غازات الدفيئة أو غازات الاحتباس الحراري[1] (بالإنجليزية: Greenhouse gases) ويشارُ إليها أحياناً برمز GhG أو GHG اختصاراً) هي غازاتٌ موجودة في الغلاف الجوي لكوكب الأرض (بالإنجليزية: Atmosphere)، وتتميز بقدرتها على امتصاص الأشعةِ تحتِ الحمراءِ التي تطلقها الأرضُ وتعيد إطلاقها مما يؤدي لرفع درجة حرارة الهواء، وبذلك تقلل من ضياع الحرارةِ من الأرض إلى الفضاء مما يجعلها تساهم في تسخين جوِّ الأرض، وبناءً عليه تسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري والاحترار العالمي.[2][3][4] من دون غازات الاحتباس الحراري سيكون متوسط درجة حرارة سطح الأرض حوالي (-18) درجة مئوية (تعادل 0 درجة فهرنهايت) [5] بدلاً من المتوسط الحالي البالغ (15) درجة مئوية (59 درجة فهرنهايت).[6] [7] [8] تعد الصين أكبر دولةٍ حالياً في حجم انبعاثات غازات الدفيئة الضارة التي تنبعث بصفةٍ رئيسةٍ من محطات القوى العاملة بالفحم أو النفط ومن عوادم السيارات. تحتوي أجواء كواكبِ الزُّهرة والمريخ وتيتان على غازاتِ دفيئةٍ أيضاً.
أضحى من الثابت علمياً أن تراكم الأكاسيد الكربونية (CO) وأكاسيد النيتريت (NO) والمعروفةِ بغازاتِ الاحتباسِ الحراري في طبقةِ «الاستراتوسفير» يعيقُ نفوذ الأشعةِ الشمسيةِ المنعكسةِ من سطح الأرض إلى الفضاء الخارجي حيث إنها تمتص الإشعاع الشمسي الحراري ذي الموجة الطويلة (الأشعة تحت الحمراء) وتبقيه حبيس الغلاف الجوي مما يرفع درجة حرارة الأرض، ويشكل خطراً على المناخ والبيئة والصحة. هذه الظاهرة هي ما يطلَق عليها «الاحتباسِ الحراريّ» (بالإنجليزية: Global Warming).
تكمن المشكلة الرئيسية في تزايد غازات الاحتباس الحراري، وأهمها غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن احتراق الوقود الأحفوري سواءً من المنشآت الصناعية أو من محطات الطاقة أو من وسائل المواصلات، إذ يُطلق منه سنوياً ما يزيد عن عشرين مليار طنٍّ في جوِّ الأرض وهي نسبة تمثل (0,7 %) من كمية الغاز الموجودة طبيعياً في الهواء.
بقيت نسب غازات الدفيئة في الغلاف الجوي حتى ما قبل الثورة الصناعية ثابتةً تقريباً، لكن النشاطَ البشري منذ بداية الثورة الصناعية (حوالي العام 1750) أفضى إلى زيادةٍ بنسبةِ خمسةٍ وأربعين بالمئة (45٪) في تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي؛ من مئتين وثمانين (280) جزيئاً في المليون عامَ 1750 إلى أربعمئةٍ وخمسة عشر (415) جزيئاً في المليون عام 2019.[9] وآخر مرةٍ كان فيها تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بهذه السويّة المرتفعة كانت منذ أكثر من ثلاثةِ ملايين سنة.[10] حدثت هذه الزيادة على الرغم من امتصاص أكثرَ من نصف الانبعاثاتِ من قبل «المصارفِ» الطبيعية المختلفة المشاركة في دورة الكربون.[11] [12] [كعملية التمثيل الضوئي في النبات على سبيل المثال].
وفي ظل معدلات انبعاث غازات الاحتباس الحراري الحالية يمكن أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين (3.6 درجة فهرنهايت)، وهو الحد الأقصى الذي حددته «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» (بالإنجليزية: Intergovernmental Panel on Climate Change) (أو اختصاراً IPCC) التابعة للأمم المتحدة لتجنب المستويات «الخطرة» بحلول العام 2036.[13] تتأتّى الغالبية العظمى من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون البشرية المنشأ من احتراق الوقود الأحفوري -وخاصةً الفحم الحجري والنفط والغاز الطبيعي- مع مساهماتٍ إضافيةٍ تنتج من إزالة الغابات والغطاء النباتي والتغيرات الأخرى في استخدام الأراضي[14] [15] [كظاهرة التصحر على سبيل المثال].
المكونات الرئيسية للغلاف الجوي الأرضي هي غازات: النيتروجين (الآزوت) (N2) بنسبة (78٪)، والأكسجين (O2) بنسبة (21٪)، والأرجون (Ar) بنسبة (0.9٪) وهي لا تعتبر من غازاتِ الدفيئةِ لأن جزيئاتِ الغاز التي تحتوي ذرتين من العنصر نفسه مثل الآزوت والأكسجين ليس لها صافي تغير في توزيع شحناتها الكهربائية عندما تهتز [بمعنى مستقرة كهربياً]، والغازات أحادية الذرة مثل الأرجون (غازات خاملة) ليس لها أوضاع اهتزازية، ومن ثَمّ فهي غير متأثرةٍ تقريباً بالأشعةِ تحتَ الحمراءِ. بعض الجزيئات -والتي تحتوي على ذرتين فقط من عناصرَ مختلفةٍ- مثلُ أولِ أكسيدِ الكربون (CO) وكلوريد الهيدروجين (HCl) تمتص الأشعة تحت الحمراء، لكنّ هذه الجزيئاتِ قصيرةُ العمر في الغلافِ الجوي بسبب تفاعلها أو قابليتها للذوبان، لذلك فهي لاتساهم بشكلٍ كبيرٍ في ظاهرة الاحتباس الحراري وغالباً ما تُحذف عند تناول غازات الدفيئة.
غازات الدفيئة أو غازات الاحتباس الحراري -أو ما يعرف (بالإنجليزية: Greenhouse gases)- هي تلك الغازات التي تمتص وتنبعث منها الأشعة تحت الحمراء في نطاق الطول الموجي المنبعث من الأرض. ثاني أكسيد الكربون (0.04٪)، وأكسيد النيتروز، والميثان، والأوزون وهي عبارة عن غازاتٍ نادرةٍ يمثل وجودها ما يقرب من واحدٍ بالألف من الغلاف الجوي للأرض، ولكن تأثيرها كبير على ظاهرة الاحتباس الحراري.
وأكثر غازات الدفيئة وفرةً في الغلاف الجوي الأرضي بالترتيب هي:[16]
أضحى استخدام غازات الكلوروفلوركربون في الثلاجات (البرادات) ممنوعاً في معظم الدول الأوروبية وفقاً لتوصيات البرلمانِ الأوروبيّ بعدما ثبتَ أن تلك الغازات تتفاعل مع طبقةِ الأوزون في طبقات الجو العليا فتؤدي إلى تحللها مما يعمل على تسارع نضوبِ الأوزون، وهو ما يعرف بـ«ثقب الأوزون» واتساعه، والمعروف علمياً أن وجود طبقةِ الأوزون في الطبقاتِ العليا من الغلاف الجوي يحمي من التأثيرات الضارة للغاية للأشعةِ فوقَ البنفسجيةِ، إذ هذه الطبقة تمتص قدراً كبيراً منها وتحجبها عن الوصول إلى سطح الأرض، فطبقة الأوزون ضروريّة لحمايةِ الكائناتِ الحيةِ على الأرض.
تُحدّد تراكيز الغلاف الجوي من خلال التوازن بين المصادر (انبعاثات الغاز نتيجة الأنشطة البشرية والأنظمة الطبيعية) والمصارف (إزالة الغاز من الغلاف الجوي عن طريق التحويل إلى مركبٍ كيميائيٍّ مختلفٍ أو امتصاصه بواسطة المسطحات المائية).[17] نسبة الانبعاثات المتبقية في الغلاف الجوي بعد فترةٍ زمنيةٍ محددةٍ هي «الجزء المحمول جواً» (ويرمز له بـAF)، والجزء السنوي المحمول جواً هو نسبة الزيادة في الانبعاثات المتبقية في الغلاف الجوي في سنةٍ معينةٍ إلى إجمالي انبعاثات ذلك العام. اعتباراً من عام 2006 بلغ الجزء المحمول جواً من ثاني أكسيد الكربون حوالي (0.45)، وازداد الجزء السنوي المحمول جواً بمعدل (0.25 ± 0.21٪) في السنة خلال الفترة 1959-2006.[18]
لبعض الغازاتِ تأثيراتٌ إشعاعيّة غيرُ مباشرةٍ (سواءً أكانت غازاتِ دفيئةٍ أم لا). تحدث هذه التأثيرات بطريقتين رئيسيتين:
وللميثان تأثيراتٌ غير مباشرةٍ بالإضافةِ إلى تكوينهِ ثاني أكسيد الكربون. إن المادة الكيميائية الرئيسية التي تتفاعل مع الميثان في الغلاف الجوي هي جذور الهيدروكسيل (OH)، وعليه فالمزيد من الميثانِ يعني تركيزاً أقل من الهيدروكسيل. بشكلٍ فعالٍ يزيد الميثان من عمرهِ في الغلافِ الجوي وبالتالي من تأثيرهِ الإشعاعي الكلي. يمكن أن ينتجَ عن أكسدةِ الميثانِ والأوزون الماء وهو مصدرٌ رئيسي لبخار الماءِ في طبقةِ الاستراتوسفير الجافةِ عادة. يُنتج كلٌّ من أول أكسيد الكربون والمركبات غير العضوية المتطايرة ثاني أكسيد الكربون عند أكسدتها، وبذا تُزيل الهيدروكسيل (OH) من الغلافِ الجوي، وهذا يؤدي إلى تراكيزَ أعلى من الميثانٍ. إن التأثير المدهش لهذا الأمر هو أن احتمالية الاحترار العالمي لأول أكسيد الكربون تبلغ ثلاثة أضعاف ثاني أكسيد الكربون.[21] يمكن أن تؤدي العملية نفسها -التي تحوّل مركبات (NMVOCs) إلى ثاني أكسيد الكربون- كذلك إلى تكوين أوزون الاتروبوسفير. وللهالوكربونات تأثيرٌ غيرُ مباشرٍ لأنها تدمر أوزون الاستراتوسفير. وأخيراً يمكن أن يؤدي الهيدروجين إلى إنتاج الأوزون وزيادة الميثان وكذلك إنتاج بخار الماء في الاستراتوسفير (بالإنجليزية: Stratosphere).[20]
المساهم الرئيسي غير الغازي في تأثير الاحتباس الحراري للأرض هو الغيوم. فالسحب -والتي هي عبارة عن قطراتِ ماءٍ أو بلوراتٍ ثلجيةٍ معلقةٍ في الغلاف الجوي- تمتص أيضاً الأشعةَ تحتَ الحمراءِ كما تنبعث هذه الأشعة منها، وبناءً عليه فلها تأثيرٌ على الخصائص الإشعاعيّةِ لغازاتِ الاحتباس الحراري.[22] [23]
تحدد مساهمة كل غازٍ في ظاهرة الاحتباس الحراري من خلال خصائص هذا الغاز ووفرته وأية آثارٍ غير مباشرةٍ يمكن أن يسببها. على سبيل المثال إن التأثير الإشعاعي المباشرَ لكتلةٍ من الميثان (بالإنجليزية: Methane) أقوى بنحو (84) مرةٍ من الكتلة نفسها من ثاني أكسيد الكربون خلال إطارٍ زمني مدته عشرون عاماً،[26] ولكنه موجودٌ بتراكيز أقلَّ بكثيرٍ بحيث إن تأثيره الإشعاعي المباشر الكلي أقل حتى الآن، وذلك عائدٌ جزئياً إلى عمر كتلة الميثان الأقصر في الغلاف الجوي في طل غياب عزل الكربون الإضافي. من جهةٍ أخرى فإن للميثان -إضافةً إلى تأثيره الإشعاعي المباشر- تأثيراً إشعاعيّاً كبيراً غيرَ مباشرٍ لأنه يساهم في تكوين الأوزون، (شيندل وآخرون (2005).[27] يُجادَل بأن مساهمة الميثان في تغير المناخ نتيجة هذا التأثير تبلغ -على الأقل- ضعفي التقديراتِ السابقةِ.[28]
المركب |
رمزه الكيميائي |
تركيزه في الغلاف الجوي (%)[29] جزء في المليون (ppm) |
مساهمته (%) |
---|---|---|---|
بخار الماء والسحب | H2O | 10–50,000(A) | 36–72% |
ثاني أكسيد الكربون | CO2 | ~400 | 9–26% |
الميثان | CH4 | ~1.8 | 4–9% |
الأوزون | O3 | 2–8(B) | 3–7% |
ملاحظات: (A) تختلف نسبة بخار الماء محلياً بشدة.[30] |
إضافةً إلى غازات الدفيئة الرئيسية المذكورة أعلاه تشمل غازات الدفيئة الأخرى سداسي فلوريد الكبريت ومركبات الكربون الهيدروفلورية ومركبات الكربون المشبعة بالفلور (انظر قائمة غازات الاحتباس الحراري للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ). لا يجري سرد بعض غازات الدفيئة في كثيرٍ من الأحيان، فعلى سبيل المثال يمتلك ثلاثي فلوريد النيتروجين مقدرةً عاليةً على إحداث الاحترار العالمي (GWP) ولكنه موجود بكمياتٍ صغيرةٍ جداً.[31]
من غير الممكن القول إن غازاً معيناً يتسبب بنسبةٍ مئويةٍ دقيقةٍ من تأثير الاحتباس الحراري، ويرجع ذلك إلى أن بعض الغازات تمتص وتصدر إشعاعاتٍ على نفس ترددات غيرها من الغازات، وبناءًعليه فإن إجمالي تأثير الاحتباس الحراري ليس مجرد مجموع تأثير كل غاز. النهايات العليا للنطاقات المقتبسة تخص كل غازٍ على حدة؛ في حين الأطراف السفلية مسؤولة عن تداخل الغازات الأخرى.[22] [23] بالإضافة إلى ذلك من المعروف أن لبعض الغازات -مثل الميثان- تأثيراتٌ كبيرةٌ غيرُ مباشرةٍ لاتزال قيد التحديد.[32]
بصرفِ النظر عن بخار الماءِ -الذي تبلغ مدة بقائه بحدود تسعة أيامٍ تقريباً-[33] تختلط غازات الدفيئة الرئيسية جيداً، وتستغرق سنواتٍ عديدةً قبل أن تترك الغلاف الجوي.[34] وعلى الرغم من أنه ليس من اليسير معرفة المدة التي تستغرقها هذه الغازات لمغادرة الغلاف الجوي بدقةٍ، إلا أنه ثمة تقديراتٌ لغازاتِ الدفيئةِ الرئيسية. يعرّف جاكوب (1999)[35] العمرَ الغلافجوّي[هامش 2] (بالإنجليزية: Atmospheric Lifetime) (ولنرمز له بـȚ، تقرأ «تاو») لأحد أنواع غازات الغلاف الجوي (ولنرمز له بـ X) في نموذج صندوقٍ واحدٍ، على أنه متوسط الزمن الذي يبقى فيه جزيء (X) في الصندوق. رياضياتياً يمكن تعريف (Ț) على أنها نسبة الكتلة (m) (بالكيلوغرام) من X في الصندوق إلى معدل إزالتها، حيث «معدل الإزالة» هو مجموع تدفق X من الصندوق (Fout) [التسرب]، والفاقد الكيميائي (L) [التحلل]، والترسب (D) [على الأرض]، وجميع هذه الحدود مقيسة بالكيلو جرام / ثانية:[35]
وعليه فإن «العمرَ الغلافجوّي» (بالإنجليزية: Atmospheric Lifetime) لأي نوعٍ من الغازات يقيسُ الوقتَ اللازمَ لاستعادةِ التوازن بعد زيادةٍ أو نقصانٍ مفاجئين في تركيزه في الغلاف الجوي. ربما تُفقد الذراتُ أو الجزيئات الفردية أو تترسب في أحواضٍ مثل التربة، أو المحيطات وأنواع المياه الأخرى، أو الغطاء النباتي والأنظمة البيولوجية الأخرى مما يقلل من الفائض عن التركيزات المسبقة. إن متوسط الزمن المستغرَق لتحقيق ذلك هو متوسط العمر [الغلافجوّي].
لغاز ثاني أكسيد الكربون عمرٌ قابلٌ للتباين في الغلاف الجوي، ولا يمكن تحديده بدقةٍ،[26] [36] فعلى الرغم من أن أكثر من نصف ثاني أكسيد الكربون المنبعث يزول من الغلاف الجوي في غضون قرنٍ من الزمن، إلا أن جزءاً (حوالي 20٪) من انبعاثات هذا الغاز تبقى في الغلاف الجوي لآلاف السنين.[37] [38] [39] تنطبق قضايا مماثلة على غازاتِ الدفيئةِ الأخرى -والتي ليس للعديد منها عمرٌ أطول من ثاني أكسيد الكربون- فعلى سبيل المثال يبلغ متوسط عمر أكسيد النيتروز (أكسيد النيتروجين الثنائي N2O) في الغلاف الجوي 121 سنة.[26]
تمتص الأرض بعض الطاقة المشعة التي تتلقاها من الشمس، وتعكس بعضها على شكل ضوءٍ، والباقي تعكسه أو تشعه إلى الفضاء كحرارة. تعتمد درجة حرارة سطح الأرض على هذا التوازن بين الطاقة الواردة والصادرة، أي إذا جرى تغير في توازن الطاقة هذا فسيغدو سطح الأرض أكثر دفئاً أو أكثر برودةً مما يؤدي إلى مجموعةٍ متنوعةٍ من التغيرات في المناخ العالمي.[42]
يمكن لعدة آليّاتٍ -إما طبيعية وإما من صنع الإنسان- أن تؤثرَ على توازنِ الطاقةِ العالمي وتفرضَ التغييرات على مناخ الأرض، وغازات الاحتباس الحراري (بالإنجليزية: Greenhouse gases) هي واحدة من هذه الآليات. تمتص غازات الاحتباس الحراري وتشع بعضاً من الطاقةِ الخارجةِ المشعَةِ من سطح الأرض مما يتسبب في الاحتفاظ بهذه الحرارة في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي.[42] كما هو موضح أعلاه تبقى بعضُ غازات الدفيئة في الغلاف الجوي لعقودٍ أو حتى لقرونٍ، وعليه يمكن أن تؤثر على توازن طاقة الأرض على مدى فترةٍ طويلةٍ من الزمن. يحدَّد التأثيرُ الإشعاعي (ويقاسُ بالواط لكل مترٍ مربعٍ) تأثيرَ العوامل التي تؤثر على توازن طاقة الأرض؛ بما فيه التغيّرات في تراكيز غازات الاحتباس الحراري. يؤدي التأثيرُ الإشعاعي الموجبُ إلى الاحترار عن طريق زيادة صافي الطاقة الواردة، بينما يؤدي التأثير الإشعاعي السالب إلى التبريد.[43]
يصطلح علماء الغلاف الجوي في (NOAA) على «مؤشر غازات الاحتباس الحراري السنوي» Annual Greenhouse Gas Index (أو اختصاراً AGGI) وهو إجمالي التأثير الإشعاعي المباشر الناتج عن غازات الاحتباس الحراري طويلة العمر والمختلطة جيداً لأي سنةٍ توجد فيها قياسات عالمية كافية، وذلك بنسبته إلى ذلك الموجود عامَ 1990.[44] [45] ترتبط مستويات التأثير الإشعاعي هذه بمستويات عام 1750 (أي قبل بداية العصر الصناعي). اختير العام 1990 لأنه عام الأساس لـ«بروتوكول كيوتو»، وهو عام نشر أول تقييمٍ علميٍّ بشأن تغير المناخ لـ (IPCC) «الهيئةِ الحكوميةِ الدوليةِ المعنيةِ بتغير المناخ». على هذا النحو تنص (NOAA) على أن مؤشر (AGGI): «يقيسُ الالتزامَ الذي قطعه المجتمع (الدولي) بالفعل للعيش في مناخٍ متغيرٍ، ويستند إلى أعلى مستويات الجودة في رصدِ الغلافِ الجوي من المواقع في جميع أنحاءِ العالم، ودرجة الشكِّ فيه منخفضة للغاية».[46]
تعتمد إمكانية حدوث الاحترار العالمي (بالإنجليزية: Global Warming Potential) (اختصاراً GWP) على عاملين: كفاءةُ الجزي كغاز دفيئةٍ، وكذلك على عمره الغلافجوي (بالإنجليزية: Atmospheric Lifetime). تُقاس القدرة على الاحترارِ العالمي لغاز دفيئةٍ نسبةً إلى الكتلةِ نفسها من ثاني أكسيد الكربون وتقييمها على نطاقٍ زمني محدد، وعليه فإذا كان للغاز تأثيرٌ إشعاعي مرتفع (إيجابي) إلا أنه ذو عمرٍ غلافجويٍّ قصير، فستكون مقدرته كبيرةً على الاحترار العالمي ضمن نطاق عشرين عاماً لكنها صغيرة على نطاق مئة عام. وعلى العكس من ذلك فإذا كان للجزيء عمرٌ أطولَ في الغلاف الجوي من ثاني أكسيد الكربون، فسوف تزداد قدرته على إحداث الاحترار العالمي عند أخذ النطاق الزمني في الاعتبار. يُعرَّف ثاني أكسيد الكربون بأن له قدرة احترارٍ عالميٍّ تبلغ (1) في جميع الفترات الزمنية [بمعنى أنه يُتخذ معياراً للقياس على كلٍّ من الآماد القصيرة والمتوسطة والطويلة].[هامش 3]
يبلغ العمر الغلافجوي للميثان (12 ± 3) سنوات. يورد تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) لعام 2007 قدرة الميثان على إحداثِ الاحترار العالمي بـ 72 على نطاقٍ زمنيٍّ مداه عشرون سنة، وبـ 25 على مدى مئة سنةٍ، وبـ 7.6 على مدى خمسمئة سنة،[47] ومع ذلك يشير تحليلٌ من العامِ 2014 إلى أنه على الرغم من أن التأثير الأولي للميثان أكبر بحوالي مئة مرةٍ من تأثير ثاني أكسيدِ الكربون، إلا أن تأثير الغازين يغدو متساوياً تقريباً بعد ستة أو سبعة عقودٍ نظراً لقصر عمره الغلافجوي، ثم يستمر الدورُ النسبي للميثان -بعدئذٍ- في الانخفاض.[48] يرجع الانخفاض في قدرة الميثان على إحداث الاحترار العالمي على المدى الطويل إلى تحلله إلى ماءٍ وثاني أكسيد الكربون من خلال التفاعلات الكيميائية في الغلاف الجوي.
في الجدول التالي أمثلة على العمر الغلافجوي والقدرة على إحداث الاحترار العالمي (GWP) نسبةً إلى ثاني أكسيد الكربون لعدة غازات دفيئةٍ:
اسم الغاز | الرمز الكيميائي |
العمر (بالسنوات)[51] |
إمكانية الاحترار العالمي (GWP) لأفق زمني معين | ||
---|---|---|---|---|---|
20 سنة [51] | 100 سنة [51] | 500 سنة [52] | |||
ثاني أكسيد الكربون | CO2 | (*) | 1 | 1 | 1 |
الميثان | CH4 | 12 | 84 | 28 | 7.6 |
أكسيد النيتروز | N2O | 121 | 264 | 265 | 153 |
ثنائي كلورو ثنائي فلورو الميثان | CCl2F2 | 100 | 10 800 | 10 200 | 5 200 |
كلورو ثنائي فلورو الميثان | CHClF2 | 12 | 5 280 | 1 760 | 549 |
رباعي فلورو الميثان | CF4 | 50 000 | 4 880 | 6 630 | 11 200 |
Hexafluoroethane | C2F6 | 10 000 | 8 210 | 11 100 | 18 200 |
سداسي فلوريد الكبريت | SF6 | 3 200 | 17 500 | 23 500 | 32 600 |
Nitrogen trifluoride | NF3 | 500 | 12 800 | 16 100 | 20 700 |
(*) لايمكن إعطاء عمرٍ واحدٍ لغاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. |
جرى التخلص التدريجي من استخدام غاز (CFC-12) [المعروف بغاز الفريون] باستثناء بعض الاستخدامات الأساسية بسبب خصائصه المستنفدة للأوزون.[53] والعمل جارٍ للانتهاء من عمليةِ التخلص التدريجي من مركبات الكربون الهيدروكلورية فلورية (HCFC) الأقل نشاطاً بحلول العام 2030 بموجب بروتوكول مونتريال.[54]
بغضّ النظر عن الهالوكربونات الصناعية التي ينتجها الإنسان، فإن معظم غازاتِ الدفيئةِ لها مصادر طبيعية ومن صنع الإنسان. أثناءَ العصر الحديثِ ما قبلَ الصناعي كانت تراكيز الغازاتِ الموجودةِ ثابتةً تقريباً، لأن المصادر الطبيعية الكبيرة والمصارف كانت متوازنةً تقريباً، ولكن في العصر الصناعي أضافت الأنشطة البشرية غازات الاحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي؛ وبشكلٍ رئيسيٍّ من خلالِ حرقِ الوقودِ الأحفوري وإزالة الغابات.[55] [56]
أشار تقرير التقييم الرابع لعام 2007 الذي أعده الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (AR4) إلى أن «التغيرات في تراكيز غازاتِ الدفيئةِ والهباءِ الجوي والغطاءِ الأرضي والإشعاع الشمسي تُغيّر توازنَ الطاقةِ في نظام المناخ»، وخلص إلى أنّه «من المرجح جداً أنّ الزياداتِ في تراكيز غازاتِ الدفيئةِ بشريةِ المنشأ تتسبب في معظم الزياداتِ في متوسطِ درجاتِ الحرارةِ العالميةِ منذ منتصفِ القرن العشرين».[57] وفي (AR4) تُعرّف كلمة «معظم» بأنها أكثر من 50 ٪.
يقدم الباطن الجليدي [العينات المأخوذة من الأعماق في القطبين] دليلاً على الاختلافات في تركيز غازات الاحتباس الحراري على مدى 800,000 سنة الماضية (انظر القسم التالي). يتفاوت كلٌّ من ثاني أكسيد الكربون والميثان بين العصور الجليدية وما بين الجليدية، وترتبط تراكيزُ هذه الغازات بشدةٍ بدرجة الحرارة. لاتوجد بيانات مباشرة لحقبٍ أبكرَ لتلك الممثَّلة في سجل الجليد الأساسي، وهو رقم قياسي يشير إلى بقاء كسور جزيء ثاني أكسيد الكربون في مجالٍ من 180 جزءاً في المليون (ppm) إلى 280 جزءاً في المليون خلال 800,000 سنةٍ ماضيةٍ حتى الزيادة في الـ 250 السنة الماضية، ومع ذلك فإن الوكلاء المختلفين والنمذجة تشير إلى اختلافاتٍ أكبرَ في العصور الماضية؛ فقبل 500 مليون سنة كانت مستويات ثاني أكسيد الكربون أعلى بعشر مراتٍ مما هي عليه اليوم.[58] يُعتقد في الواقع أن تراكيزَ أعلى من ثاني أكسيد الكربون قد سادت خلال معظم الدهور، مع تراكيزَ من أربعة إلى ستة أضعاف التراكيز الحالية خلال حقبة الدهر الوسيط، وعشرة إلى خمسةَ عشرَ ضعفاً للتراكيز الحالية خلال أوائل العصر الباليوزوي (بالإنجليزية: Palaeozoic) حتى منتصف العصر الديفوني (بالإنجليزية: Devonian) منذ حوالي 400 مليون سنة. [59] [60] [61] يُعتقد أن انتشار النباتات البرية قد قلل من تراكيز ثاني أكسيد الكربون خلال العصر الديفوني المتأخر، وأن أنشطة المصانعِ كمصادرَ ومصارفَ لثاني أكسيد الكربون منذئذٍ كانت مهمةً في توفير ردود الفعل المستقرة.[62] ويبدو -في وقتٍ سالفٍ- أن فترة 200 مليون سنةٍ من التجلد المتقطع والواسع النطاق والتي تمتد إلى قرب خط الاستواءِ (الأرض الكُرَوِية-ثلجية (بالإنجليزية: Snowball Earth)) قد انتهت فجأةً منذ حوالي 550 مليون سنةٍ بسبب إطلاق الغازات البركانية الهائلة والتي رفعت من تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي فجأةً إلى 12 ٪ أي أكثرَ بحوالي 350 مرةً من المستويات الحديثة، مما تسبب في ظروفِ احتباسٍ حراريٍّ قاسيةٍ، وترسبِ الكربوناتِ كحجرٍ جيريٍّ بمعدل حوالي 1 ملم في اليوم.[63] كانت هذه الحلقة إيذاناً بانتهاء حقبة ما قبل الكامبري، وتلتها الظروف الأكثر دفئاً في دهر الحياة البرية، والتي تطورت خلالها الكائنات متعددة الخلايا من كلا الحيوانات والنباتات. مذ ذاك الحين لم يحدث أي انبعاثٍ لثاني أكسيد الكربون البركاني على نطاقٍ مماثل. تبلغ الانبعاثات إلى الغلاف الجوي من البراكين في العصر الحديث حوالي (0.645) مليار طنٍّ [أكثرَ بقليلٍ من نصف مليارٍ] من غاز ثاني أكسيد الكربون سنوياً، بينما تُسهم البشرية بتسعٍ وعشرينَ (29) مليار طنٍّ من هذه الانبعاثات سنوياً.[63] [64] [65] [66]
تظهر القياسات المستقاة من عينات الباطن الجليدي (بالإنجليزية: Ice Core) في القطب الجنوبي أنه -قبل أن تبدأ الانبعاثات الصناعية في الغلاف الجوي- مثلت نسبة الجزيئات من غاز ثاني أكسيد الكربون حوالي 280 جزءاً في المليون (ppm)، وبقيت بين 260 و280 خلال عشرة الآلاف سنةٍ السالفة. ارتفعت نسبة جزيئات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بنسبة 35 في المئة تقريباً منذ القرن العشرين حيث زادت من 280 جزءاً في المليون من ناحية الحجم إلى 387 جزءاً في المليون عامَ 2009، وتشير إحدى الدراسات التي تَستخدم أدلةً من ثغور الأوراق المتحجرة إلى تباينٍ أكبرَ مع وجودِ كسورٍ موليّةٍ[هامش 4] (بالإنجليزية: mole fractions) من ثاني أكسيد الكربون والتي تزيد عن 300 جزءٍ في المليون خلال الفترة من سبعة إلى عشرةِ آلافِ سنةٍ مضت،[67] على الرغم من أن بحاثةً آخرين جادلوا بأن هذه النتائجَ تعكس -على الأرجح- مشاكلَ في المعايرةِ أو التلوثِ بدلاً من التغير الفعلي في ثاني أكسيد الكربون[68] [69] بسبب الطريقةِ التي يُحتجز بها الهواءُ في الجليدِ (تُغلق المسام في الجليد ببطءٍ لتتشكل فقاعاتٌ عميقة داخل الثلج الجليدي (بالإنجليزية: firn)، وكذا الأمر في الفترة الزمنية الممثَّلة في كل عينةٍ جليديةٍ جرى تحليلها. تمثل هذه الأرقامُ متوسط تراكيزَ في الغلاف الجوي تصل إلى بضعة قرونٍ بدلاً من المستوياتِ السنويةِ أو العَقْدية.
ازدادت تراكيز العديد من غازات الدفيئة منذ بداية الثورة الصناعية، فعلى سبيل المثال زاد الكسر المولي من جزيءِ ثاني أكسيد الكربون من 280 جزءاً في المليون إلى 415 جزءاً في المليون (ppm)، أو 120 جزءاً في المليون بمستويات ما قبلَ الصناعة الحديثة. حدثت أول زيادةٍ وقدرها 30 جزءاً في المليون في نحو مئتي عامٍ منذ بداية الثورة الصناعية حتى العام 1958، لكن الزيادة التالية البالغة 90 جزءاً في المليون حدثت في غضون 56 عاماً من 1958 إلى 2014.[70] [71]
تظهر البيانات الحديثة أيضاً أن التركيز يزداد بمعدلٍ أعلى، ففي الستينات كان متوسط الزيادةِ السنويةِ 37٪ فقط مما كان عليه ما بين عام 2000 وعام 2007.[72]
بلغ إجمالي الانبعاثات التراكمية في الفترة من 1870 إلى 2017 (425 ± 20) جيجا طن من الكربون (تعادل 1539 جيجا طن من غاز ثاني أكسيد الكربون) ناتجةً عن الوقود الأحفوري والصناعة، و (180 ± 60) جيجا طن من الكربون (تعادل 660 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون) ناتجةً من التغير في استخدام الأراضي. خلال الفترة (1870-2017) تسبب تغير استخدام الأراضي -كإزالة الغابات مثلاً- بحوالي 31٪ من الانبعاثات التراكمية، والفحم الحجري 32٪، والنفط 25٪، والغاز 10٪.[73]
واليومَ يزداد مخزون الكربون في الغلاف الجوي بأكثرَ من ثلاثة ملايين طنٍّ سنوياً (0.04٪) مقارنةً بالمخزون الحالي. هذه الزيادة نتيجةٌ للأنشطة البشرية عن طريق حرق الوقود الأحفوري، وإزالة الغابات، وتدهور الغابات في المناطق الاستوائية والشمالية.[74]
تُظهر غازات الدفيئةِ الأخرى الناتجة عن النشاط البشري زياداتٍ مشابهةً في كلٍّ من كمية الزيادة ومعدلها. يتوفر العديد من الملاحظات على الإنترنت في مجموعةٍ متنوعةٍ من قواعد بيانات رصد كيمياء الغلاف الجوي.
يمثل بخارُ الماءِ (بالإنجليزية: Water Vapor) النسبةَ الأكبر من تأثير الاحتباس الحراري؛ ما بين 36٪ و66٪ في ظروف السماء الصافية، وما بين 66٪ و85٪ عند تضمين دور السحب.[23] تتغير تراكيز بخار الماء إقليمياً، إلا أن النشاط البشري ليس له تأثير مباشر على تراكيز بخار الماء إلا على المستويات المحلية مثل الحقول المروية القريبة. أما بطريقةٍ غير مباشرةٍ فإن النشاط البشري -الذي يزيد من درجات الحرارة العالمية- سيزيد [بدوره] من تراكيز بخار الماء، وهي عملية تُعرف باسم تغذية بخار الماء. يتباين تركيز البخار في الغلاف الجوي بدرجةٍ كبيرةٍ ويعتمد إلى حدٍّ كبيرٍ على درجةِ الحرارة؛ من كتلةٍ أقلَّ من 0.01٪ في المناطق شديدةِ البرودةِ إلى 3٪ في الهواء المشبع عند درجةِ حرارةٍ حوالي 32 درجةٍ مئويةٍ.[75]
يبلغ متوسط زمن بقاءِ جزيءِ الماءِ في الغلاف الجوي حوالي تسعة أيامٍ فقط مقارنةً بسنواتٍ أو قرونٍ لغازات الدفيئة الأخرى مثل الميثان وثاني أكسيد الكربون.[76] يستجيب بخار الماء لآثار غازاتِ الدفيئةِ الأخرى ويُضخّمها. تُثْبت علاقة كلاوزيوس وكلابيرون (بالإنجليزية: Clausius–Clapeyron Relation) أن المزيد من بخار الماء سيوجد لكل وحدة حجمٍ في درجاتِ حرارةٍ مرتفعةٍ. تشير هذه المبادئ الأساسية وغيرها إلى أن الاحترارَ المرتبطَ بزيادة تراكيز غازات الدفيئة الأخرى سيزيد أيضاً من تركيز بخار الماء (بافتراض أن الرطوبة النسبية تبقى ثابتةً تقريباً، وقد وَجدت دراسات النمذجة والرصد أن الأمر كذلك بالفعل). ونظراً لأن بخار الماء من غازات الدفيئة، فإن هذا يؤدي إلى مزيدٍ من الاحترار، وكذلك «ردود الفعل الإيجابية» التي تضخم الاحترار الأصلي. ثمة عملياتٌ أرضيّة أخرى -في نهاية المطاف- تعوض هذه التغذية المرتدة (بالإنجليزية: Feedback) الإيجابية، وتثبت درجة الحرارة العالمية عند توازنٍ جديدٍ، وتمنع فقدان مياه الأرض من خلال تأثير الاحتباسِ الحراري الجامح الذي يشبه كوكب الزهرة.[77]
منذ حوالي العام 1750 رفع النشاط البشري من تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى، واعتباراً من عام 2001 كانتِ التراكيز المقيسة لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي أعلى بمقدار 100 جزءٍ في المليون عن مستويات ما قبلَ الثورةِ الصناعية.[78] إن المصادر الطبيعية لثاني أكسيد الكربون أكبرُ بأكثرَ من عشرين ضعفاً من المصادر بسبب النشاط البشري،[79] ولكن خلال الفتراتِ الزمنيةِ الأطولِ من بضع سنواتٍ تتوازن هذه المصادر الطبيعية بشكلٍ وثيقٍ عن طريق الأحواض الطبيعية، وخاصةً التمثيل الضوئي لمركبات الكربون بواسطة النباتات والعوالق البحرية. نتيجةً لهذا التوازن بقي الكسر المولي الموجود في الغلاف الجوي لثاني أكسيد الكربون بين 260 و280 جزءاً في المليون خلال عشرة آلاف سنةٍ ما بين نهاية آخر ذروةٍ جليديّةٍ وبداية العصر الصناعي.[80]
ومن المرجح أن الاحترارَ ذا المنشأ البشري (بالإنجليزية: Anthropogenic) (من صنع الإنسان) -مثلُ ذاك الناتجِ عن ارتفاعِ مستوياتِ غازاتِ الاحتباسِ الحراري- كان له تأثيرٌ واضحٌ على العديدِ من النظم الفيزيائيّةِ والبيولوجيّة. إن للاحترار مجموعةً من التأثيراتِ بما فيها ارتفاعُ مستوى سطح البحر،[81] وزيادة تواتر بعض الظواهر المناخيةِ المتطرفةِ وشدتها،[81] وفقدانُ التنوع الأحيائي (البيولوجي)،[82] والتغيرات الإقليمية في الإنتاجية الزراعية. [83]
تمكن إزالة غازات الدفيئة من الغلاف الجوي من خلال عملياتٍ مختلفةٍ نتيجةً لما يلي:
ثمة عددٌ من التقانات التي تزيل انبعاثاتِ غازاتِ الاحتباسِ الحراري من الغلاف الجوي، والأكثر تحليلاً من هذه التقاناتِ هي تلكمُ التي تزيلُ ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي إما استناداً إلى التكوينات الجيولوجية مثل الطاقة الحيوية مع احتجاز الكربون وتخزينه وامتصاص هواء ثاني أكسيد الكربون،[84] وإما استناداً إلى التربةِ كما في حالة الفحم الحيوي. أشارت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى أن العديد من نماذج سيناريوهات المناخ طويلة الأجل تتطلب انبعاثاتٍ سلبيةً من صنع الإنسان على نطاقٍ واسعٍ لتجنب تغيرٍ خطرٍ للمناخ.[85]
ازدادت انبعاثات غازات الدفيئة (مقيسةً بمقدارٍ مكافئٍ لغاز ثنائي أكسيد الكربون) في الفترة ما بين عام 1970 وعام 2004 بمعدلٍ متوسطٍ مقداره 1.6 ٪ في السنة مع نمو انبعاثاتِ ثاني أكسيد الكربون الناجم عن استخدام الوقودِ الأحفوري بمعدل 1.9 ٪ سنوياً، وبلغ إجمالي الانبعاثات البشرية في نهاية العام 2009 نحو 49.5 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون. يشمل ذلك انبعاث ثاني أكسيد الكربون من استخدام الوقود الأحفوري ومن استخدام الأراضي، وكذلك انبعاث الميثان وأكسيد النيتروجين وغازات الدفيئة الأخرى التي يغطيها «بروتوكول كيوتو».[86]
يعتبر حالياً احتراق الفحم الحجري والغاز الطبيعي والنفط لتأمين الكهرباء والحرارة المصدرَ الرئيسيَّ لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.
يمكن تتبع انبعاثات غازات الدفيئة في الولايات المتحدة من قطاعاتٍ مختلفةٍ وفقاً لوكالة حماية البيئة (EPA).
ثمة عدة طرقٍ لقياس انبعاثات غازات الدفيئة، فعلى سبيل المثال انظر إلى البنك الدولي (2010) لرؤية جداول بيانات الانبعاثات الوطنية. تشمل بعض المتغيرات المُبلَغِ عنها ما يلي:[87]
تشمل الطرق الأربعة الرئيسية الأسلوبَ القائمَ على عامل الانبعاثات وطريقة توازن الكتلة وأنظمة مراقبة الانبعاثات التنبؤية ونظم مراقبة الانبعاثات المستمرة. تختلف هذه الطرق في الدقة والتكلفة وسهولة الاستخدام.
تستخدم بعض البلدان هذه التدابيرَ في بعض الأحيان لإثبات مواقفها السياسية/الأخلاقية المختلفة حول تغير المناخ (بانوري وآخرون، 1996، ص 94). يؤدي استخدامُ تدابيرَ مختلفةً بين البلدان إلى عدم قابلية المقارنة بينها، وهو ما يمثل مشكلةً هامةً فيما يخص مراقبة تقدمنا نحو نجقيق الأهداف العالمية. يدور نقاش حالياً لاعتماد أداة قياسٍ مشتركةٍ، أو على الأقل تطوير سبيلٍ لربط الأدوات المختلفة.[88][88]
يمكن قياسُ الانبعاثات على مدى فتراتٍ زمنيةٍ طويلة. يسمى هذا النوع من القياس الانبعاثات التاريخية أو التراكمية. تعطي الانبعاثات التراكمية بعض الأدلة التي توجهنا نحو المسؤول عن تراكم غازات الدفيئةِ في الغلاف الجوي (وكالة الطاقة الدولية، 2007، ص 199).[89]
ترتبط موازنة الحساباتِ القوميةِ ارتباطاً إيجابياً بانبعاثات الكربون، وتُظهر الفرق بين الصادرات والواردات. تكون الموازنة سالبةً في حالة الدول الثرية كالولايات المتحدة الأمريكية التي تستورد سلعاً أكثر مما تُصدر، ويرجع ذلك في الغالب إلى أن إنتاج السلع خارج البلدان المتقدمة يكون أرخص، مما يؤدي إلى زيادة اعتماد اقتصادات البلدان المتقدمة على الخدمات لا على السلع. يُعتَقد أن الموازنة الإيجابية ترتبط في الحسابات [القومية] طرداً مع إنتاج البلد، وبالتالي فإن زيادة عدد المصانع العاملة سيزيد من مستويات انبعاثات الكربون.[90]
يمكن أيضاً قياس الانبعاثات خلال فتراتٍ زمنيةٍ قصيرة. على سبيل المثال يمكن قياس التغيرات في الانبعاثات بعد تحديد سنة 1990 باعتبارها سنة أساس. اختُيرت سنة 1990 في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، وتُستَخدم كذلك في «بروتوكول كيوتو» (قيست بعض الغازات أيضاً اعتباراً من عام 1995). يمكن أيضاً الإبلاغ عن انبعاثات البلد كنسبةٍ من الانبعاثات العالمية لسنةٍ معينة.
تقيس طريقة أخرى نصيبَ الفردِ من الانبعاثات؛ وفيها يقسم إجمالي الانبعاثاتِ السنويةِ لبلدٍ ما على عدد سكانهِ في منتصف العام. قد تستند الانبعاثات لكل فردٍ إلى الانبعاثات التاريخية أو السنوية (بانوري وآخرون، 1996، ص ص: 106- 107).
تُعتبر المدن أحياناً مساهماً متبايناً فيما يخص الانبعاثات، لكن تميل الانبعاثات إلى أن تكون أقلَّ في المدن مقارنةً بمتوسط الانبعاث في البلدان.[91]
ربما أثر التغيير في استخدام الأراضي كاقتلاع الغابات بهدفِ الاستخدام الزراعي على تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي عن طريق تغيير كمية الكربون التي تتدفق من الجو إلى مصارف الكربون. يمكن فهم دور التغير في استخدام الأراضي على أنه محاولة لقياس الانبعاثات الصافية أو إجمالي الانبعاثات من جميع المصادر مطروحاً منها الانبعاثات الممتصة من الغلاف الجوي بواسطة مصارف الكربون (بانوري وآخرون، 1996).[88][92]
ومع ذلك تدور حول قياس انبعاثات الكربون الصافية شكوكٌ كبيرةٌ، وثمة جدلٌ قائمٌ حول الطريقة التي ينبغي أن تتوضع بها مصارف الكربون بين المناطق المختلفة ومع مرور الوقت (بانوري وآخرون، 1996، ص 93). على سبيل المثال من المرجح أن يكون التركيز على التغييرات الأحدث في مصارف الكربون لصالح المناطق التي أزيلت منها الغابات في وقتٍ مبكرٍ مثل أوروپا.[88][93]
تقيس كثافة غازات الدفيئة مقدار انبعاثات تلك الغازات نسبةً إلى مقياسٍ آخرَ، على سبيل المثال نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي أو مقدار استخدام الطاقة. تُستخدم أحياناً مصطلحات «كثافة الكربون»، و«كثافة الانبعاثات» للإشارة إلى الأمر نفسه أيضاً. يمكن حساب كثافة الانبعاثات باستخدام أسعار الصرف في السوق أو معادل القدرة الشرائية (بانوري وآخرون، 1996، ص 96). تُظهر الحسابات المستندة إلى أسعار الصرف في السوق اختلافاتٍ كبيرةً في الكثافة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، بينما تُظهر الحسابات المستندة إلى تعادل القوة الشرائية اختلافاتٍ أصغر.[88][94]
عادةً ما تكون انبعاثات الفرد السنوية في الدول الصناعية أعلى بحوالي عشرة أضعاف متوسطها في البلدان النامية. يقترب متوسط انبعاثات الصين السنوية للفرد الواحد بسرعةٍ من السويّات الموجودة في مجموعة الملحق الأول من بروتوكول كيوتو (أي البلدان المتقدمة باستثناء الولايات المتحدة) وذلك بسبب التطور الاقتصادي السريع فيها. تتضمن الدول الأخرى التي تشهد انبعاثاتٍ سريعةَ النمو كوريا الجنوبية وإيران وأستراليا والتي تحوز الآن أعلى معدل انبعاثاتٍ للفرد في العالم إذا ما غضضنا النظر عن دول الخليج العربي الغنية بالنفط. من ناحيةٍ أخرى يتناقص نصيب الفرد السنوي من الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تدريجياً بمرور الزمن، كما انخفضتِ الانبعاثات في كلٍّ من روسيا وأوكرانيا بشكلٍ سريعٍ اعتباراً من عام 1990 بسبب إعادة الهيكلة الاقتصادية فيها.[95][96][96]
تكون إحصائيات الطاقة للاقتصاداتِ سريعةِ النمو أقلَّ دقةً من إحصائيات البلدان الصناعية، مثلاً قدرت وكالة التقييم البيئي الهولندية مجالَ ارتياب الانبعاثات السنوية في الصين في عام 2008 بنحو 10 ٪.[96]
يشير مصطلح «بصمة غازات الدفيئة» إلى الانبعاثات الناتجة عن صنع المنتجات أو تقديم الخدمات، وهو أكثر شموليةً من مصطلح «البصمة الكربونية» شائع الاستخدام والذي يقيس انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فقط دونما باقي غازات الدفيئة الأخرى.
كان عامُ 2015 العامَ الأول الذي يشهد نمواً كلياً للاقتصاد العالمي وانخفاضاً في مقادير انبعاثات الكربون في الوقت ذاته.[97]
|url=
value. Empty. نسخة محفوظة 2022-09-01 على موقع واي باك مشين.
{{استشهاد بكتاب}}
: تحقق من التاريخ في: |تاريخ الوصول=
(مساعدة)
{{استشهاد بكتاب}}
: صيانة الاستشهاد: وصلة دوي غير نشطة منذ 2020 (link)
{{استشهاد بدورية محكمة}}
: تحقق من التاريخ في: |تاريخ الوصول=
(مساعدة)