ثلاث سور في القرآن هي سورة آل عمران وسورة مريم وسورة المائدة، بالإضافة إلى ما ورد متفرقًا في سور أخرى. وقد ورد ذكره في القرآن نحو خمس وثلاثين مرة بخمس صيغ هي عيسى أو عيسى ابن مريم أو المسيح ابن مريم أو المسيح أو المسيح عيسى بن مريم؛ ليحلّ بذلك ثالثًا من حيث عدد المرات التي ذكر بها أشخاص في القرآن بعد إبراهيم وموسى.[417]
من الصعب العثور على جذر عربي واضح لاسم عيسى، ويرى عدد من الباحثين أنه تعريب لاسم إيسوس اليوناني (باليونانية: Ιησούς)، أو إيسَ نظرًا لكون لازمة «وس» تلحق بجميع أسماء الأعلام في اللغة اليونانية،[53][418] ويرى العدد الآخر من الباحثين أن اللفظ هو اللفظ الذي كان سائدًا في شمال شبه الجزيرة العربية وهي ظاهرة متكررة مع سائر أسماء الأنبياء، فالقرآن يقول يحيى لا يوحنّا وإلياس لا إيليا وإدريس لا أخنوخ.[419]
في الواقع، فإن نقاط الائتلاف بين الرواية المسيحية والرواية الإسلامية لحياته وطبيعته تفوق نقاط الاختلاف، رغم كون نقاط الاختلاف جوهرية عند وقوعها. فكيفية الحبل به وبشارة مريم ومكانتها هي واحدة في الروايتين،[420] وذكر القرآن لكونها قد ولدته تحت جذع نخلة لا يناقض الإنجيل الذي لا يذكر به لحظة الولادة، ما يؤدي أقله لكون الرواية القرآنية لا تنفي الرواية الإنجيلية أو تخالفها. أما حديث عيسى في المهد وظهور براءة مريم كما تذكر في القرآن فتغيب عن الأناجيل الرسمية لكنها تظهر في الأناجيل المنحولة خصوصًا «أناجيل الطفولة» ومن هذه الأحداث نفخ عيسى في طيور مصنوعة من طين فتحولت إلى طيور حقيقية، وهي مذكورة في إنجيل توما وسورة آل عمران. ومن المعلوم، أن الكنيسة وإن رفضت هذه الأناجيل غير أن بعضًا من أحداثها قد أثبته آباء الكنيسة وأدرج في إطار التقاليد الكنسية اللاحقة.[421]
أما عن أعماله اللاحقة فتتفق الروايتان حول إقامة الموتى وإبراء البرص والعميان وإنزال مائدة من السماء والتي وجدها البعض تقابل تكثير الخبز في الأناجيل الأربعة وتحليل بعض ما حرمت الشريعة اليهودية،[422] وملخص القول، أنه على الرغم من عدم تفصيل القرآن لأي معجزة من معجزاته إلا أنه يتفق مع ما جاء في الإنجيل من حيث العناوين العريضة لهذه المعجزات دون خلاف
أيضًا فإن فراس السواح يعرض في كتابه «الإنجيل برواية القرآن» قائمة من خمسين قولاً منسوبة في الإنجيل ليسوع وترد في القرآن بالسياق والمعنى نفسه دون أن تكون منسوبة لشخصه، ما يدلّ - حسب رأي السواح - إلى تشابه في الجوهر المشترك لتعاليم يسوع وتعاليم القرآن؛ على سبيل المثال يقول يسوع في إنجيل لوقا: "تأملوا الطيور، إنها لا تزرع ولا تحصد... والله يقيتها. كم أنتم بالحري أفضل من طيور كثيرة." لوقا 12/24] ويقابلها في القرآن: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ٦٠﴾.[423] كما أن تفاصيل يوم القيامة وما سيسبقه من زلزلة ونفخ في الصور وظهور الدجال هي متطابقة في تعليم يسوع وتعليم سفر رؤيا يوحنا والرواية الإسلامية للأحداث، مع بعض الاختلافات في التفاصيل، وتفسير الكنيسة لبعض هذه الأحداث بالمعنى المجازي في حين تمسك الإسلام بحرفيتها.[424]
أما الاختلافات الجوهرية تحصر في نطاقين، النطاق الأول هو موضوع الصلب، فقد جاء في القرآن: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ١٥٧ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ١٥٨﴾ [النساء:157–158].[425] وقد اختلف فقهاء المسلمين في تفسير الآية السابقة فمال البعض للقول بأن أحد التلاميذ الاثني عشر أو الحواريين كما يدعو في القرآن قد صلب مكان عيسى برضاه لقاء دخول الجنة، وذهب البعض الآخر حديثًا للقول بأن يهوذا الاسخريوطي مسلّم المسيح هو من تمّ صلبه كعقاب له على خيانة معلمه.[426] أما الجدل الأعمق فهو بخصوص موت المسيح وبعثه اللاحق، ومن الآيات التي أشارت إلى ذلك: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ٣٣﴾[427] وفي موضع آخر: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ٥٥﴾[428] فقال البعض من الفقهاء أن الوفاة المذكورة هي وفاة النوم لا وفاة الموت، وأشار البعض الآخر إلى نوع من التقديم والتأخير، أي أن معنى الآية ارتفاع عيسى إلى السماء أولاً على أن يكون موته بعد عودته قبيل يوم القيامة، وجاء الرأي الثالث بأن وفاةً طبيعية حدثت لعيسى وأن بعثه لم يتم إنما سيتم في اليوم الأخير، أما الرأي الرابع مفاده أن الله قد أمات عيسى ثم بعثه من الموت بعد ذلك ورفعه إليه. يلاحظ التقارب بين عناصر الرواية الإنجيلية والرواية القرآنية في عدد من التفاسير السابقة فكلاهما ينصّ على موت ثم بعث ورفع.
غير أن الجدال لم يحسم حتى الآن بين مؤيدي النظريات الأربع السابقة، وربما ما يساهم في استمرار الجدال كون القرآن والحديث لا يقدمان أية إجابات واضحة وحاسمة حول الطريقة التي نجا بها عيسى من الصلب وأين كان بعد نجاته وأين توفي أو متى؟ بل أين موقعه الحالي؟.[431] وبكل الأحوال فإن القرآن لا يشير إلى دور خلاصي في وفاة عيسى والتي تعتبر أحد أركان العقيدة المسيحية؛ على أن الكتابات الغنوصية وهي طائفة مسيحية مزجت بين الديانات الإغريقية القديمة والمسيحية رفضت صوفيًا موت يسوع وهو ما أشار إليه القرآن: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ١٥٧ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ١٥٨﴾.[432]
أما النطاق الثاني للخلاف، فهو موضوع ألوهة يسوع أو كونه الابن، حيث تظهره العقائد الإسلامية بمظهر النبي والرسول إنما تحت إمرة الله؛ ومن الملاحظ أن المسيحية لا تنفي كون يسوع نبيًا أو رسولاً فبوصفه «المسيح» فقد جمع ثلاث صفات هي النبي والكاهن والملك.[433] أما نقد كونه ذو طبيعة إلهية أو ابن الله فهناك العديد من الآيات التي تفيد ذلك: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ٩١﴾.[434] وفي موضع آخر: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ٧٢﴾.[435]
يعتقد المسلمون أن المسيح رسول الله من أولي العزم من الرسل. ويجلّون ذكراه ويسلّمون عليه وعلى كل الأنبياء، ويتسمون باسمه عيسى وباسم أمّه مريم كما يعتقدون بأن المسيح سيأتي لينصر المسلمين والمؤمنين بالله، آخر الزمان، فيملأ الأرض عدلاً وقسطًا.[436] كما يؤمن المسلمون أن المسيح قد تنبأ بقدوم محمد ليكون آخر الأنبياء وخاتمهم،[436] لما جاء في القرآن: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ٦﴾[437] ويقول علماء الشريعة الإسلامية أن «أحمد» المذكور هو نفسه محمد لعدّة أسباب منها أن هذه البشارة بهذا الاسم نزلت في لغة غير عربية، واللغات لا تتطابق فيها الأسماء تمام المطابقة، فقد يقرأ الاسم الواحد بأكثر من لفظ لضرورة الترجمة، مثل «إبراهيم»، فهو يُقرأ «إبراهام» ويقرأ «إبراهوم» في قراءات القرآن الكريم، ولم يقل أحد أن الاسم الأول غير الاسم الثاني، ولكن جرى التسامح في رسمها ونطقها لاختلاف اللغة.[438]
وفقًا لابن حَيُّون، وهو فقيه مسلم شهير من العصر الفاطمي، يُشار إلى عيسى بن مريم في القرآن على أنه المَسِيح لأنه أُرسل إلى الأشخاص الذين استجابوا له من أجل إزالة شوائبهم وأمراض إيمانهم الظاهريَّة أو الباطنيَّة. يتطرق ابن حَيُّون في عمله «أساس التأويل الباطن» عن الولادة الروحية لعيسى بن مريم، كتفسير لقصته عن ولادته الجسدية الظاهرة المذكورة في القرآن. ويقول إن مريم، والدة عيسى، هي استعارة لشخص رعى وعلم يسوع، بدلاً من أمه التي ولدته جسديًا. يُوضح ابن حَيُّون أن عيسى كان من ذرية إبراهيم الطاهرة، تمامًا كما كان علي بن أبي طالب وأبناؤه من ذرية محمد الطاهرة عبر فاطمة الزهراء.[439]
الجماعة الإسلامية الأحمدية لها العديد من التعاليم المتميزة عن يسوع (عيسى بن مريم).[440] ويعتقد الأحمديون أنه مات ميتة عادية فلم يُقتل ولم يُصلب، ونجا من صلبه وتوفي بموت طبيعي عن عمر يناهز 120 عامًا في كشمير بالهند، ودُفن في روزا بال.[441]
تتضمن عقيدة الموحدين الدروز بعض العناصر المسيحية،[444] في العقيدة الدرزية، يُعتبر يسوع المسيح المنتظر وأحد أنبياء الله المهمين،[442][443] ويُعتبر يسوع أو عيسى بن مريم من الأنبياء السبعة الذين ظهروا في فترات مختلفة من التاريخ حسب المذهب الدرزي.[9][445][446][447] وتُعلم العقيدة الدرزية أنَّ المسيحية يجب «تقديرها ومدحها»، كما ويُكرّم الدروز يسوع «ابن يوسف ومريم» وأربعة من تلاميذه الذين كتبوا الأناجيل.[448] في التقليد الدرزي، يُعرف يسوع بثلاثة ألقاب: «مسيح الحق»، و«مسيح الأمم»، و«مسيح الخطاة». ويرجع هذا، على التوالي، إلى الاعتقاد في الديانة الدرزية بأن يسوع قد أوصل رسالة الإنجيل الحقيقية، والاعتقاد بأنه كان مخلص جميع الأمم، والاعتقاد بأنه من يغفر الخطايا.[449]
أما النظرة الدرزية ليسوع أو عيسى بن مريم كما يَقُول القرآن، فهي تتفق مع المسيحية بكونه المسيح وبصحة الميلاد العذري، واجتراح عجائب وآيات، والعودة في آخر الزمان، وتعتبره نبيًا بيد أنها تنفي الصلب، وأنه إله أو ابن إله، والدور الكفاري، والبعد الماورائي. وفقًا للمخطوطات الدرزية، فإن يسوع هو الإمام الأكبر وتجسد العقل المطلق (عقل) على الأرض والمبدأ الكوني الأول (الحد)،[448] كما ويُعتبر كل من يسوع وحمزة بن علي بن أحمد الزَّوزَني تجسيدًا لواحد من خمس قوى سماوية عظيمة، والتي تُشكل جزءًا من نظامهم.[450] يعتقد الدروز أن حمزة بن علي بن أحمد الزَّوزَني كان تناسخًا أو تقمصًا ليسوع،[451] وأنَّ حمزة بن علي بن أحمد هو المسيح الحقيقي، الذي وجه أعمال المسيح يسوع «ابن يوسف ومريم»، ولكن عندما انحرف المسيح يسوع «ابن يوسف ومريم» عن طريق المسيح الحقيقي، ملأ حمزة بن علي قلوب اليهود حقدًا عليه - ولهذا السبب صلبوه بحسب المخطوطات الدرزية.[448][452] وعلى الرغم من ذلك، أنزله حمزة بن علي عن الصليب وسمح له بالعودة إلى أهله، لتهيئة الرجال للدعوة في دينه.[448]
في رسالة منسوبة إلى المقتنى بهاء الدين أحد مؤسسي مذهب الموحدين الدروز،[453] ويُرجح أنها كتبت في وقت ما بين عام 1027 وعام 1042، اتهم فيها اليهود بصلب يسوع.[454]
العديد من البوذيين - بما فيهم تينزن غياتسو، الدالاي لاما الرابع عشر - ينظرون إلى يسوع على أنه بوديساتفا عظيم،[455] أي أنهم يعتقدون بوصوله إلى أقصى درجات البوذية الروحية، وبأنه قضى حياته بصنع الخير لبني البشر، وقد لاحظ الحكماء البوذيون دائما التشابه الكبير بين تعاليم يسوع وبوذا، ليس من ناحية أن كلا الرجلين دعا للمحبة والتسامح فقط بل أيضًا من ناحية أخذهما ذات الموقف من الأديان التي كانت سائدة في أيامهما فقد احترماها وانتقداها في نفس الوقت وقد يكون تشبيه يسوع لرجال الدين اليهود «بالأعمى الذي يقود أعمى» والوارد في كتاب سوترا بيتاكا البوذي أبرز نقاط التشابه؛ وكخلاصة يمكن القول أنهما كانا مصلحين دينيين أيضًا. بيد أنه في العقائد الدينية، لا يوجد أي تشابه بين الشخصين، فلم يؤثر عن بوذا أنه مخلص لشعبه أو ولادته من عذراء ولم تقدره البوذية كإله أو كابن الله، وكذلك فقد ركز بوذا على التمارين الصوفية المعمقة وتنمية المعرفة الحسيّة في حين لا وجود لمثل هذه التعاليم لدى يسوع.[456] وعندما اكتشف إنجيل توما ـ أحد الكتب غير القانونية بالنسبة للكنيسة ـ عام 1945م، ربط بعض الباحثين بين محتواه وما بين التصورات الروحية البوذية والشرقية عمومًا.[457]
للهندوس اعتقادات مختلفة عن يسوع، فالبعض يعتقد بأنه كان رجلا عاديًا، والبعض منهم ينظرون إلى يسوع على أنه "جورو" – أي المعلم الهندوسي الذي قطع شوطا طويلا في بلوغ الحكمة،[458] أو بأنه "يوجي" – أي خبير بممارسة اليوغا، ولكنه لم يكن إلهاً، والعديد من أتباع تقليد "يوغا سرات شبدا"، أي اتحاد الروح مع الكائن الأسمى" مثل سوامي فيفيكانادا، أحد كبار القادة الروحيين لفلسفة الفيدانتا والذي عاش في القرن التاسع عشر، يعتبرون يسوع بأنه منبع للاستقامة وبأنه خلاصة الكمال.
أما بالنسبة لباراماهانسا يوجاناندا الذي لعب دورًا رئيسيًا في جلب فلسفة اليوغا إلى الغرب وكان يعتقد بأن يسوع كان إعادة لتجسد النبي اليسع وبأنه كان تلميذًا ليوحنا المعمدان الذي كان بدوره إعادة لتجسد النبي إيليا، حيث النبي اليسع كان تلميذًا للنبي إيليا، وكلاهما من أنبياء العهد القديم.
وقد اعتبر المهاتما غاندي يسوع كأحد معلميه الرئيسيين وبأنه ملهمه في فلسفة المقاومة السلمية أو فلسفة اللاعنف، ومن أقواله الشهيرة عن يسوع قوله للإنكليز: «أحب مسيحكم، ولكني لا أحب مسيحييكم فهم بعيدون جدًا عن أن يكونوا كالمسيح.[459]»
في الغنوصية المسيحية (والتي أصبحت الآن حركة دينية منقرضة إلى حد كبير)،[460] أُرسل يسوع من العالم الإلهي وقدم المعرفة السرية (غنوسيس) اللازمة للخلاص. يعتقد معظم الغنوصيين أن يسوع كان إنساناً أصبح يمتلكه روح «المسيح» في معموديته. وتركت هذه الروح جسد يسوع أثناء صلبه، لكنها انضمت إليه عندما قام من الأموات. لكن بعض الغنوصيين، على الرغم من ذلك، كانوا من الدوسيتيين، اعتقدوا أن يسوع ليس له وجود حقيقي لأن الجسد مادي والمادة ليس لها وجود فعلي حقيقي في اعتقادهم. وقبلت المانوية، وهي طائفة غنوصية، يسوع كنبي، بالإضافة إلى تبجيل كل من غوتاما بودا وزرادشت.[461][462]
تعتبر الديانة البهائية يسوع ومحمد بن عبد الله وجواتاما بوذا وآخرين بأنهم جميعًا أنبياء لله، وبينما يوجد هناك وجهات نظر بهائية تتفق مع تلك المسيحية عن يسوع فإن المسيحيين يرفضونها تمامًا.[463] وتعتبر التعاليم البهائية أن يسوع هو مظهر من مظاهر الله، وهو المفهوم البهائي للأنبياء - الوسطاء بين الله والبشريّة،[8] ليكون بمثابة الرسول الذي يعكس صفات الله.[464] ويُؤمن البهائيون بالولادة العذرية والصلب،[8] لكنهم يرون أن قيامة ومعجزات يسوع رمزية.[8] تنظر الديانة المندائية إلى يسوع على أنه نبي مخادع أو المسيح الكاذب أنتجته خرافات إله اليهود في كتاب العهد القديم، وبأنه كان خصمًا للنبي الصالح يوحنا المعمدان، ومع هذا فإنهم يؤمنون بأن يوحنا قد عمَّد يسوع.[465]
أما حركة العصر الجديد (بالإنجليزية: The New Age) آراء وتصورات عديدة عن شخصية يسوع، فالبعض منهم يعتبره المعلم العظيم أو السيد العلِّي على غرار بوذا، الذي علم الناس بأن المسيحانية هي شيء يمكن لأي إنسان بلوغه. وفي نفس الوقت العديد من مبادئ حركة العصر الجديد كالتقمص تتعارض وتتضارب مع تعاليم المسيحية التقليدية، وهناك بعض جماعات هذه الحركة تعتقد بأن يسوع درس الحكمة في جبال الهملايا أو في مصر خلال سنوات حياته الضائعة، أي خلال فترة تقريبية ما بين طفولته وبداية عمله التبشيري عندما بلغ الثلاثين والتي لم يتحدث عنها الكتاب المقدس. ويعتبر يسوع في السيناتولوجيا (إلى جانب شخصيات دينية أخرى مثل زرادشت ومحمد وبوذا) جزء من «تراثها الديني».[10][466] ويعتبر يسوع إلى جانب كل من غوتاما بودا ولاوتزه وفوشى من الشخصيات المبجلة في معتقدات كاو دائية.
هناك العديد من علماء الأخلاق ممن شددوا على القيم الأخلاقية التي نادى بها يسوع، مثل جاري ويلس الذي بين أن هناك تمايز بين أخلاقيات يسوع والأخلاقيات المعتادة للمسيحية، وقد صور يسوع على أنه الواعظ المتجول، الذي علّم عن السلام والمحبة وحقوق المرأة والأطفال، وخاصم القادة الدينيين والمرائين والأغنياء، وقد أيَّد وأكَّد على هذه المبادئ الأخلاقية الكثير من المدافعين عن حقوق الإنسان والملحدين واللاأدريين. ويرفض الملحدين ألوهية يسوع، لكن لدى العديد منهم آراء مختلفة حول تعاليم يسوع الأخلاقيّة. على سبيل المثال، أطلق ريتشارد دوكينز على يسوع «معلم أخلاقي كبير».[467]
... Druze belief, there were seven prophets at different periods in history: Adam, Noah, Abraham, Moses, Jesus, Mohammad and Muhammad Ibn Isma'il — the founder of Isma'iliyya....
Etymology: Medieval Latin, in the year of our Lord
{{استشهاد ويب}}
: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
{{استشهاد ويب}}
: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
{{استشهاد ويب}}
: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
{{استشهاد ويب}}
: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
{{استشهاد بدورية محكمة}}
: تحقق من التاريخ في: |تاريخ=
(مساعدة)
... Druze believe in seven prophets: Adam, Noah, Abraham, Moses, Jesus, Muhammad, and Muhammad ibn Ismail ad-Darazi....
... The prophetic succession tallies in general with the preceding Ismā'īliyyah series of seven. Adam heads the list which includes Noah, Abraham, Moses, Jesus (ëĪsa ibnYūsuf), Muḥammad, and Muḥammad ibn Ismāëil.....
... The basic element in the Druze faith, according to the author, is the belief in seven prophets — Adam, Noah, Abraham, Moses, Jesus, Muhammad, and Muhammad ibn Ismai.....
Jesus is known in the Druze tradition as the "True Messiah" (al-Masih al-Haq), for he delivered what Druzes view as the true message. He is also referred to as the "Messiah of the Nations" (Masih al-Umam) because he was sent to the world as "Masih of Sins" because he is the one who forgives.
They further believe that Hamza ibn Ali was a reincarnation of many prophets, including Christ, Plato, Aristotle.
...One example of Druze anti—Jewish bias is contained in an epistle ascribed to one of the founders of Druzism, Baha al-Din
{{استشهاد بكتاب}}
: |عمل=
تُجوهل (مساعدة)